ماذا تبقى من الماركسية؟



أعادت الذكرى 200 لميلاد المفكر العالمي كارل ماركس -الشخصية السياسية والفكرية الكبرى التي أثرت في مجرى العالم فكريًا وسياسيًا- طرح أسئلةٍ حول ما تبقى من الماركسية في الواقع السياسي العالمي، وكذلك السوري، وحقيقة كون الماركسية (أساسًا) مواتيةً للحالة السياسية والمجتمعية السورية، في بيئة سورية ذات ملمح إيماني.

يقول الكاتب السوري محمود الوهب، في حديث إلى (جيرون): “لا أعتقد أنَّ شيئًا ما تبقى من الماركسية، في الشأن السياسي العالمي والسوري، ليس لأنَّ الماركسية -كفلسفة تناولت الفكر المادي والاجتماعي وأثْرَت الفكر العالمي- قد فقدت قيمتها، بل لأنَّ السياسيين على اختلاف توجهاتهم، والمتحزبين منهم على وجه الخصوص، غالبًا ما يفصِّلون الأيديولوجيا من أفكار ومعتقدات على حجوم مصالحهم تمامًا”. وأضاف: إن “كثيرًا من السياسيين لا يعيرون الفكر الأهميةَ المطلوبة، ولم تحترم الأحزاب الشيوعية ولا الاشتراكية الأخرى مثقفيها، ولعلنا نذكر تصنيف لينين للمثقفين -وهو المثقف السياسي الأكبر- إذ وضعهم في خانة البرجوازية الصغيرة متذبذبة المواقف”.

أوضح الوهب: “الماركسية من جهة أخرى قد فعلت فعلها في الشأن العام، وبخاصة في العالم الرأسمالي؛ حيث شكلت الماركسية للرأسمالية العالمية كابوسًا مرعبًا على مدى قرن من الزمان؛ إذ إن معظم العاملين في الفكر والفن، في القرن العشرين، كانوا من أنصار الفكر الماركسي؛ ما دفعها إلى إجراء إصلاحات شاملة على أنظمة العمل، انعكست إيجابيًا على حياة العمال، وزيادة إنتاجيتهم، وبإيجاز يمكن القول: إنَّ أحد أهم مطالب العمال الاشتراكيين المتأثرين بفكر ماركس هو تحديد مدة العمل بثماني ساعات في اليوم، إضافة إلى يوم عطلة لكل أسبوع. إنهم اليوم يعملون أقل من ثماني ساعات في كثير من البلدان الرأسمالية، ويومي عطلة في الأسبوع، إضافة إلى ضمانات صحية وتأمينات تقاعدية، وسوى ذلك الكثير”.

حول أثر الماركسية في سورية، قال الوهب: “كانت الماركسية ملهمًا للسياسيين المؤمنين بها، في نزوعهم نحو تحرر بلادهم واستقلالها السياسي. في التطبيق العملي في البلاد العربية كافة، ليس هناك من تجربة شيوعية خالصة لنحكم عليها، وما جرى في هذا البلد العربي أو ذاك ما هو إلا محاكاة لنحو أو آخر من تجارب البلدان الاشتراكية، دونما دراسة علمية. ولعلَّ مقتلها جميعًا كان في تغييب الحريات العامة”.

في الموضوع ذاته، يرى الكاتب محمد صالح أن “ماركس كان المحطة الأهم في تاريخ الاقتصاد في العالم، وكتابه (رأس المال) كان يعدّ قفزة نوعية بالدراسات الاقتصادية، عندما تحدث عن الأجور والأسعار، وفرق القيمة الذي يساهم في الإنتاج”.

أضاف صالح، خلال حديثه إلى (جيرون)، أن “ماركس حاول تفسير التاريخ من وجهة نظره مع الحلم بالمخلّص، كما هي كل الأديان وكل الأفكار الإصلاحية الأخرى، وكانت البروليتاريا هي المخلّص المنتظر لديه في نهاية المطاف.. أرى أن تلك النظرية ستبقى موجودة في المجتمعات كافة، كما بقيت كل النظريات المجتمعية السابقة له، لم تكن حزبًا مكتملًا لتناسب هذا المجتمع أو ذاك، إنما أتى من يعمل عليها في بعض المجتمعات: لينين في روسيا، وماو في الصين، وهوشي منه في فيتنام، وجيفارا وكاسترو”.

تابع: “لكننا في سورية استعرنا الفهم اللينيني، والذي هو فعليًا ستاليني، ولم نستطع أن نطور فهمنا، بما يلائم الوضع السوري، وجميع الأحزاب الشيوعية العربية كانت لينينية، لم يكن هناك حزب ماركسي عربي طوّر أدواته بنفسه. ويمكن لمفكر ما أن يطور ذلك، ويمكن أن يضيف معارف أخرى، حصلت بعد (رأس المال) ليشكل حالة سياسية ناجحة، وأعتقد لا أحد يستطيع تجاهل ماركس”.

في السياق، عدّ الكاتب السوري ماجد علوش أن “الماركسية نظرية في المعرفة أولًا، ونظرية في الاجتماع الاقتصادي والسياسي ثانيًا، وإذا كانت كذلك؛ فإن فاعليتها مستمرة بوجود الناس. مثلها مثل كل نظريات المعرفة التي أنتجها الفكر البشري خلال مسيرته. تبقى في الجوهر ويعاود الإنسان الرجوع إليها والاستفادة منها، تبعًا للتبدلات الموضوعية، وهو ما يشكل الجواب على السؤال: ماذا بقي منها في الواقع السياسي العالمي، أي هي ليست نظرية في السياسة بل في المعرفة أساسًا”.

أوضح علوش، لـ (جيرون)، أن “الكارثة التي تعرضت لها الماركسية هي تحولها من نظرية في المعرفة، أي علم قائم على أصول العلم المتعارف عليها، إلى عقيدة مشابهة للعقائد الدينية، أي نصوص ثابتة تطبق خارج المكان والزمان، وهو ما أفقدها حيويتها، ثم تحوُّلها إلى عقيدة سلطة في الاتحاد السوفيتي السابق، والدول الحليفة له الأمر الذي شوهها من جهة، وحمّلها أوزار السلطة من جهة ثانية، وعطَّل إمكاناتها الحركية، كسلاح في يد الطبقة العاملة في معاركها من أجل الحقوق. وإذا كانت الماركسية نظرية في المعرفة، وسلاحًا نظريًا بيد العمال؛ فهي صالحة للاستخدام في كافة المجتمعات، لأن العلم النظري يتجاوز الحدود القومية والثقافية، أي صالحة للاستخدام في سورية، كما في غيرها، بشرط أن يتم توطينها أي المزاوجة بينها وبين الواقع المحلي، وهو ما فشلت فيه الأحزاب الشيوعية السورية والعربية عامة، لتبعيتها للتصور الستاليني والسوفيتي”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون