معوّقات التحوّل الديمقراطي في العالم العربي(*)



جرت محاولات عديدة لتحديث العالم العربي، منذ القرن التاسع عشر، بدءًا من إصلاحات محمد علي باشا في مصر، ومرورًا بدعوات ومحاولات روّاد النهضة العربية الحديثة، وصولًا إلى المحاولات التي شهدتها بعض الدول العربية بعد نيل الاستقلال الوطني. وقد تعثرت هذه المحاولات لأسباب عديدة، من أهمها الفصل التعسفي بين جوانب التحديث الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، إضافة إلى التقطعات، بدلًا من التواصل والتراكم، التي واكبت هذه المحاولات.

وكان لغياب الديمقراطية، ثقافة وإجراءات، الدور الأبرز في فشل تلك المحاولات، خاصة عندما تم الفصل بين “الديمقراطية الاجتماعية” و”الديمقراطية السياسية”، في التجربة القومية المعاصرة، التي شهدنا إرهاصاتها في مصر الناصرية، وسورية والعراق البعثيين، وليبيا القذافي، والجزائر بقيادة جبهة التحرير الوطني؛ إذ غاب عن قادة هذه التجارب أنّ النجاح في تحديث مجتمعاتهم لا يمكن إدراكه بإجراءات فوقية، مقطوعة الصلة بالحريات الفردية والعامة لمواطنيهم، بما يؤدي إلى شراكتهم الحقيقية في آلية صناعة القرارات المتعلقة بتقرير مصير مستقبل أوطانهم.

أما اليوم، بعد المآلات التي وصلت إليها ثورات الربيع العربي، خاصة في سورية ومصر وليبيا، والتي كانت كاشفة لحجم الفوات التاريخي العربي، يجدر بنا أن نتساءل: هل ثمة إمكانية للتحوّل الديمقراطي في مجتمعات الفوات التاريخي؟ وما هي أهم معوّقات التحوّل؟ وكيفيات إعادة صياغة الحياة العربية للنجاح في تحقيق تحوّلات ديمقراطية؟

إذ لا شك في أن انبعاث الديمقراطية من رماد الأنظمة الشمولية عملية طويلة وشاقة، تتطلب تغييرًا في الثقافة السياسية، كما تقتضي بناء مجتمع مدني فاعل، وتفكيك البنية التحتية للاستبداد، بما هي سلطوية في الثقافة والإعلام والتعليم والتنشئة الاجتماعية.

إضافة إلى ما ذكرناه من معوّقات، فإنّ ما كشفه ربيع الثورات العربية من بنى مجتمعية ما قبل وطنية، طائفية وعشائرية ومناطقية، وتهافت أغلب النخب العربية على الظهور وقصور وعيها بالأولويات التي يجب العمل عليها، يشيران إلى حجم المعوّقات أمام التحوّل الديمقراطي في العالم العربي.

______________

(*) في مقالة سابقة لي في (جيرون) بتاريخ 2 نيسان/ أبريل الماضي: “لماذا حصل التحوّل في الثورة السورية المغدورة؟”، سهوت عن الإشارة إلى اقتباسي من مقالة للأستاذ طارق عزيزة: “في تعثّر الثورة السورية” منشورة في موقع (ألترا صوت) بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2015.


عبد الله تركماني


المصدر
جيرون