اللاجئون السوريون ورقة مُستغلة وساحة لتصفية الحسابات في انتخابات البلدان التي يعيشون فيها



السورية نت - مراد الشامي

يتحول ملايين السوريين في بلدان اللجوء المختلفة التي يعيشون فيها، إلى مادة دسمة في البرامج الانتخابية للأحزاب الراغبة بالوصول إلى السلطة، والتي تجد في اللاجئين ذريعة لتحقيق مكاسب وحصد مزيد من الأصوات.

وعندما تطرق مسامع اللاجئين السوريين حدوث انتخابات في بلدان اللجوء التي انتقلوا إليها، فأول ما يتبادر إلى أذهانهم، كيفية استغلال وجودهم من قبل بعض الأحزاب التي تتوجه لقواعدها المحلية باللعب على وتر التخويف من اللاجئين، وتعظيم الجوانب السلبية لوجودهم، ثم تقديم الوعود بترحيلهم إلى بلدهم، بغض النظر عما ينتظرهم هناك.

وليس هذا الاستغلال حكراً على بلد ما من بلدان اللجوء دون غيره، كما أنه ليس موجوداً في جميع البلدان التي يعيش فيها ما لا يقل 5.6 مليون لاجئ سوري، بحسب آخر إحصائية للأمم المتحدة.

فمن دول أوروبية، مروراً إلى لبنان وتركيا، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم عند كل انتخابات في وجه عاصفة من الخطابات الشعبوية، والتجييش من قبل سياسيين وأحزاب يربطون جزءاً كبيراً من الأزمات التي يعانيها بلدهم باللاجئين، أو أنهم يحملون اللاجئين مسؤولية كبيرة عما تراه الأحزاب "أخطاءً في حكومات بلدها".

ويعيش اللاجئون السوريون حالياً في تركيا ولبنان - أكثر بلدين يعيش بهما لاجئون - وسط أجواء انتخابية مشحونة للغاية وتنعكس عليهم بشكل مباشر.

عاصفة من التجييش في لبنان

وأُجريت، أمس الأحد، الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان لأول مرة منذ 9 سنوات، وسبق الاقتراع بأيام حملة غير مسبوقة من التجييش والاستغلال لملف اللاجئين السوريين ، ما أدى إلى مقتل اللاجئ السوري محمد عبد الجواد من مدينة حمص، جراء تعرضه لضرب مبرح من قبل عسكري لبناني.

محمد عبدالجواد، لاجئ سوري يعمل سائق حافلة بروضة أطفال في #لبنان، توفي اليوم متأثرا بجراحه بعدما تعرض للضرب من قبل عسكري في #الجيش_اللبناني، الخميس الماضي، أثناء إيقاف الفان لإنزال أحد الأطفال إلى منزله. قتل محمد بعدما عرف العسكري أنه سوري من لهجته عندما اعترض على وقوفه في الشارع. pic.twitter.com/W7VO8A6Npw

— Fadi Dahouk (@fadidahouk) April 25, 2018

وتحولت كلمتا اللاجئ السوري إلى جزء أساسي من خطابات الأحزاب السياسية اللبنانية التي كانت تحشد قبل الانتخابات، حتى أن "تيار المستقبل" الذي كان اللاجئون السوريون يرونه الأقرب إليهم في لبنان بحكم موقفه العدائي للأسد الذي يتهمه الحزب بقتل رفيق الحريري، لم يجد حرجاً في تجييش اللبنانيين ضد السوريين.

ولعب رئيس الحكومة سعد الحريري على مفردات تطرب مسامع بعض اللبنانيين الكارهين لوجود السوريين، أملاً منه في كسب مزيد من الأصوات لـ"تيار المستقبل".

وقال الحريري إن لبنان تحول إلى مخيم كبير للاجئين بسبب وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيه، وحذر من أن التوترات بين اللاجئين السوريين واللبنانيين تزداد، وردد ذات العبارة التي استخدمتها بقية الأحزاب الكارهة للاجئين، من أن السوريين ينافسون اللبنانيين على فرص العمل وموارد لبنان.

أما وزير الخارجية جبران باسيل من حزب "التيار الوطني الحر"، فكان أشد تطرفاً في موقفه من اللاجئين السوريين، وقال يوم 25 أبريل/ نيسان الفائت بينما كانت شوارع لبنان تُعلق فيها لافتات المرشحين للانتخابات، إنه يشدد على منع اللاجئين السوريين من الانخراط في سوق العمل، أو توطينهم أو دمجهم بالمجتمع اللبناني.

وأكد في ذات اليوم على ضرورة إعادتهم إلى سوريا، معتبراً أن ذلك الحل الوحيد، وقال أيضاً إنه يرفض ربط عودتهم بالحل السياسي في بلدهم.

يهم #باسيل أن يؤكد مواقفه الرافضة لمبدأ التوطين او "الاندماج" و"الانخراط في سوق العمل" الوارد في البيان، ويعتبر العودة الآمنة والكريمة إلى المناطق المستقرة داخل سوريا هي الحل الوحيد، كما يؤكد رفضه ربط العودة بالحل السياسي في سوريا، مع تأكيد احترام لبنان لمبدأ عدم الإعادة القسرية

— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) April 25, 2018

وانضمت حركة "أمل" إلى جوقة زج اللاجئين السوريين في السباق الانتخابي، حيث قال رئيس مجلس النواب، نبيه بري - من حركة أمل - يوم 26 أبريل/ نيسان 2018، إنه سبق وأن طالب مراراً بالتنسيق مع نظام الأسد لإعادة اللاجئين السوريين.

