الثقافة الشفوية والهوية في سورية (ملف)


محمد

سوريا تكتبمقالات بارزةملفات الثقافة الشفوية والهوية في سورية (ملف)

كيف يتحدث العلويون عن السنة والدروز والمسيحيين داخل نطاق المشيمة العلوية، وكيف يتحدث السنة عن العلويين والدروز والمسيحيين ضمن نطاق مشيمتهم، وأيضا كيف يتحدث الأخيرون عن غيرهم؟ ونفس الأمر فيما يخص الأقوام والعشائر وأهل الريف والمدينة. نحن هنا إزاء كتابة تتطلب الشفافية والوضوح والصدق، كتابة لا يمكن أن يقوم بها إلا من كان مؤمنا بجدواها وأهميتها، كتابة تتطلب الانسلاخ من الطائفة والقوم والعشيرة وإغضابهما لصالح الإنسان

15 مايو 2018

(تصميم كوميك لأجل سوريا/ خاص حكاية ما انحكت) محمد ديبو

رئيس تحرير موقع حكاية ما انحكت (النسخة العربية). باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها.

(ينشر هذا المقال ضمن ملف يتناول الثقافة الشفوية في سورية، بالتعاون والشراكة مع موقع نوى على أوبن ديموكراسي في محاولة لفهم جذور الطائفية والقومية وغيرها في سورية)

أسئلة كثيرة ومتشعبة باتت تطرحها المسألة الطائفية المفتوحة على امتداد المشرق العربي، وربما الشرق الأوسط كاملا، فنحن أمام انبعاث هائل للديني والطائفي والمذهبي والقومي الذي بات يحتل كامل مساحة السياسة والحرب في سورية وغيرها، إذ بات الخطاب السياسي حافلا بالكثير من المفردات والتعابير الطائفية، التي كان الحديث بها قبل عقدين من الزمن، وربما أقل، يعتبر نوعا من النكوص والتخلف، فيما يقدّم اليوم باعتباره واقعا لا يمكن النفاذ من براثنه، وعليه يقترح البعض، بناء على ذلك، حلولا طائفية، وفق مبدأ "وداوها بالتي كانت هي"الداء".

لا شك أنّ المسألة الطائفية قد أشبعت درسا وتحليلا وبحثا على الصعيد الفكري والسياسي، إذ قرأنا خلال السنوات السبع التي مرت وقبلها أيضا، الكثير من الأبحاث والدراسات والكتب التي تختص بالمسألة. ولكن رغم ذلك، نجد أنفسنا أمام عدم وضوح تجاه المسألة الطائفية، إذ يفاجئنا الواقع يوما بعد يوم، بعنف وتعبيرات وتصرفات تعيدنا إلى نقطة البداية، الأمر الذي يضعنا وجها لوجه أمام نفس السؤال: من أين أتت تلك الطائفية كلها؟ أين كان يختبأ هذا الوعي الطائفي؟ وهل حقا كان مختبئا أم أن "العقل العربي" المأخوذ بالحداثة والتقدم تغاضى عنه لصالح أحلامه وتخيلاته عن المستقبل القادم على أجنحة التقدم والحداثة؟

أيضا، لم تكن المسألة الطائفية هي وحدها التي انبعثت من رماد ما يحدث في سورية فقط، بل هناك المسألة القومية التي تجددت بصيغ ماضوية تسعى إلى تطبيق الدولة القومية بصيغتها العصبوية الضيقة بعد أن تجاوز عصرنا مسألة الدولة القومية باعتبارها عنوانا للحداثة، إذ إن عدم اقتران القومية بالديمقراطية ومنظومة الحداثة كاملة (المواطنة، حقوق الإنسان، تداول السلطة...) يجعل من الأولى أداة للعسف مجددا كما رأينا في تطبيقاتها في دول كثيرة لازالت محكومة بهذا النموذج، وقد تكون سورية البعثية أحد نماذجها الأكثر ركاكة.

