مخاطر الألغام ومخلفات الحرب في سورية



أكدت منظمة الصحة العالمية[1] أن ما يزيد عن ثمانية ملايين سوري معرضون لأخطار مميتة، بسبب الألغام ومخلفات الحرب، حيث تعاني عدة مناطق سورية من انتشار الألغام فيها، أبرزها مدينة الرقة التي خرج منها تنظيم (داعش)، مخلفًا وراءه عددًا هائلًا من الألغام. وقد أكد مسؤول بالأمم المتحدة[2] أن الألغام الأرضية التي تركها مقاتلو تنظيم (داعش) في الرقة تغطي كل شبر في معقلهم السابق بسورية، ناصحًا المدنيين بعدم العودة إلى ديارهم. حيث قال بانوس مومتزيس، المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأزمة السورية: “لم نر قط كمية ذخائر لم تنفجر مثلما يوجد فى الرقة؛ حيث توجد كميات كبيرة، في كل منزل وكل غرفة وكل شبر في المدينة”. وأضاف أن الألغام تتسبب في سقوط 50 إلى 70 ضحية في الأسبوع، وهو نحو العدد الذي تشهده أفغانستان في العام. وأوضح أن المنظمة لا تساعد الناس في العودة إلى الرقة، لكنها لا تستطيع منعهم من العودة إلى منازلهم التي قد تحتوي على مخاطر. وبجانب الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي زرعها التنظيم، توجد أيضًا قنابل لم تنفجر وصواريخ استخدمها التحالف في هجومه على الرقة.

وكذلك شهدت منطقة ريف الحكسة الجنوبي وضعًا مماثلًا، إضافة إلى ريف حلب الشمالي، وجميعها كانت (داعش) المسبب الأكبر لانتشار الألغام والمتفجرات. كما تشير مصادر مركز (سوريون من أجل الحقيقة والعدالة) إلى وجود عشرات آلاف الألغام والأشراك الخداعية والقنابل غير المنفجرة، في مدينة منبج التابعة لحلب، بعد خروج (داعش) منها، وهو ما يشكل مصدر رعب للسكان المدنيين. وتنتشر الألغام في ريف الحسكة الجنوبي في قريتي “الفدغمي” شرقي نهر الخابور، و”كشكش جبور” غرب نهر الفرات، الممتدتين على مساحة ستة (كم) مربع، حيث تم زرعهما بأكثر من ألفي لغم. وفي منطقة جبل مركدة المعروف بـ “الحمة”، يوجد أكثر من 17 ألف لغم، بحسب اعترافات بعض عناصر التنظيم. كما تنتشر الألغام في معظم المناطق التي شهدت حربًا في سورية.

مخاطر الألغام ومخلفات الحرب

تشمل آثار الألغام ومخلفات الحرب جوانب جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية، فعلى صعيد الآثار الجسدية، تؤدي الإصابة الناتجة عن انفجار إحدى المُخلّفات المتفجرة إلى قتل الأشخاص أو إصابتهم بتشوه أو إعاقة، وأبرز الإعاقات الناتجة عن هذه الإصابة تشمل: بتر الأطراف، والشلل، وفقدان كامل أو جزئي للبصر، وفقدان كامل أو جزئي للسمع. يضاف إلى ذلك إصابة بعض الأعضاء الداخلية، بالحروق، والجروح المتعددة. وبالنسبة إلى الآثار النفسية يعاني مصابو المُخلّفات المتفجرة عادة من خلل أو اضطراب نفسي ناتج عن صدمة الإصابة، أو الآثار الجسدية الناتجة عنها.

على الصعيد ذاته، قالت (يونيسف): “يوجد ثلاثة ملايين طفل سوري معرضين للموت أو التشوهات، بفعل المتفجرات التي خلفتها الحرب”، وقدرت أن ما لا يقل عن 910 أطفال قُتلوا عام 2017، فيما تشوه 361 آخرين، بسبب مخلفات الحرب في سورية”. وقد ازدادت نسبة الإعاقات لدرجة كبيرة في سورية، نتيجة للانفجارات ومخلفات الحرب، وقال رئيس رابطة الأطباء الدوليين مولود يورت ستفن:[3] إن نسب إصابات الساق وبتر الأذرع في سورية هي الأكبر في العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، حيث وثّقت المراكز الصحية المختصة داخل الأراضي السورية، آلاف حالات بتر الأطراف. وقد بلغ عدد السوريين الذين بُترت أطرافهم منذ 2011 -بحسب إحصاءات طبية- أكثر من 85 ألفًا، بسبب القنابل العنقودية والألغام والصواريخ والقذائف.