أما "حزب الله" الذي يقاتل في سوريا دعماً للأسد، فيقود جهوداً حثيثة داخل الحكومة اللبنانية منذ منتصف العام 2017 لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وإعادة العلاقات بشكل أكبر بين الأسد وبيروت.

اللاجئون في تركيا

وبينما تستعد تركيا حالياً لانتخابات برلمانية ورئاسية مفصلية في تاريخ الجمهورية يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، يتكرر المشهد بزج السوريين في حسابات السياسة وبراغماتيتها، كما حصل في الانتخابات التشريعية عام 2015.

وبدأت أحزاب المعارضة التركية برفع شعارات إعادة اللاجئين السوريين كوعود لحملاتها الانتخابية، حيث قالت رئيسة حزب "الخير" ميرال أكشينار، أمس الأحد 6 مايو/ أيار 2018، إنها تتعهد بإعادة 200 ألف لاجئ سوري يعيش في مدينة مرسين إلى بلدهم حال فوزها بالانتخابات.

وأضافت ميرال: سنجعل أشقائنا السوريين يتناولون وجبة إفطارهم في رمضان 2019 مع إخوانهم في سوريا"، واعتبرت أن وجود اللاجئين السوريين في البلاد نتيجة خاطئة لسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحملت اللاجئين مسؤولية انخفاض مستوى المعيشة بتركيا، ومعاناة الشباب الأتراك من البطالة.

وانضمت أكشنار في استغلال ملف اللاجئين إلى حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة التركية، والذي تعهد رئيسه  كمال كيليتشدار أوغلو مراراً بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في حال فاز حزبه بالانتخابات، واستخدم نفس الحجج التي ساقتها ميرال في موقفها الرافض للاجئين، وحملهم أيضاً مسؤولية العديد من الجوانب السلبية التي قال إن الأتراك يعانون منها.

أوروبا ليست أفضل حالاً

وفي دول أوروبية عدة، استُخدم اللاجئون السوريون كـ كبش فداء من قبل أحزاب سياسية لحصد مكاسب انتخابية، خصوصاً من قبل أحزاب اليمين المتطرف التي حققت إنجازات غير مسبوقة بسبب استغلالها لملف اللاجئين، وتخويف الناخبين على مصيرهم ومستقبل بلدهم من اللاجئين.

فعلى سبيل المثال، حقق "حزب البديل" الألماني المتطرف في العام 2016 مكسباً انتخابيا غير مسبوق، وحصل في الانتخابات على مزيد من الأصوات في المجالس الفيدرالية، بعدما عصفت به أزمة جراء انشقاقات حلت بصفوفه، والفضل في ذلك إلى لعبه على وتر التخويف من اللاجئين والمهاجرين، وكان من بين أبرز من سانده، حركة "بيغيدا" المتطرفة المعادية للاجئين والمسلمين، والتي نظمت حملات عدة لتشويه الحقائق عنهم.

ويتبنى "حزب البديل" الذي تأسس في العام 2013، سياسة مناهضة للمهاجرين واللاجئين، وفي العام 2015 الذي شهدت فيه دول أوروبية أكبر موجة لجوء منذ عقود، استثمر الحزب وجود أصوات رافضة لوجودهم، وبدأ بمهاجمة الحكومة الألمانية التي سهلت من وصول اللاجئين إلى أراضيها.

كذلك حقق حزب "الحرية" النمساوي في العام 2015 نتائج غير متوقعة بالنسبة له، وحصل الحزب اليميني المتطرف على 30 بالمئة من أصوات الناخبين في ولاية النمسا العليا، معتبراً ذلك "انتصاراً تاريخياً". ويعد هذا الحزب من أكثر الأحزاب في النمسا عداءً للاجئين والمهاجرين.

جانب آخر مخفي

وأمام هذا التجييش، واستغلال ملف اللاجئين السوريين، تتجاهل الحكومات والأحزاب السياسية والمعارضين للاجئين السوريين، ما تصدره مراكز دراسات أو إحصاء حكومية، أو ما تخلص إليه دراسات وبحوث علمية عن الإيجابيات التي جلبها معهم اللاجئون السوريون للبلدان التي يعيشون فيها.

وخلصت إحصائية صدرت من الجامعة الأمريكية في بيروت العام الماضي، إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان يدفعون نحو 378 مليون دولار سنوياً فقط ثمن إيجارات المنازل التي يقطنون بها، بالإضافة إلى الأموال التي يدفعونها مقابل الحصول على الطعام والمواصلات والرعاية الطبية، فضلاً عن أن بعضهم افتتح مشاريع تجارية ووفر فرص عمل لشبان لبنانيين.

وفي تركيا، أوضح تقرير صادر عن مركز أبحاث الهجرة وأمن الحدود التابع لأكاديمية الشرطة التركية، أنّ 10 بالمئة فقط من اللاجئين السوريين في تركيا يعيشون بالمخيمات.

وأضاف التقرير الذي نشرته وكالة الأناضول أنّ 90 بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون في ولايات تركية مختلفة، معتمدين في قضاء حوائجهم على أموالهم الخاصة التي يجنونها من عملهم، مشيراً أنّ السوريين أثروا بشكل إيجابي على بعض القطاعات الاقتصادية.

ويشار إلى أن من أبرز الأزمات التي يعاني منها اللاجئون خصوصاً في دول الجوار، غياب جهات فاعلة تبعدهم عن تأثيرات المنافسات السياسية والاستغلال، وتضمن حقوقهم ومنحهم حقوق اللجوء التي نصت عليها قوانين الأمم المتحدة.

اقرأ أيضا: إيران ترد على تهديد إسرائيل باغتيال الأسد والإطاحة بنظامه




المصدر