ولكن مع ذلك، نجد لهذا الوعي القومي حضورا واسعا عند عدد من الأطياف الكردية والعربية وأقوام أخرى، أقوام تتبادل الكراهية المعلنة فيما بينها بدلا من السعي إلى مد الجسور والبحث عن أفق جديد أو صيغة للعيش تجعل من الإنسان قبل المواطن جوهرها الأهم، الأمر الذي يطرح علينا أسئلة عن خلفيات هذا الوعي القومي أيضا، فهل ولد بين ليلة وضحاها أم أنه كان راقدا بيننا ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار في وجهنا؟

إلى جانب الطائفي والقومي، هناك العشائري والمناطقي (حوران والشام، الساحل والداخل) إضافة إلى صراع الريف والمدينة (الغوطة ودمشق).

أقوام وطوائف تتبادل الكراهية المعلنة فيما بينها بدلا من السعي إلى مد الجسور والبحث عن أفق جديد أو صيغة للعيش تجعل من الإنسان قبل المواطن جوهرها الأهم

ما سبق، يطرح علينا سؤال: هل هناك وعي ما لتلك المسائل، وعي ما يتشربه المرء من البيئة التي يعيش بها من الأهل ومسقط الرأس، وعي شفوي غير مكتوب يُغرس في العقل الباطن منذ الطفولة، بحيث ينمو الفرد السوري وغيره أيضا، بين وعيين، الوعي الذي يتشربه من بيئته والوعي الذي يأخذه من المدرسة والجامعة والحياة، بحيث يعبّر ويتعامل مع الأول ضمن نطاق مشيمته التي يشعر بها بالأمان، فيما يعبّر عن الثانية أمام الغرباء والآخرين؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يتعايش الوعيان معا عبر مسار الفرد منا؟ وكيف يعبّران عن أنفسهما؟ وكيف يوفق حاملهما بينهما، خاصة إننا إزاء وعيين متناقضين، الأول يتشبث بالماضي وخرافاته والثاني يتشبث بالحداثة ومفرداتها، ولمن تكون الغلبة حين يكون المرء مضطرا للاختيار بينهما؟ ولم يختار أحدهما دون الآخر؟

لمحاولة الإجابة عمّا سبق من أسئلة، نفتح هذا الملف في مرحلة أولى، لكتابات تعبّر بوضوح وشفافية عن هذا الوعي الكامن في المجتمع، عن حديث الفئات السورية (طوائف، أقوام، مناطق، عشائر..) عن بعضها البعض، أي كيف يتحدث العلويون عن السنة والدروز والمسيحيين داخل نطاق المشيمة العلوية، وكيف يتحدث السنة عن العلويين والدروز والمسيحيين ضمن نطاق مشيمتهم، وأيضا كيف يتحدث الأخيرون عن غيرهم؟ ونفس الأمر فيما يخص الأقوام والعشائر وأهل الريف والمدينة.

نحن هنا إزاء كتابة تتطلب الشفافية والوضوح والصدق، كتابة لا يمكن أن يقوم بها إلا من كان مؤمنا بجدواها وأهميتها، كتابة تتطلب الانسلاخ من الطائفة والقوم والعشيرة وإغضابهما لصالح الإنسان. وعليه فإن الملف مفتوح لكل من يؤمن بذلك، ويجد القدرة في نفسه على البوح واختراق المحظور، بحثا في داخله ودواخلنا، لفضح هذا "الوعي" الذي تربينا عليه وشكل جزءا من وعينا، كمحاولة لمحاكمة أنفسنا ومساءلتها: هل لعب هذا الوعي دورا فيما يحدث؟ هل شكّل ما أخذناه من بيئاتنا الأولى وكنا نظن أننا تجاوزناه، الأسس الأولى لتصرفاتنا ومواقفنا تجاه ما يحدث في سورية، فاحتمينا بالقبيلة والطائفة وغيرها؟

في المرحلة الثانية من هذا الملف، سيتم وضع هذه الشهادات أمام باحثين مختصين لقراءة هذا الشهادات والتعليق عليها من زاوية فكرية وبحثية، لمحاولة إيجاد رابط بينها وبين ما حدث ويحدث في سورية والإقليم، هذا إن كان يوجد رابط ما، لأننا لا نريد أن نصادر النتيجة التي سيقدمها لنا لاحقا هؤلاء الباحثين والمختصين، بناءا على تلك الشهادات وغيرها. إضافة إلى محاولة معرفة دور هذه الثقافة الشفوية (إيجابا أو سلبا) في بناء، أو عرقلة بناء، هوية سورية جديدة بعد انتهاء الصراع.

شارك المقالة مقالات متعلقة الوسوم: الثورة السورية .rtl .entry-content{ text-align: justify; }

(ينشر هذا المقال ضمن ملف يتناول الثقافة الشفوية في سورية، بالتعاون والشراكة مع موقع نوى على أوبن ديموكراسي في محاولة لفهم جذور الطائفية والقومية وغيرها في سورية)

أسئلة كثيرة ومتشعبة باتت تطرحها المسألة الطائفية المفتوحة على امتداد المشرق العربي، وربما الشرق الأوسط كاملا، فنحن أمام انبعاث هائل للديني والطائفي والمذهبي والقومي الذي بات يحتل كامل مساحة السياسة والحرب في سورية وغيرها، إذ بات الخطاب السياسي حافلا بالكثير من المفردات والتعابير الطائفية، التي كان الحديث بها قبل عقدين من الزمن، وربما أقل، يعتبر نوعا من النكوص والتخلف، فيما يقدّم اليوم باعتباره واقعا لا يمكن النفاذ من براثنه، وعليه يقترح البعض، بناء على ذلك، حلولا طائفية، وفق مبدأ "وداوها بالتي كانت هي"الداء".

لا شك أنّ المسألة الطائفية قد أشبعت درسا وتحليلا وبحثا على الصعيد الفكري والسياسي، إذ قرأنا خلال السنوات السبع التي مرت وقبلها أيضا، الكثير من الأبحاث والدراسات والكتب التي تختص بالمسألة. ولكن رغم ذلك، نجد أنفسنا أمام عدم وضوح تجاه المسألة الطائفية، إذ يفاجئنا الواقع يوما بعد يوم، بعنف وتعبيرات وتصرفات تعيدنا إلى نقطة البداية، الأمر الذي يضعنا وجها لوجه أمام نفس السؤال: من أين أتت تلك الطائفية كلها؟ أين كان يختبأ هذا الوعي الطائفي؟ وهل حقا كان مختبئا أم أن "العقل العربي" المأخوذ بالحداثة والتقدم تغاضى عنه لصالح أحلامه وتخيلاته عن المستقبل القادم على أجنحة التقدم والحداثة؟

أيضا، لم تكن المسألة الطائفية هي وحدها التي انبعثت من رماد ما يحدث في سورية فقط، بل هناك المسألة القومية التي تجددت بصيغ ماضوية تسعى إلى تطبيق الدولة القومية بصيغتها العصبوية الضيقة بعد أن تجاوز عصرنا مسألة الدولة القومية باعتبارها عنوانا للحداثة، إذ إن عدم اقتران القومية بالديمقراطية ومنظومة الحداثة كاملة (المواطنة، حقوق الإنسان، تداول السلطة...) يجعل من الأولى أداة للعسف مجددا كما رأينا في تطبيقاتها في دول كثيرة لازالت محكومة بهذا النموذج، وقد تكون سورية البعثية أحد نماذجها الأكثر ركاكة.

ولكن مع ذلك، نجد لهذا الوعي القومي حضورا واسعا عند عدد من الأطياف الكردية والعربية وأقوام أخرى، أقوام تتبادل الكراهية المعلنة فيما بينها بدلا من السعي إلى مد الجسور والبحث عن أفق جديد أو صيغة للعيش تجعل من الإنسان قبل المواطن جوهرها الأهم، الأمر الذي يطرح علينا أسئلة عن خلفيات هذا الوعي القومي أيضا، فهل ولد بين ليلة وضحاها أم أنه كان راقدا بيننا ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار في وجهنا؟

إلى جانب الطائفي والقومي، هناك العشائري والمناطقي (حوران والشام، الساحل والداخل) إضافة إلى صراع الريف والمدينة (الغوطة ودمشق).

أقوام وطوائف تتبادل الكراهية المعلنة فيما بينها بدلا من السعي إلى مد الجسور والبحث عن أفق جديد أو صيغة للعيش تجعل من الإنسان قبل المواطن جوهرها الأهم

ما سبق، يطرح علينا سؤال: هل هناك وعي ما لتلك المسائل، وعي ما يتشربه المرء من البيئة التي يعيش بها من الأهل ومسقط الرأس، وعي شفوي غير مكتوب يُغرس في العقل الباطن منذ الطفولة، بحيث ينمو الفرد السوري وغيره أيضا، بين وعيين، الوعي الذي يتشربه من بيئته والوعي الذي يأخذه من المدرسة والجامعة والحياة، بحيث يعبّر ويتعامل مع الأول ضمن نطاق مشيمته التي يشعر بها بالأمان، فيما يعبّر عن الثانية أمام الغرباء والآخرين؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يتعايش الوعيان معا عبر مسار الفرد منا؟ وكيف يعبّران عن أنفسهما؟ وكيف يوفق حاملهما بينهما، خاصة إننا إزاء وعيين متناقضين، الأول يتشبث بالماضي وخرافاته والثاني يتشبث بالحداثة ومفرداتها، ولمن تكون الغلبة حين يكون المرء مضطرا للاختيار بينهما؟ ولم يختار أحدهما دون الآخر؟

لمحاولة الإجابة عمّا سبق من أسئلة، نفتح هذا الملف في مرحلة أولى، لكتابات تعبّر بوضوح وشفافية عن هذا الوعي الكامن في المجتمع، عن حديث الفئات السورية (طوائف، أقوام، مناطق، عشائر..) عن بعضها البعض، أي كيف يتحدث العلويون عن السنة والدروز والمسيحيين داخل نطاق المشيمة العلوية، وكيف يتحدث السنة عن العلويين والدروز والمسيحيين ضمن نطاق مشيمتهم، وأيضا كيف يتحدث الأخيرون عن غيرهم؟ ونفس الأمر فيما يخص الأقوام والعشائر وأهل الريف والمدينة.

نحن هنا إزاء كتابة تتطلب الشفافية والوضوح والصدق، كتابة لا يمكن أن يقوم بها إلا من كان مؤمنا بجدواها وأهميتها، كتابة تتطلب الانسلاخ من الطائفة والقوم والعشيرة وإغضابهما لصالح الإنسان. وعليه فإن الملف مفتوح لكل من يؤمن بذلك، ويجد القدرة في نفسه على البوح واختراق المحظور، بحثا في داخله ودواخلنا، لفضح هذا "الوعي" الذي تربينا عليه وشكل جزءا من وعينا، كمحاولة لمحاكمة أنفسنا ومساءلتها: هل لعب هذا الوعي دورا فيما يحدث؟ هل شكّل ما أخذناه من بيئاتنا الأولى وكنا نظن أننا تجاوزناه، الأسس الأولى لتصرفاتنا ومواقفنا تجاه ما يحدث في سورية، فاحتمينا بالقبيلة والطائفة وغيرها؟

في المرحلة الثانية من هذا الملف، سيتم وضع هذه الشهادات أمام باحثين مختصين لقراءة هذا الشهادات والتعليق عليها من زاوية فكرية وبحثية، لمحاولة إيجاد رابط بينها وبين ما حدث ويحدث في سورية والإقليم، هذا إن كان يوجد رابط ما، لأننا لا نريد أن نصادر النتيجة التي سيقدمها لنا لاحقا هؤلاء الباحثين والمختصين، بناءا على تلك الشهادات وغيرها. إضافة إلى محاولة معرفة دور هذه الثقافة الشفوية (إيجابا أو سلبا) في بناء، أو عرقلة بناء، هوية سورية جديدة بعد انتهاء الصراع.




المصدر