كما تتسبب المُخلّفات المتفجرة في إعاقة الحركة الاقتصادية وبرامج التنمية، في مناطق وجودها، حيث إنها تمنع الاستثمار السليم للموارد الاقتصادية في المجتمعات المتضررة؛ فهناك الطرقات المقطوعة، والحقول الزراعية غير المستثمرة، وانعدام الحركة السياحية، كذلك تتسبب إصابة الأفراد في فقدان مصادر الرزق، وعبء العلاجات الطبية والتأهيلية الدائمة، كما تؤدي إلى إصابة المواشي وإلى آثار مادية كبيرة، ويجب ألا ننسى الأضرار والخسائر البشرية والاجتماعية. إن مخلفات الحرب والألغام تعوق التنمية وتشكل حجر عثرة أمام عودة الناس، ولذلك فهي تعوق عودة النازحين إلى بيوتهم وأراضيهم.

نزع الألغام

دعمت الولايات المتحدة، وباقي أعضاء التحالف الدولي المناهض لتنظيم (داعش)، ومنهم المملكة المتحدة، ألمانيا، هولندا، وفرنسا، أو وعدت بدعم جهود إزالة الألغام، وبخاصة مسح “مواقع البنية التحتية الحيوية”، إضافة إلى تدريب السكان المحليين على تولي عاتق تطهير المناطق السكنية. لكن الطلب المحلي على إزالة الألغام يفوق الخدمات المقدمة بكثير.

في سياق الدعم، تعتزم ألمانيا[4] إنفاق عشرة ملايين يورو -مبدئيًا- للمساعدة في إزالة الألغام من مدينة الرقة شمال سورية. كما قدّم المركز الدولي لإزالة الألغام في مدينة تدمر الأثرية أحدث أجهزة للكشف عن الألغام (كورشون) والكلاب المدربة.

وأعلنت روسيا[5] أن مجموعة من الخبراء الروس قامت بعملية تمشيط 34 هكتارًا في دير الزور، تم خلالها تدمير أكثر من 850 عبوة ناسفة. وأشارت إلى أن المركز الدولي لمكافحة الألغام للقوات المسلحة الروسية تمكّن، خلال فترة عمله في أراضي سورية، من تدمير31997 عبوة ناسفة.

وتقوم بعض المنظمات الأهلية بالعمل على تنظيف المدن من الألغام؛ حيث قامت ورشات تابعة لمركز (في أيدٍ أمينة) بتنظيف المنطقة الشمالية، وقامت -مثلًا- بتنظيف بلدة أخترين بشكل كامل من الألغام، عقب انسحاب تنظيم (داعش) منها، وأُعلنت بالتعاون مع المجلس المحلي في البلدة، منطقة آمنة ونظيفة، ليعود إليها الأهالي وتزرع أراضيها، بعد إزالة نحو 400 لغم من البلدة. وتشمل مناطق العمل حتى اليوم أماكن مختلفة من أرياف حلب وإدلب، منها تلالين ومارع وكفركلبين وأطراف جرابلس ومدينة الباب وريفها، وغيرها من القرى والبلدات الخارجة عن سيطرة التنظيم.

إن عملية نزع الألغام عملية شاقة وطويلة، وتحتاج إلى الحصول على خرائط توزيعها حتى يسهل نزعها، ومعرفة أماكن طمرها وإخفائها. وعند انسحاب الأطراف المسلحة تترك خلفها الألغام، وسائل الموت الخادعة والكمائن المفخخة، لإلحاق الأذى الأكبر بالطرف المعادي، رغم الإدراك بأن 75 في المئة من ضحاياها هم سيكونون من المدنيين على الأغلب.

التوعية بمخاطر الألغام

تشير التوعية بمخاطر الألغام إلى أنشطة التوعية التي تهدف إلى الحدّ من احتمالات الإصابة بسبب الألغام والذخائر التي لم تنفجر، وذلك بإثارة الوعي وتشجيع تغيير السلوك، من خلال حملات إعلامية عامة، والتعليم والتدريب، والاتصال بالمجتمعات المحلية.

يجب العمل على زيادة الوعي وتقديم معلومات السلامة الأساسية المتعلقة بخطر مخلّفات الحرب (من بقايا مواد غير منفجرة وألغام وعبوات ناسفة) للأفراد الموجودين في المناطق المتضرّرة، لمساعدتهم في فهم إجراءات السلامة المناسبة، وتجنب الاحتكاك بالألغام والمتفجّرات من مخلّفات الحرب.

وتضمن التوعية بمخاطر الألغام أن تكون المجتمعات مدركة للمخاطر التي تنجم عن الألغام والذخائر التي لم تنفجر و/ أو الذخائر المتروكة، وتشجيعهم على أن يكون سلوكهم مؤديًا إلى تقليل تعرّض الناس والممتلكات والبيئة للمخاطر. والأهداف تتمثل في تقليل المخاطر إلى المستوى الذي يمكن عنده للناس أن يعيشوا في سلام، وإعادة توفير بيئة يمكن فيها تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية دون عوائق يفرضها التلوث بالألغام الأرضية.

وتسهم التوعية بمخاطر الألغام، إضافة إلى إزالة الألغام (التي تشمل عمليات مسح تقني ووضع خرائط، وإزالة الذخائر والألغام التي لم تنفجر، ووضع علامات لتحديد المناطق غير المأمونة، وتوثيق المناطق التي تم تطهيرها)، في تقليل مخاطر الألغام، أو الحدّ من احتمالات التعرّض لإصابات بدنية بسبب الألغام والذخائر التي لم تنفجر والتي تلوّث الأرض بالفعل.

