حلم العودة مازال حياً عند الفلسطينيين.. وإسرائيل بلا هوية بعد سبعين عاماً على الاحتلال



السورية نت - رغداء زيدان

لم يزر ثائر شرقاوي (31 عاماً) في حياته قرية كفر عانة التي يتحدر منها، لكن هذا الفلسطيني الذي ولد ونشأ في مخيم الأمعري للاجئين قرب رام الله في الضفة الغربية المحتلة، يعتبر أن بيته ما زال هناك بعد سبعين عاماً على النكبة.

وكفر عانة، التي كانت تابعة لقضاء مدينة يافا، والتي اضطر جد شرقاوي للرحيل عنها في عام 1948، لم تعد موجودة الآن. ولكن شرقاوي، في بيته في مخيم اللاجئين الذي يبعد خمسين كيلومتراً على الأقل عنها، يعرف تفاصيل عنها مثل مدرسة الأولاد والفتيات، بالإضافة إلى بساتين البرتقال التي حدثه جده عنها.

وشرقاوي، واحد من قرابة 5 مليون لاجئ فلسطيني في مخيمات تمتد في الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والأردن.

وتم تهجير أكثر من 760 ألف فلسطيني من أراضيهم في ما صار يعرف لاحقاً بـ"النكبة"

ومثل شرقاوي، فإن غالبيتهم لم يروا بيوتهم أبداً، بعد أن دمرت إسرائيل الكثير منها. لكن وبعد سبعة عقود على تهجير الفلسطينيين، فإن اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يصممون على الاحتفاظ بصلتهم بالقرى والأماكن التي تحدروا منها.

ويشير نبيل والد ثائر إلى أنه واثق من أن الجيل الجديد من اللاجئين الفلسطينيين لن يفقد صلته بوطنه أو قراه الأصلية.

ويقول: "إذا لم يتذكر الجيل الجديد الرواية عن قراهم، فإن الشيخ غوغل سيساعدهم وسيبحثون عن قراهم ويجدونها، والرواية لن تموت ولن ينسى أحد طالما بقوا في مخيماتهم هذه التي يعيشون فيها منذ العام 1948"

علاقة مختلفة

أما بالنسبة للشاب علي، (19 عاماً) المقيم في مخيم الأمعري، والذي يتحدر من قرية النعاني، قضاء الرملة، والتي دمرت عام 1948، فإن العلاقة مع قريته الأصلية مختلفة.

ويقول: "مات جداي عندما كنت طفلاً ولم يتحدث أحد عنها"

وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، سعى بكار فحماوي، وهو مواطن عربي يحمل الهوية الإسرائيلية، يتحدر من عائلة فلسطينية، إلى تصوير قرى ومناطق فلسطينية مهجرة ونشرها على صفحته على فيس بوك، ليتمكن الفلسطينيون في جميع أنحاء العالم من رؤيتها.

وفي احد الفيديوهات، يشير فحماوي إلى مبنى عثماني مهجور، مع صفوف من منازل أنيقة في الخلفية ويقول "هنا كان سوق لكل أنواع التجارة"

ويقول فحماوي عبر الهاتف" "هؤلاء الذين غادروا سمعوا عن بلدهم، ولكنهم لم يروها من قبل"

وتابع: "أقوم بذلك حتى لا ينسوا بلادهم وليعرفوا أن لديهم بلداً هي الأجمل في العالم"

وفي قطاع غزة، الذي تحاصره اسرائيل ومصر، فإن الإنترنت هو السبيل الوحيد لرؤية العالم الخارجي.

ولا تعرف الفتاة شيماء عابد (16 عاماً) في حياتها سوى قطاع غزة، ولكنها تحمل مفتاح بيت جدها في الجية، التي تبعد 19 كيلومتراً شمال القطاع، والتي هجرت من سكانها في حرب عام 1948.

وتقول: "كان (جدي) يحب أن يخبرنا عن الجية وصداقاته والعمل بالزراعة، ومنزلنا الذي كان دافئاً في الشتاء ولطيف الجو في الصيف". وتضيف "هذا المفتاح أورثه جدي لنا سنعود يوماً لمنزله".

إسرائيل بلا هوية

بعد سبعين عاماً على قيامها، يعتبر العديد من الإسرائيليين أنها تواجه اليوم تهديداً جديداً من نوع آخر يتمثل في نزاع مع نفسها ومع هويتها.

ومع حلول الذكرى السبعين لقيام الدولة العبرية في 14 مايو/أيار، تجد إسرائيل نفسها في صراع بين الذين يدعون إلى تعزيز طابعها اليهودي والذين يرون أن هذا يضع مستقبلها كـ"ديمقراطية" على المحك.

