في غزة، يشعر الفلسطينيون أنهم متروكون لقدرهم من عالمٍ غير مبالٍ



الآمال بإحياء أي مفاوضات إسرائيلية فلسطينية الآن، تبدو وكأنها خيال بعيد

ضباط شرطة الحدود الإسرائيليون يتهيؤون أثناء احتجاج فلسطيني بمناسبة الذكرى السبعين للنكبة. تصوير: محمد تركمان/ رويترز

الفلسطينيون في قطاع غزة يائسون. ليس فقط لأنهم يدفنون موتاهم أثناء الاحتفال بذكرى نكبة عام 1948 التي شرّدت أجدادهم من منازلهم أو طردتهم منها، في ما يعرف اليوم بإسرائيل، ولكن أيضًا لأن حياتهم تحت الحصار لا يمكن تحملها، وكذلك الإحساس بأن عالمًا غير مبالٍ تركهم بمواجهة قدرهم.

إسرائيل عدوهم الرئيس، قبل وبعد حرب 1967. فقد قامت من جانبٍ واحد بتفكيك المستوطنات، وسحبت قواتها من غزة عام 2005، ولكنها ما تزال تسيطر على برّها وجوّها وبحرها.

في الوقت نفسه، غالبًا ما تُغلق مصر معبر رفح، وتستغل القاهرة الدخول لتضغط على حماس، وعلى المليوني فلسطيني في الأراضي التي تحكمها. محمود عباس، الرئيس الفلسطيني الذي يتخذ من الضفة الغربية مقرًا له، أدان من رام الله عمليات القتل التي وقعت، يوم الإثنين 14 أيار/ مايو، لكنه أيضًا معادٍ لحماس، حيث يحجب رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة، بسبب خلاف حول الضرائب والشرعية يعود تاريخه إلى يوم تولي حماس السلطة في 2007.

لم تسفر جهود المصالحة بين حركة فتح التي يتزعمها عباس، وحماس عن أي شيء منذ فورة الحماسة في العام الماضي، حيث كان مطلب عباس بنزع السلاح غير مقبول من حماس. في حرب عام 2014، عندما قُتل 2,300 غزاوي، بينهم مئات المدنيين ومقاتلون من حماس، اتُهم عباس بالغمز واللمز لإسرائيل بمواصلة هجمتها، وبالتالي إضعاف منافسيه.

وصلت شعبية عباس إلى الحضيض في الأشهر القليلة الماضية، ليس فقط بسبب أسلوبه الاستبدادي. السبب الأكبر هو أن استراتيجية حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي ترأسها منذ وفاة ياسر عرفات عام 2004، بعدم اللجوء إلى العنف، والمفاوضات، وبالتحديد التنسيق الأمني مع إسرائيل، فشلت في تحرير أي شيء.

النشاط الاستيطاني الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في عهد بنيامين نتنياهو، واصل دق مسمارٍ بعد آخر في نعش أي حلٍّ دبلوماسي.

دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، فعل الكثير للمساعدة أيضًا في كتابة نعي أي حلٍّ سياسي. ونتنياهو، الذي يتولى قيادة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، مستعدٌ على أكثر تقدير لمنح الفلسطينيين ما يسميه “دولة منقوصة” مقابل أن يتم الاعتراف رسميًا بإسرائيل كدولةٍ قومية للشعب اليهودي. لم تُعقد أي محادثات سلامٍ لأكثر من أربع سنوات.

بشكلٍ متزايد، يشعر الفلسطينيون بالقلق من العالم العربي الكبير. رغم أن قضيتهم جذبت الدعم الشعبي: شاهدوا المشاهد العاطفية في المقاهي من الجزائر إلى الكويت، عندما تبث الجزيرة من غزة أو نابلس أو القدس.

الحكومات العربية هي مسألةٌ مختلفة. فقد عقدت إسرائيل معاهدات سلام مع كلٍّ من مصر (1979)، والأردن (1994)، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن كليهما من حلفاء الولايات المتحدة المقربين. في الوقت الحاضر، ولّدت الروابط السرية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، التي جعلت من مواجهة إيران قضية مشتركة بينهما، اتهاماتٍ بأن قادتها “صهاينة عرب”، يتآمرون على تصفية القضية الفلسطينية. كانت الانقسامات المريرة التي سبّبتها الحرب في سورية، مصدر انشغالٍ أكبر بكثير من القضية الفلسطينية منذ عام 2011.

ومع ذلك، لا تعكس احتجاجات غزة الحدودية اليأس فحسب، بل أيضًا التعبئة الشعبية، والإبداع التكتيكي الذي جذب الانتباه الدولي، وإدانة إسرائيل لاستخدامها القوة المفرطة، وإن كان ذلك بتكلفةٍ باهظة. تريد حماس بالتأكيد أن تُسخّر الاحتجاجات، لكن إصرار إسرائيل بأنها “تدافع عن حدودها” ضد الإرهابيين هو صوت بليغ ومسموع يتجاهل الفلسطينيين العاديين، وماضٍ قاسٍ مُتنازع عليه، ودورها الخاص.

تردّد الولايات المتحدة كالببغاء الموقف الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن رسالة ترامب، في توقيت الافتتاح الخلافي للسفارة الأميركية في القدس، كانت محلّ ترحيبٍ من قبل الإسرائيليين، فإنها بدت للفلسطينيين عملًا منحازًا بالكامل، كان متعمدًا بقصد صبّ الملح على جروحهم التي لم تجفَّ بعد. إن الرسالة القائلة بأن القدس “خارج الطاولة” تُشجّع حتى عباس على إقصاء الولايات المتحدة من لعب أي دورٍ في عملية سلامٍ مستقبلية. وهذا يعني أن “صفقة القرن” التي أعلنها ترامب بين إسرائيل والفلسطينيين -إذا تم تمريرها على أي حال– ميتةٌ قبل إعلانها.

تبدو الآمال بإحياء أي نوع من المفاوضات وكأنها خيالٌ بعيد. وينطبق الشيء نفسه على المطالب بالعودة الجماعية للاجئين الفلسطينيين. الرعب والغضب والدعوات إلى ضبط النفس والتحقيق هي ردّات فعلٍ متوقعة على ما أطلق عليه عاموس هرئيل، الصحفي في جريدة (هآرتس) الإسرائيلية: “حمام دم منتظم”.

لكن هناك حاجة ملحة لإقناع السلطة الفلسطينية وحماس بإنهاء شقاقهم المدمّر، والمساعدة في توفير المياه الصالحة للشرب، والكهرباء ومعالجة مياه الصرف الصحي لغزة، وإقناع إسرائيل للسماح بمزيد من الصادرات، وبتصاريح الخروج، وفتح مصر لمعبر رفح بشكلٍ منتظم، وغير ذلك فإن بؤس غزة المرعب، من غير المرجح أن يتم تخفيفه في أي وقتٍ قريب، عندما ينجلي الدخان.

اسم المقال الأصلي In Gaza, Palestinians feel abandoned to their fate by an indifferent world الكاتب إيان بلاك، Ian Black مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 15/5 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2018/may/15/gaza-palestinians-israel-negotiations عدد الكلمات 713 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون