on
أخلاق التطوع لدى السوريين إلى أين؟
تنتشر هذه الأيام كثيرًا ظاهرة التطوع والفرق التطوعية، ضمن ظروف اجتماعية سورية لا تخفى على أحد. ولعل من أهم سمات العمل التطوعي، امتلاك مؤهلات أخلاقية وعلمية أيضًا، قد لا تكون متوفرة الآن، لدى كثير من الجمعيات والمنظمات الموجودة اليوم، سواء في بلاد اللجوء أم في الداخل السوري المحرر.
عن كل ذلك، حاولت (جيرون) سؤال بعض المختصين السوريين العاملين ضمن منظمات إنسانية، لتقف معهم على أهم محددات أخلاق العمل التطوعي. وكذلك أهمية التطوع للسوريين اليوم. وما عوامل نجاحه؟ حيث غابت عن مجتمعاتنا السورية قيم وأخلاق التطوع، ضمن هيمنة الدولة الأمنية التي سيطرت سابقًا على كل مفاصل المجتمع.
خولة دنيا، مديرة شبكة المرأة السورية في تركيا، تحدثت إلى (جيرون) قائلة: “لا يوجد مجتمع يخلو من فكرة التعاون والمساعدة، ولكن الاستبداد دائمًا يتعارض مع تنظيم هذا النشاط المجتمعي، أولًا لأنه يؤدي إلى نوع من التنظيم مع مرور الوقت، وثانيًا لأنه يشكل بديلًا عن الدور الذي يجب أن تقوم به الحكومات، وبالتالي يظهر تقصير الحكومات. لذلك كنا نشهد في سورية أنواعًا من العمل الأهلي الذي تبلور إلى جمعيات خيرية، بقيت تحت نظر وسلطة الاستبداد، وكان دورها محدودًا ببعض المجالات، وكان معظمها ذا طابع ديني، بينما تمّ وضع اليد على منظمات المجتمع المدني الأخرى، وتحويلها إلى تجمعات سلطوية أشبه بالأمنية”.
لكن “بعد الثورة؛ نشط العمل التطوعي بشكل كبير لمواجهة الاحتياجات الكبيرة التي ولّدتها الثورة من تهجير واعتقالات وموت. ومع مرور الوقت تحول قسم من هذا العمل إلى أشكال منظمة بشّرت بولادة جديدة للمجتمع المدني السوري. غير أن ازدياد الحاجة جعل كثيرًا منها يعتمد على التمويل، بعد أن كان يعتمد على التبرعات. كما أصبح العمل فيها عملًا براتب، بعد أن كان عملًا تطوعيًا. وهو ما أضرّ بهذه التجمعات، فأصبح قسم منها خاضع لشروط التمويل وأجنداته. ما زال هذا العمل مهمًا حاليًا وفي المستقبل للسوريين، وهو ما يوجب علينا التذكير بأخلاقيات التطوع وأهمية عدم خضوعه للتمويل. فقد يكون من الصعب على السوريين، في الظروف الاقتصادية الصعبة، القيام بالعمل بلا أجر، ولكن هناك معايير يجب الالتزام بها، من أهمها استمرار فكرة التطوع، وتقديم جزء من الوقت والجهد من دون مقابل. كذلك أن تكون النسبة المخصصة لإدارة النشاط قليلة نسبيًا ومتوافقة مع السائد لدخل الناس. أيضًا أن يكون هناك إيمان بقيمة التطوع وأهميته، ودوره في النهوض بواقع الناس، ومساعدتهم في تجاوز محنتهم. وكذلك إشراك المتلقين في العمل التطوعي، وليس عزلهم كفئة أخرى”.