ويرى "يديدا ستيرن"، أستاذ القانون في جامعة بار ايلان ونائب رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن "موقف الإسرائيليين مرتبط بالمصير. عندما يكون وجودنا على المحك، نكون موحدين". وعندما تهدأ الأمور، "نعود أحراراً للتنازع حول مستقبلنا"

ومع مسعى حكومة "بنيامين نتانياهو" إلى تقديم تشريع يعزز طابع إسرائيل كدولة يهودية، تعالت أصوات بارزة ضد هذا التوجه.

ويرى خبراء أن هذه الإجراءات تأتي في إطار بحث الدولة التي قامت على أنقاض المحرقة اليهودية، المستمر عن هوية، لكن المروجين لهذه القوانين يؤكدون أنهم يسعون لإعطاء صوت للإسرائيليين الموجودين خارج النخب التقليدية.

إلا أن الكثيرين، وبينهم معارضون وفنانون وجامعيون ومسؤولون سابقون، يعتبرون أنها تندرج في إطار سياسات شعبوية ستؤدي إلى مجتمع أقل ديمقراطية، وحتى إلى ممارسة سياسة "ابارتهيد" (الفصل العنصري) في ما يتعلق بالفلسطينيين.

مرض خبيث

وقدمت حكومة "نتانياهو" مشروع قانون يعرّف إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، اللغة العبرية لغتها الرسمية، ويؤكد أن "القدس الموحدة" هي العاصمة. وتم تمرير مشروع القانون في قراءة أولية في البرلمان.

ووافقت لجنة وزارية الأحد على مشروع قانون جديد يحدّ من قدرة المحكمة العليا على إبطال قوانين يقرها البرلمان، في حال رأت انها تخالف القيم الديمقراطية.

وقال وزراء يؤيدون المشروع إن المحكمة جمعت الكثير من الصلاحيات بالمقارنة مع سلطات البلاد الأخرى.

وبين القرارات التي أصدرتها المحكمة وأغضبت الوزراء، تلك التي أمرت سكان المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية المحتلة بإخلائها، بالإضافة إلى تعليق خطة لطرد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من إسرائيل.

وسعت وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة إلى الحصول على سلطة تخولها حجب تمويل المؤسسات التي تعتبرها غير موالية للدولة.

وأكد رئيس سابق لوكالة الموساد "تسفي زامير" في حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" في مارس/آذار الماضي أن "نتانياهو قد يكون ورث دولة تعاني من أعراض، ولكنه قام بتحويلها الى دولة تعاني من مرض خبيث".

حصن أم منزل

وكانت القيادة الصهيونية العلمانية وممثلون عن اليهود المتدينين المتشددين توصلوا في عام 1947 إلى اتفاق منح اليهود المتشددين سلطة الرقابة على قوانين الأحوال الشخصية بما في ذلك الزواج واحترام يوم السبت للراحة الأسبوعية.

وعكس الإعلان الرغبة بتبني قيم ديمقراطية مع التأكيد على "الطابع اليهودي" للدولة الجديدة.

ولا يوجد في إسرائيل دستور رسمي، ولكن يوجد فيها ما يسمى بـ"القوانين الأساسية" التي تعد بمثابة الدستور.

وأقر البرلمان في عام 1992 قانونين أساسيين يكرسان القيم "اليهودية والديمقراطية"، ويفرضان أن يتوافق أي تشريع مع هذين الشرطين. إلا أن انعدام وجود تعريفات واضحة لـ"اليهودية" و"الديمقراطية" أدى الى تفسيرات متباينة.

ويشير "ستيرن" إلى أن "أعداداً متزايدة من الإسرائيليين يشعرون بالحاجة إلى الاختيار بين يهودية وديمقراطية، ويعتقدون أن الطريقة التي يتم فيها تطبيق هذه المُثُل في المجتمع الإسرائيلي ليست متوازنة بما فيه الكفاية"

وبحسب "ستيرن"، سيطرت قيم الديموقراطية الاجتماعية لليهود العلمانيين من أصل أوروبي في الأربعين عاماً الأولى من قيام الدولة العبرية. ولكن مع قدوم مجموعات جديدة، بينها يهود أتوا من دول عربية، عزّز القوميون الدينيون واليهود المتشددون موقعهم كقوة سياسية بارزة.

وأصبح عرب إسرائيل الذين يشكلون 17.5 بالمئة من سكان الدولة العبرية، ويتحدرون من 160 ألف فلسطيني بقوا في أراضيهم بعد قيام إسرائيل، أكثر نشاطاً من الناحية السياسية.

وكان الكاتب الإسرائيلي "ديفيد غروسمان"، أحد أبرز الأصوات المعارضة في إسرائيل، قال إن "واقع الأبارتهايد" موجود بالفعل بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

وتابع: "تمت إقامة اسرائيل حتى تصير منزلاً للشعب اليهودي الذي لم يشعر أبداً في العالم أنه في داره (..) الآن، بعد 70 عاماً إسرائيل القوية قد تكون حصناً ولكنها ليست منزلاً بعد".

اقرأ أيضا: الأسد يعين جهاد اللحام رئيساً للمحكمة الدستورية العليا




المصدر