الغموض عندما يكتنف مستقبل المهجرين



محمد عبد الرحمن، شاب ثلاثيني، من مقاتلي فصائل المعارضة في القلمون الشرقي بريف دمشق، هُجّر إلى الشمال السوري، في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، ضمن اتفاق مع ضباط روس، أفضى إلى “تهجير مسلحي الفصائل ومن يرغب من ذويهم إلى الشمال السوري”.

يقول عبد الرحمن لـ (جيرون): “اعتزلتُ العسكرة منذ وصلت إلى الشمال، وانتقلت إلى الحياة المدنية.. لقد هُجّرت مع زوجتي وأطفالي الثلاثة من مدينتي (الرحيبة) إلى مخيم (دير بلوط) بمنطقة عفرين، وأنا لا أملك أي مال أُنفق منه، لقد اضطررت إلى بيع بندقيتي بمبلغ 300 دولار فقط، كي أتدبر أمور أسرتي المعيشية”.

يضيف: “البعد عن الأهل والديار، مقتل في حد ذاته. هنا لا أملك أرضًا ولا منزلًا ولا شيئًا من مقومات الحياة.. العيش تحت خيمة تهزها الرياح وتغرقها الأمطار، ويتراكم حولها الوحل مأساة كبيرة. المساعدات لا تكفي، ولا تكاد تسد الرمق. كل شيء يُعوّض.. إلا البعد عن الديار”.

يتابع: إنني “مضطر إلى العيش في الخيمة، كما الآلاف من أهلي النازحين إلى هنا؛ كوننا لا نملك دفع إيجار منزل في مدينة عفرين أو في ريف إدلب”، وأشار إلى أنّ “إيجار المنزل في منطقة عفرين يراوح بين 8-12 ألف ليرة سورية، فيما تراوح الإيجارات بريف إدلب بين 100 -200 دولار. من لا يملك عملًا، كيف يستطيع دفع إيجار منزل!”.

وصل محمد مع آلاف المهجرين من ريف ومحيط دمشق ومن ريف حمص الشمالي، بعد أن اضطروا إلى هجرة قسرية، إذ وضعتهم قوات النظام والميليشيات الموالية لها، بين خيارين: التهجير أو المصالحة؛ فاختاروا الأولى.

حال محمد تشبه حال مهجري الغوطة الشرقية في الشمال السوري، الذين توزعوا بين ريف إدلب ومناطق (درع الفرات) في الشمال السوري. يقول إياد عبد العزيز، رئيس المجلس المحلي في مدينة دوما سابقًا، والمقيم بريف حلب الشمالي لـ (جيرون): إنّ “المهجرين في بداية وصولهم استقروا في مخيمات بمناطق (درع الفرات)، حيث قدّمت لهم المنظمات الخيام والأغطية والفرش، إضافة إلى الطعام”.

وأشار إلى أنّ “حجم المساعدات يقلُّ مع توالي الأيام، حيث تمّ تقديم الطعام في الأيام الأولى فقط”، ولفت إلى أنّ “العيش في الخيمة هو بحد ذاته معاناة، لا يمكن تخيل حجمها”، وبحسب عبد العزيز فإنّ “في رأس أولويات مهجري الغوطة، البحث عن منازل للاستقرار فيها، وكذلك الوصول إلى مورد رزق يوفر لهم حياة كريمة”.

يعاني المهجرون من محيط العاصمة وحمص إلى الشمال السوري، غياب معظم مقومات الحياة: مأوى مناسب، وغذاء ودواء. في هذا الصدد، يقول محمد الشامي، المنسق العام لفريق (منسقو الاستجابة في الشمال السوري) لـ (جيرون): إنّنا “نعاني من نقص شديد بالمأوى، ومن ضعف في الوضع الإغاثي”، وأكد أنّ المهجرين يحتاجون إلى “حصص إغاثية، وأخرى صحية، عدة مطبخ، خبز، مياه شرب”.

أشار الشامي إلى أنّ “أبرز الصعوبات تتلخص في ضعف دعم المنظمات، وكذلك تحكّم عدد من الجهات على الأرض في عمل المنظمات”، وأنّ “الطاقة الاستيعابية للمخيمات ومراكز الإيواء المؤقتة منتهية منذ زمن، ونعمل الآن على ضغط الأعداد فيها”.

ولفَت النظر إلى أنّ “هناك مراكز إيواء مؤقتة كـ (ميزنار، ساعد، شام)، يقيم فيها النازحون فترة مؤقتة، ومن ثم يقصدون مناطق أخرى، فمنهم من يستأجر منزلًا، ومنهم من تقوم المنظمات بدفع تعويضات إيجار منازل لهم”.

أوضح الشامي أنّ “أعداد المهجرين من ريف دمشق إلى ريف إدلب فقط، خلال الشهر الماضي، بلغت نحو 65 ألف نسمة، فيما وصل إلى مدينة الباب بريف حلب الشرقي نحو 25 ألف مهجر، أي أن المجموع بلغ نحو 90 ألف مهجّر، خلال الشهر الماضي”.

لا يرى محمد عبد الرحمن، حالُه في ذلك حالُ معظم المهجرين إلى الشمال، أيَّ أفق في المستقبل المنظور، لكي يعود إلى حياته الطبيعية، إذ يقول: “أتعبتني سني الثّورة في القلمون، والتي قضيتها على الجبهات ضد (داعش) و(النظام). وفي النهاية؛ كانت الهجرة عن الديار هي خيار اللاعبين الدوليين في قضيتنا، وليست خيارنا.. ماذا بعد التهجير؟ لا أعلم”.


منار عبد الرزاق


المصدر
جيرون