5 رسائل سياسية وعسكرية وراء أكبر ضربة إسرائيلية لمواقع إيران في سوريا



السورية نت - مراد الشامي

مراد القوتلي - السورية نت

يمثل تاريخ اليوم الخميس 10 مايو/ أيار 2018 نقطة مفصلية في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، مع دخول الجانبين في أخطر تصعيد عسكري بينهما حتى الآن، ساحته الأراضي السورية، الأمر الذي ينذر بمزيد من التطورات خطيرة التداعيات في الشرق الأوسط.

ولخصت إسرائيل حجم استهدافها لمواقع إيرانية، بوصفها للضربات الجوية التي نفذتها على عشرات المواقع العسكرية في سوريا بأنها "من العمليات العسكرية الكبرى، التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا"، في حين حملت تصريحات وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان تحذيراً برد أقوى.

وقال ليبرمان عقب تنفيذ الضربات الجوية إن "إسرائيل ضربت معظم البنية التحتية الإيرانية في سوريا"، وحذر قائلاً: "إذا ضربتنا إيران بالمطر، سنضربهم بالفيضان".

وحملَت الضربة العسكرية الأوسع لإسرائيل في سوريا رسائل عدة، سياسية وعسكرية، ورسمت معها ملامح مرحلة مقبلة تتسم بالتوتر ومزيد من التصعيد بين إيران وإسرائيل داخل سوريا.

الروس يتفرجون

واللافت في الضربة الإسرائيلية، أنها جاءت بعد ساعات من وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إلى روسيا، ولقائه برئيسها فلاديمير بوتين، وسبق هذه الزيارة ترجيحات بأن يكون سعي إسرائيل لتحجيم دور إيران في سوريا هو محور هذا اللقاء.

وقوّى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من صحة هذه الترجيحات، عندما قال، اليوم الخميس، في تعليقه على الضربة الإسرائيلية، إن نتنياهو طرح مسألة الغارات الإسرائيلية خلال زيارته الأخيرة لموسكو.

وعلى الرغم من أن إيران وروسيا حليفتان رئيسيتان لنظام بشار الأسد في سوريا وكلاهما يقدمان الدعم له، لكن الضربة الإسرائيلية بيّنت علم موسكو المسبق بتوجيه الصواريخ نحو مواقع القوات الإيرانية في سوريا دون أن تمنع ذلك، لا سيما وأن لدى روسيا منظومة صواريخ إس - 400 والتي من خلالها ترصد جميع التحركات في السماء السورية.

واكتفت روسيا بموقف المتفرج للصواريخ، كما أنها حتى عصر اليوم الخميس، لم تدين الغارات الإسرائيلية ضد إيران، بل اكتفت بالتعبير عن قلقها حيال التصعيد، واعتبرت تأثيره سلبي على "التسوية السياسية"، داعية كلا الطرفين إلى ضبط النفس.

ويعكس تصرف روسيا مع هذه الضربات، الطريقة التي من خلالها توازن بين علاقاتها مع إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، حيث يبيّن موقف موسكو أن روسيا غير مستعدة لتأزيم علاقاتها مع بقية الأطراف الفاعلة في سوريا من أجل حماية إيران، طالما أن مصالح موسكو محفوظة وجنودها لا يتعرضون للخطر.

ويبدو من خلال تصريحات نتنياهو، أن روسيا ليست رافضة لاستهداف إيران فحسب، بل إنها لن تتحرك لمنع ضربات أخرى توجهها إسرائيل لها في سوريا.

حيث قال نتنياهو في تصريح للصحفيين عقب لقائه الرئيس الروسي بوتين، إنه يسبتعد محاولة محاولة روسيا "الحد من عمليات إسرائيل العسكرية في سوريا".

وأضاف نتنياهو أنه استعرض مع بوتين "حق وواجب إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الذي تمارسه إيران انطلاقا من الأراضي السورية"، على حد قوله.

مواجهة علنية بدلاً من السرية

وسابقاً كانت إسرائيل تنفذ ضربات جوية في سوريا دون أن تتبناها بشكل صريح، على الرغم من معرفة الروس والإيرانيين ونظام الأسد بوقوف إسرائيل وراءها، كما أنه سبق وأن سقطت قذائف مدفعية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وهذه الأخيرة اتهمت إيران بمسؤوليتها لكن طهران كانت تنفي ذلك.

لكن اعتراف إسرائيل بهذه الضربة الواسعة، يؤشر إلى أن المواجهة بين الجانبين لم تعد سرية، بل انتقلت إلى المواجهة المباشرة، خصوصاً إذا ما صح اتهام إسرائيل لقائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، قاسم سليماني، بقيادته للهجوم بعشرات الصواريخ التي استهدفت مواقع إسرائيلية.

وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية، نشرت مقالاً تحليلياً يوم 21 أبريل/ نيسان 2018، وتوقعت فيه اندلاع حرب مقبلة بين إيران وإسرائيل، قالت إنها ستغير الشرق الأوسط برمته.

