الملالي وأكذوبة العداء الأميركي – الإسرائيلي



يُمثّل إلغاء الاتفاق النووي الإيراني أحد محطات شحذ وهم العداء الأميركي – الإسرائيلي لنظام الملالي، فقد اعتاد داعمو النظام الإيراني تقديم دعم كهذا، كلما دعت الحاجة إليه، ويتجدد هذا الدعم -دائمًا- في الخطاب الأول لكل رئيس أميركي جديد، ذاك الخطاب القائم على “لازمات” عديدة، أهمها مغازلة “إسرائيل” و”معاداة” ملالي إيران. وهذا ما ترجمه “ترامب” مؤخرًا، كما فعل أسلافه من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. فاعترف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وألغى الاتفاق النووي الإيراني. وعلى غرار ذلك، واستكمالًا لهذه المسرحية الدعائية، تأتي أمور عديدة سياسية وميدانية، منها الصواريخ الإسرائيلية التي قصفت قبل أيام مواقع عسكرية إيرانية في سورية، ومواقع أخرى سورية، يُراد من خلالها استكمال تحقيق مصالح مشتركة (إيرانية – إسرائيلية).

إن استيضاح محطات الشحذ هذه يبرز من خلال أحداث تاريخية عديدة وليست ببعيدة، لعل أوضحها ما يتعلق بالنووي العراقي، والذي تم التعامل معه -جديًا- من قبل “إسرائيل”، حيث تم قصفه على الفور، من دون إحداث أي ضجيج إعلامي. على عكس النووي الإيراني حيث يتم التعامل معه إعلاميًا فقط منذ عقود. وهذا هو الفرق بين الهزل والجد، ومن المفيد في هذا المقام التذكير بأن إيران الخميني قاتلت العراق بأسلحة إسرائيلية. وأن العداء بين نظام الملالي وأنظمة دول الخليج هو مطلب بعض هذه الأنظمة بحد ذاتها، وللأسباب والأهداف ذاتها، فكيف لنظام طهران أن يتنكر للخدمات الجلية التي قدمتها تلك الأنظمة في إنهاء أعدائه: العراق، حركة طالبان، المقاومة العراقية، وأخيرًا الثورة السورية.

حين نعي أن العلاقة، ما بين ملالي إيران وبين أميركا و”إسرائيل”، لا تقوم على العداء في جوهرها، ولا تمتّ بصلة إلى الشعارات التي صدّرتها الثورة الإسلامية في إيران، والتي يرددها أصحاب ولاية الفقيه اليوم، وحين نعي أيضًا أن مساحة المصالح المشتركة بينهما هي أكثر اتساعًا من مساحة تضادها، حينئذ؛ سنعي تمامًا ماهيّة الأهداف المراد تحقيقها من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، ومن القصف الأخير الذي تعرضت له المواقع الإيرانية في سورية من قِبل “إسرائيل”:

1 – تحجيم دور إيران في سورية، في مرحلة عنوانها الأبرز هو استعادة أجزاء واسعة من مناطق “المعارضة” المسلحة. لقد ساهمت إيران في إنجاز هذه المرحلة، وبتوافق دولي. لتأتي مرحلة تحجيم اللاعبين الأضعف، وعلى رأسهم إيران، وأيضًا بتوافق دولي، فروسيا بوصفها اللاعب الرئيس في الساحة السورية اليوم، لم تحرك ساكنًا تجاه القصف الأخير، رغم كل ما يجمعها مع إيران من مصالح وتحالفات، وفي مقدمتهم أستانا.

2 – إعادة تعويم محور المقاومة والممانعة؛ فالعداء المصطنع بين إيران و”إسرائيل” يقوم كلاهما بإنتاجه واستثماره، فكلاهما بحاجة داخلية إلى عدو خارجي، وتأتي مثل هذه التحركات العسكرية وغير العسكرية، في إطار إعادة الاعتبار لشعارات مثل: “الموت لأميركا والموت لإسرائيل”، ولدعم موقف نظام الملالي الممانع، وإكسابه المزيد من الشعبية. كذلك فإن كيانًا -كإسرائيل- لا يستمر دون وجود عدو خارجي، ولو كان عدوًا من ورق.

3 – تدمير ما لم يتم تدميره من قِبل الأسد وروسيا، وإن استخدام حجة التواجد الإيراني لتنفيذ ذلك، لهي الأفضل. فليس من المنطق أن يقوم الأسد بقصف مطاراته وقواعده العسكرية، والأمر ذاته ينسحب على الروس.

4 – الاعتداءات الإيرانية على “إسرائيل” هي مقدمات لتحقيق أهداف إسرائيلية توسعية؛ حيث إن “إسرائيل”، تحت ذريعة تلك “الاعتداءات”، قد تقوم باحتلال مساحات جغرافية كبيرة من الجنوب السوري، تحت مسمى تأمين الحماية لها.

سبق للمفكر السوري الراحل ياسين الحافظ أن نبّه مرات عديدة إلى التأثير المدمر للتناغم المصلحي النفعي، بين أميركا وإيران و”إسرائيل”، فقال: “المطرقة الأميركية من فوق، والسندان الإسرائيلي – الإيراني من تحت، لا تُخرج الشعب العربي من مسرح التاريخ كقوة فاعلة فحسب، بل تُهدد بوضعه في سيرورة تراجعية، تقرض وجوده رويدًا رويدًا”. وما حصل من تدمير للعراق ومحاربة الثورة السورية، من قِبل تلك الدول الثلاثة، هو خير مثال على هذا التناغم.


فادي كحلوس


المصدر
جيرون