سورية الآن.. لا دلائل اقتصادية مقنعة



على خلاف ما تدعي، لا تبدو حكومة الأسد مهتمة بشؤون مواطنيها، قدر اهتمامها بالحرب والإنفاق عليها. يتحدث (سليم – ن)، أحد تجار سوق “الفحامة” جنوب دمشق، بصراحة مفرطة، وهو يوضب بعض معروضات محله: “لقد أصبح نظام الأسد نظام جباية، بعد أن أفلس، واستثمرت آلته العسكرية موارد الاقتصاد، ولم يبق له منافذ لاستمراره، غير جيوبنا”.

قبل فترة قصيرة، اعترف عماد خميس، رئيس حكومة الديكتاتور، بمحدودية إمكانات وموارد الدولة، في إشارة مبطنة إلى تآكل الجسم الاقتصادي، بعد سبع سنوات من الحرب. وأمام حشد برلماني، أعلن عجز حكومته عن تلبية كل ما يتعلق بالمطالب الاقتصادية، وما يخص التنمية البشرية بالذات.

إن اعتراف الرجل الأول في السلطة التنفيذية بالعجز، على الرغم من أنه مع أركان حكومته قد أعلنوا مرارًا تعافي الاقتصاد السوري، له ما يبرره. ففاتورة العمليات الحربية التي تُصرف من المستحقات المفترضة للتنمية، وفاتورة خسائر رأس المال المادي، وفاتورة الخسائر التي لحقت بقطاعات الاقتصاد الحيوية والمدنية والخدمية، قد تجاوزت في مجملها أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما قبل الحرب. كما تجاوزت إمكانات بلدٍ، كان يوصف اقتصاده أساسًا باقتصاد متوسط الدخل، تستنزفه مستويات فساد مرتفعة.

لأول مرة، يُفرج المكتب المركزي للإحصاء (وهو مؤسسة حكومية)، في أحدث إصداراته، عن معلومات تؤكد تدهور الناتج المحلي الإجمالي، ونمو بين أعوام 2011 و2016 بمعدلات سلبية. راوحت بين 6.13 بالمئة، و26.34 بالمئة، وفق سعر السوق، واعتماد العام 2000 كسنة أساس. كما تراجع الناتج المحلي بالأسعار الثابتة بنسبة 58.26 بالمئة، خلال الفترة نفسها. فيما قفزت نسبة إجمالي الدين الحكومي، إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقارير (إسكوا)، من 30 بالمئة إلى 52 بالمئة.

يشير (سليم) إلى أن السوق المحلي خسر معظم زبائنه، متأثرًا بتداعيات الحرب. ولذلك لجأت السلطات في السنوات الأخيرة، إلى السوق الخارجي، من أجل أن تصحح ميزانها التجاري، الذي سجّل عجزًا متزايدًا بين عامي 2011- 2016، بحسب تقارير حكومية، قفز من 598 مليار ليرة سورية في عام 2012، إلى 1910 مليارات ليرة في عام 2016. فأقامت في بلدان صديقة للنظام، معارض (صُنع في سورية). كما عمدت إلى الإجراء ذاته على المستوى المحلي، بهدف تحريك الركود التجاري. وكان من اللافت، أن أحد مهرجانات التسوق المحلية الذي شهدته مدينة حماة، في نيسان/ أبريل الفائت، قد تمّ افتتاحه بعرض عسكري، لا علاقة له بالمناسبة. لكن بعض المتابعين ربطوا بينه وبين كلمات الخطباء، الذين ركز معظمهم على انتصارات جيش الأسد، كدليل عافية، وفر المناخ لإقامة أنشطة تجارية واقتصادية كهذه.

مع ذلك، يقول سليم: كل هذه الجعجعة لم تثمر. فمعظم العقود الخارجية التي أبرمت لم تنفذ، لأنها لم تكن سوى عقود وهمية. كما لم يسجل النشاط التجاري الداخلي أيّ تطور كذلك، باستثناء ما يتعلق بتجارة المواد الغذائية، كحاجة أساسية.

يشكو سليم، كغيره من التجار الصغار من ذوي الملاءة المالية المتوسطة، ارتفاعَ قيمة التكليف الضريبي، الذي تفرضه الحكومة على أصحاب المحال التجارية، في محاولة منها لسد العجز الحاصل في الميزانية العامة للدولة، نتيجة الحرب. في وقت انخفضت فيه القوة الشرائية، بحسب تقارير صحفية، بنسبة 90 بالمئة، مقابل ارتفاع في الأسعار وصل إلى نسبة 110 بالمئة.

إن لجوء نظام الأسد إلى أسلوب الجباية الجائرة، وتأمين مطارح ضريبية جديدة، بهدف رفد الخزينة العامة بموارد إضافية، لتغطية نفقات الحرب، هو -برأي الخبير الاقتصادي أحمد سيريس– السهمُ الأخير في جعبته. فعلى الرغم من رداءة أداء السوق، وانهيار القدرة الشرائية لدى 90 بالمئة من السوريين، ارتفعت قيمة التكليف الضريبي، عدة أضعاف، بعد أن أعادت لجان وزارة المالية التصنيف والتكليف على نحو مزاجي، واحتسبت قيمة الدخل والربح بآلية عمل عشوائية، وفرضت ضرائب على المكلفين، وصلت إلى أرقام ضخمة جدًا، لا تنسجم مع القيم الحقيقية لدخلهم وأرباحهم.

ووفق اختبار المصداقية، تكشف هذه الإجراءات، بحسب تصريح سيريس لـ (جيرون)، “أن لا سبيل إلى التوفيق بينها وبين الواقع المأسوي الفعلي الذي تعيشه البلاد. ولا تُفسَّر إلا من خلال استحقاقات مفروضة على النظام، يُلزم ضحايا الحرب بتسديدها”. ويضيف: “ما يعني أن الأوضاع تزداد فوضى، وأن الاقتصاد بسبب هذه الفوضى ما زال يتابع سيره نحو الهاوية، من دون وجود أي أمل لضبط مساره، في ظل استمرار الأسد ونظامه على رأس السلطة”.


علاء كيلاني


المصدر
جيرون