التعليم والتدريب

إن موضوع “التعليم والتدريب”، في مجال التوعية بمخاطر الألغام، يشمل جميع الأنشطة التعليمية والتدريبية التي تقلّل من احتمالات الإصابة بسبب الألغام و/أو الذخائر التي لم تنفجر و/أو الذخائر المتروكة، وذلك بإثارة الوعي بالتهديد الذي يتعرض له الأفراد، وتتعرض له المجتمعات، وتشجيع تغيير السلوك. وموضوع التعليم والتدريب يتعلق بعملية ذات اتجاهين، وهي عملية تنطوي على إكساب المعرفة واكتسابها، وتغيير الاتجاهات والممارسات عن طريق التعليم والتعلُّم.

وأنشطة التعليم والتدريب قد يُضطَلَع بها في بيئة رسمية وبيئة غير رسمية: تعليم المدّرس للطفل في المدارس، وتبادل المعلومات في المنـزل من الوالدين للأطفال ومن الأطفال لوالديهم، والتعليم المتبادل بين الأطفال، والتعليم المتبادل بين الأقران في بيئة العمل وبيئة الترويح، وتقديم التدريب للعاملين في مجال المعونة الإنسانية بالنسبة إلى تفادي مخاطر الألغام الأرضية.

دور الأمم المتحدة في إزالة الألغام

أعلنت الأمم المتحدة عن سياسة موسَّعة، بشأن مجال الأعمال المتعلقة بالألغام في مساعدة الضحايا. وهذه السياسية، التي تعتمد على خبرة وكالات وبرامج الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، ومديري برامج الأعمال المتعلقة بالألغام، والخبراء في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام، والبلدان المانحة، تدعو إلى أن تشارك مراكز ومنظمات الأعمال المتعلقة بالألغام في مساعدة الضحايا، وخاصة في مجالات جمع البيانات، والمناصرة، والتخطيط والتنسيق، والعلاقات المجتمعية، ودعم أداء الخدمات. وداخل منظومة الأمم المتحدة، تعمل دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام على نحو وثيق مع منظمة الصحة العالمية والكيانات الأخرى التابعة للأمم المتحدة، وبخاصة منظمة (يونيسف)، التي تدعم أيضًا أنشطة مساعدة الضحايا.

ومن بين الجهات الدولية الفاعلة الرئيسية في التوعية بمخاطر الألغام، الفريق الاستشاري المعني بالألغام، وفرع المنظمة الدولية للمعوقين في بلجيكا، ومنظمة (إنقاذ الطفولة)، ومنظمة (إنترسوس)، ومنظمة (دان تشيرش) لتقديم المعونة، والمنظمة النرويجية للمساعدة الشعبية، والصندوق الاستئماني للتوعية بالألغام، وجمعية المعونة والإغاثة، اليابان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

مساعدة الضحايا هي مكوِّنة أساسية للأعمال المتعلقة بالألغام، والتزام على الدول الأطراف بموجب معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد. والمادة السادسة من المعاهدة تنص على أن “تقوم كل دولة طرف بتقديم المساعدة من أجل رعاية ضحايا الألغام، وإعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم اجتماعيًا واقتصاديًا، ومن أجل برامج التوعية بالألغام، إذا كانت في وضع يسمح لها بذلك”. وأنشطة مساعدة الضحايا تراوح بين تقديم الرعاية الطبية الطارئة وإعادة التأهيل البدني، والدعم النفسي، وإعادة الإدماج اجتماعيًا واقتصاديًا.

مع وجود الألغام ومخلفات الحرب وآلاف من ذخائر القنابل العنقودية الصغيرة غير المنفجرة والمنتشرة في جميع أنحاء سورية؛ “ستستمر الخسائر لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب”، حيث إن مخلفات الحرب، من قذائف هاون وقنابل عنقودية صغيرة غير منفجرة، ستستمر في إعاقة الجهود المبذولة لإعادة الإعمار بعد الحرب. لكن إزالة هذه العوائق والحواجز المميتة لإعادة الإعمار ليست بالأمر المستحيل، وبدعمٍ دولي؛ سنتمكن من الحرب على الألغام ومخلفات الحرب.

[1] منظمة الصحة العالمية، ثمانية ملايين سوري معرضين لأخطار مميتة بسبب الألغام، موقع العهد الاخباري، 4/ 2018

[2] الأمم المتحدة تحذر سكان الرقة السورية من العودة بسبب ألغام داعش، اليوم السابع، 2/2018

[3] حالات بتر الأطراف في سورية هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، تلفزيون سوريا، آذار 2018

[4] صحيفة: ألمانيا تساهم بـ10 ملايين يورو لإزالة الألغام من الرقة، الشرق الأوسط، 10/ 2017

[5] القوات الروسية تقوم بإبطال مفعول أكثر من 850 عبوة ناسفة في دير الزور، روسيا اليوم 10/2017


شذى ظافر الجندي


المصدر
جيرون