دهام دهام، وهو مدير سابق في إحدى منظمات العمل الإنساني السورية، قال لـ (جيرون): “العمل التطوعي، بمنهجه الاجتماعي والإنساني، سلوك حضاري يمثل رمزًا للتكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث ارتبط العمل التطوعي ارتباطًا وثيقًا بكل معاني الخير والعمل الصالح، لدى كل المجتمعات البشرية منذ القدم، وذلك باعتباره ممارسة إنسانية إيجابية”. لكنه أكد أيضًا “ضرورة القيام بحملات إعلامية موجهة، لإشاعة ثقافة العمل التطوعي ودراسة إمكانية قيام الجهات المسؤولة بنشر هذه الثقافة، ومن ثمّ الاطلاع على تجارب الشعوب المتقدمة في مجالات العمل التطوعي والاستفادة منها ووضع آليات ودعم الأنشطة التطوعية. وكذلك استثمار الطلاب خلال فترة التدريب الصيفي في أعمال تطوعية، ومنها تأهيل المدارس وتحسين بيئة العمل والقيام بتشجير الساحات، وبما يضمن تحسين البيئة ومنع كل أشكال التلوث البيئي، وأيضًا التنسيق مع منظمات المجتمع المدني للقيام بحملات تطوعية، والعمل على إحياء مناسبة يوم العمل التطوعي”.
أما أحمد ليلى، العامل في إحدى المنظمات السورية، فقال لـ (جيرون): “من محددات أخلاق العمل التطوعي، أن يكون العمل التطوعي تلبية لحاجة ملحة يمتلك المتطوع مزايا الاستجابة الملائمة لها، بحيث يتم تحقيق الهدف من المبادرة التطوعية. وأن يعكس العمل التطوعي شفافية المبادرين به، بحيث يكون بعيدًا من أي مصلحة شخصية أو غرض ظرفي، وأيضًا التأكيد على الجدية والاستمرارية في العمل التطوعي، ليؤتي ثماره المستهدفة، وذلك من خلال العمل الدؤوب الذي يحرص المتطوعون من خلاله على الوصول بعملهم إلى النجاح والكمال. والتعامل مع العمل التطوعي كأنه مشروع خاص ربحي، من حيث العمل والمتابعة والإخلاص، وبالمقابل القيام به بشكل إنساني بحت، من حيث المبدأ والغاية والنيّات”. كما تحدث عن أهمية التطوع بقوله: “هو ضرورة ظرفية ترافق الحاجات الماسة لشعبنا السوري، مع نقص الإمكانات وغياب القدرات المادية وتراجع الإحساس بمعاناة الآخرين وحاجاتهم. وهو يعكس العمل التطوعي بين السوريين لأنفسهم أولًا، ثم لمن حولهم ثانيًا، ولشعوب الدول الأخرى ثالثًا، تكاتف الشعب السوري وأخلاقه وحضارته التي يحملها ويتمتع بها والتي تعبّر عن تاريخه العريق وديانته السمحة، ويساعد في خلق البيئة السليمة بين السوريين، الذين يتطلعون في المستقبل إلى العيش فيها على أسس التعايش المشترك والتكاتف الاجتماعي الذي يسرّع خطوات تجاوز الكوارث والدمار الذي حل بالوطن السوري أرضًا وشعبًا”.
كما نبّه إلى أهمية وجود أخلاق في العمل التطوعي وقال: “عملت الدولة التي كانت تسيطر عليها عصابة الأسد، على تدجين مفهوم العمل التطوعي، وتفريغه من محتواه الإنساني وهدفه التكاتفي والتعاوني، من خلال فرضه عبر قوانين مضحكة، ﻻ تعكس أي غاية بناءة قد يحققها المجتمع (ماديًا أو معنويًا) من العمل التطوعي، وربط العمل التطوعي بجهاز السلطة الحاكمة ومأسسته على تفصيلها، جعل منه طريق أو وسيلة للتقرب من مفاصل السلطة، عبر بعض المتسلقين الذين أتاحت لهم مناصبهم وسلطاتهم فرض العمل التطوعي على مجموعة من الناس، ويبقى الشخص المتسلق في واجهة العمل الخيري والانعكاس الوحيد لشخوصه، أمام المتنفذين في الحكم”.
أحمد مظهر سعدو
المصدر
جيرون