بائعو الغوطة وأبطالها السوريون



كتب صديق: “المصيبة بدأت في القصير، عندما سافر القائد عبد القادر صالح لوقف هجوم (حزب الله)، ولكنه وجد نفسه وحيدًا وسط خيانات الفصائل وحساباتها الضيقة، وعندما ضاعت القصير وانشغلت النصرة بصفقات عرسال مع (حزب الله)، وانشغل جيش الإسلام بتجارة أنفاقه، والائتلاف بانتخاباته ووجوهه الواعدة، لتصبح بقية القصة تاريخًا يصلح فقط للنسيان”.

اعتدنا على الاستيقاظ متأخرين، لم نفعلها ولا مرة واحدة، أن استيقظنا في الوقت المناسب، النكتة الحقيقية أننا نتجرأ على البكاء كلما صُفعنا على وجهنا، نمثّل الحزن والتأثر، فبكينا عبد القادر صالح وبكينا القصير وقبلها حمص وبعدها حلب، ووصلنا إلى الغوطة، فانتظرنا.

انتظرنا يا سادة، انتظرنا أن ينتهي “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” من تراشق الاتهامات، ومن اقتتالهم الذي اتخذ من شعار “يا قاتل يا مقتول” شعارًا وحيدًا، وانتظرنا أن يستسلم النظام أمام صمود أهل الغوطة وأنفاقهم، فلا النظام استسلم ولا فصائل الغوطة توانوا عن بيع الغوطة وقبض الثمن أولًا وثانيًا وثالثًا، وجاءت أرواح الناس الذين دُفنوا في الأقبية أيامًا طويلة جزءًا من الثمن المقبوض.

زمن الخيبات الذي يتنطح فيه شخصيات كمحمد علوش والبويضاني وأبو النصر، ليصبحوا أبطال المرحلة، شاركوا في كسر الناس في الغوطة، وخرجوا ليتصالحوا في تركيا برعاية الحكومة المؤقتة.

لم يخجل الإخوة الأعداء من فضائحهم التي خرجت من الغوطة، ألم يخطر ببالهم، قبل أن يلتقطوا الصورة الفضيحة، أن مهجري الغوطة سيكفرون بالثورة التي أتت بهم، والتي جعلت من اقتتالهم عنوان الغوطة، للحظة خروجهم مهزومين، فظهروا بالصورة تحت اسم “الأبطال السوريين”.

من أصعب ما حدث معي، كان جلوسي مع شباب وصلوا للتو من الغوطة، عندما اجتمعنا 7 أشخاص في تركيا، بهدف أن أرحب بهم وأتعرّف إليهم شخصيًا، بعد أن استمرت معرفتنا ببعضنا بضع سنوات فيسبوكية.

محمد وعبد الله وأحمد وووو، حسنًا الأسماء غير مهمة، ولكن اسم بسام الضفدع كان مهمًا في جلستنا تلك.

بسام الضفدع، الذي حمل ألقابًا كثيرة أصغرها أنه عميل وخائن. بسام الضفدع الذي يجمع بضعة امتيازات كان يمكن وصفها بالتافهة، لولا أنها في هذا الزمن أخذت صفة الأهم، فهو اليوم أشبه بمندوب النظام الأمني في مدينته كفر بطنا، جميع من في كفر بطنا يحتاجون إلى موافقته ليسمح لهم النظام بالخروج إلى دمشق، وجميع من يود الدخول إلى كفر بطنا يحتاج أيضًا إلى تزكية من الضفدع.

كلام أصدقائي من الغوطة كان صادمًا، ردة فعلهم على محاولتي لفهم تصرف الضفدع أو خيانته كانت باردة، فالقصة باختصار، أن الضفدع لم يكن يومًا مع الثورة، في السنين التي حاربت الغوطة النظام كان صامتًا، ولكن عندما بدا أن النصر للنظام أصبح محققًا، استخدم علاقاته وجنّب بعض الأحياء بعض القصف.

لم أشعر بمشاعر الكره لديهم تجاه الضفدع، تحدثوا كثيرًا عن الظلم الذي مارسته الفصائل، عن معتقلات الفصائل، عن الإرهاب الذي اعتاد الناس على الخوف منه، عن السرقات، ولكنهم قالوا: “نتفهم كل من بقي في مدينته بمصالحة مع النظام، يحق لكل واحد منا أن يبقى في بيته ولو كان مهدمًا، يحق لهم إرسال أطفالهم إلى المدارس، يحق لهم اليأس، بعد ما شاهدوه وعايشوه من حكم فصائل حملت اسم الله وحاربت الناس بدل أن تحميهم”.

بسام الضفدع “الخائن” تواصل مع النظام والروس، وحاول عقد اتفاق، وقام بالفعل بإبرامه، ولكن الفصيل الذي أرسل من يقتله ماذا فعل؟ التقط صورًا في تركيا مع عدو الأمس.

هل كان الضفدع خائنًا؟ سؤال برسم البويضاني ومحمد علوش المستقيل حديثًا بحركة مسرحية فاشلة، وبرسم أبو النصر، أيهما كان أكثر خيانة للناس في الغوطة يا ترى، سارقو الآثار من الكنيس اليهودي في جوبر، أم مقلدو النظام بابتكار معتقلات مرعبة لدرجة يمكن مقارنتها بمعتقلات النظام؟ أيهما أكثر خيانة للناس في الغوطة، الضفدع الذي وعد من يلتحق به بالأمن والأمان، وهو ما حصل فعلًا؟ أم أولئك الظاهرون في صورة صفعت كل من عاش في حصار الغوطة؟

الأبطال السوريون، الثوار الأوائل، الفصائل المتناحرة، الشامتون والمتآمرون، الملكيون أكثر من الملك في كل مؤسسة يعملون فيها، المتجاهلون لصور مستودعات “جيش الإسلام” التي أذهلت الجائعين والمحاصرين في الغوطة.

حسنًا من منّا الخائن؟ الضفدع أم نحن؟ لعل الخارجين من الغوطة، الساكنين على أطراف الحياة في خيمٍ تغرق بالأمطار، يجيبوننا.


هنادي الخطيب


المصدر
جيرون