واستند تحليل الصحيفة إلى أول مواجهة مباشرة اندلعت بين إسرائيل وإيران في فبراير/ شباط الماضي، عندما أسقطت إسرائيل طائرة إيرانية مسلحة من دون طيار اخترقت الجولان المحتل، وردت إسرائيل حينها على ذلك بضرب قاعدة إيرانية لتسيير طائرات من دون طيار.

ويُضاف إلى ذلك، الضربات الإسرائيلية المتكررة لقوافل الأسلحة الإيرانية، وزرع فايروسات

في أنظمة كومبيوتر البرنامج النووي الإيراني، وعمليات اغتيال لعلماء ذرة إيرانيين، يُعتقد أن إسرائيل وراءها.

استمرار الخيار العسكري

وتأتي الضربة الإسرائيلية التي شاركت بها 26 طائرة من طراف "إف 15"، و"إف 16"، بحسب ما أكدته وزارة الدفاع الروسية، بعد نحو شهر من تحذير روسيا بأنها ستمد نظام الأسد بمنظومة صواريخ "إس 300" رداً على الضربة التي وجهتها أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، ضد مواقع للنظام في أبريل/ نيسان الماضي.

وكانت إسرائيل قد هددت على الفور بأنها ستواصل عملياتها العسكرية في سوريا لمنع تمدد إيران، وأنها ستقصف منظومة "إس 300" في حال استلمها نظام الأسد واستخدمها ضد الطائرات الإسرائيلية التي تضرب مواقع عسكرية في سوريا.

وأرادت إسرائيل بحسب تصريحات مسؤوليها تأكيد عدم تجاوز "الخط الأحمر"، وهو تحويل الأراضي السورية إلى قاعدة انطلاق الهجمات ضد الأراضي التي تحتلها إسرائيل.

ومن شأن استمرار هذه الضربات العسكرية، أن يفتح الباب على احتمالات عديدة للرد أمام إيران، ويُرجح أن يكون هذا الرد على شكل إطلاق صواريخ نحو إسرائيل، من قبل ميليشيا "حزب الله" بالمقام الأول، أو ميليشيات أخرى موجودة في سوريا وتتلقى دعماً إيرانياً.

تحجيم النفوذ الإيراني

الأمر الآخر المثير للانتباه في الضربة الإسرائيلية، أنها جاءت بعد يومين من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، والذي على الرغم من بقاء 4 دول أوروبية فيه، إلا أن محللين رأوا بانسحاب أمريكا إعلان وفاة للاتفاق، نتيجة قدرة الولايات المتحدة على إلحاق الضرر بالأطراف التي ستواصل التعامل مع إيران بعد إعادة واشنطن فرض العقوبات عليها.

وتشارك الولايات المتحدة إسرائيل في سعيها إلى تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وخصوصاً في سوريا، إذ تسعى إيران إلى ربط أراضيها مباشرة مع لبنان حيث ميليشيا "حزب الله" ذراعها الأبرز في المنطقة، وذلك من خلال ممر بري يعبر الأراضي السورية بدءاً من دير الزور وصولاً إلى غرب سوريا.

وعلى الرغم من أن طهران وموسكو لديهما هدف مشترك للحفاظ على بقاء الأسد في السلطة، لكن جانباً من مصالحهما في سوريا متضاربة، وبالنظر إلى رؤية روسيا لدورها في سوريا واعتبارها "سيدة الموقف"، فإن أي ضربة من شأنها أن تُضعف نفوذ إيران في سوريا إيران، ولا تؤدي إلى انهيار نظام الأسد، فإنها ستكون موضع ترحيب روسي.

ويفتح هذا الموقف الباب أمام احتمال أن تقبل روسيا فيما بعد بأحد بنود "التسوية السياسية" التي يجري الحديث عنها في أروقة السياسة الغربية، والذي يقضي بإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، مقابل ضمان بقاء المصالح الروسية هناك.

موقف صعب لإيران

وعقب الضربة الإسرائيلية بساعات، نفت إيران أن تكون هي من نفذت الهجوم الصاروخي على مواقع إسرائيلية، وذلك بحسب ما قاله عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد جواد جمالي، ونائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي.

ورغم التأكيد الإسرائيلي بضلوع إيران بالهجوم ونفي طهران لذلك، إلا أن عضو في لجنة الأمن القومي بإيران قال إن "التهديد والوعيد غير مفيد، والانتقام الإيراني قادم"، بحسب ما نقلت عنه قناة "الجزيرة"، اليوم الخميس.

وسيكون الرد الإيراني فيما لو أقدمت عليه طهران محكوماً بعدد من التطورات السياسية المعقدة، لا سيما مصير الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، وكذلك معرفة موقف الروس فيما لو صعدّت إيران ضد إسرائيل، وأرادت الأخيرة الرد داخل الأراضي السورية.

كما أن من أبرز المشكلات التي تواجه إيران حالياً التدهور المستمر في اقتصادها، خصوصاً بعد قرار الإدارة الأمريكية، حيث وصل سعر الدولار، أمس الأربعاء، إلى 80 ألف ريال إيراني، ولذلك فإن من شأن أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة أن ينعكس سلباً وبشكل مباشر على إيران، والتي تواجه منذ أشهر احتجاجات متقطعة تنديداً بالوضع الاقتصادي المتردي.
 




المصدر