on
بلا عرين ولا إرادة
قبل ستة أشهر، وتحديدًا في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تسلّل رأس النظام السوري سرًّا إلى سوتشي، على متن طائرة شحن عسكرية روسية، ليلتقي وحيدًا رأس النظام الروسي، من دون إعلان مسبق، ومن دون بروتوكولات مطلوبة بين رؤساء الدول، وأعلن الروس عن الزيارة بعد انتهائها، ولم تنبِس أجهزة إعلام النظام بكلمة إلا بعد أن أعلن الكرملين انتهاء الزيارة بيوم كامل.
في ذلك اللقاء، هنّأ “الرأسان” بعضهما على النتائج التي حققاها، من خلال قتل السوريين بذريعة مكافحة الإرهاب. وبحثا -وفق ادّعاء إعلامهما- المبادئ الأساسية لتنظيم العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، وعوّلا على مشاركة الأمم المتحدة بفاعلية في المرحلة النهائية من التسوية في سورية.
في كانون الأول/ ديسمبر، أي قبل خمسة أشهر، استدعى بوتين الأسدَ على عجل إلى قاعدة حميميم “الروسية”، وأمعن في إظهاره أمام العالم على أنه جندي من الدرجة الثالثة، وحملَت الزيارة ما حملته من مشاهد “إذلال” مُتعمّد لرأس النظام السوري، تابعها الجميع بسخرية، حيث جُرّد الأسد من مرافقته الشخصية ومن مترجميه ومن كل بروتوكولات الرئاسة، وأُبعد عن طريق بوتين، وظهر مُرتبكًا مضطربًا وحيدًا وصاغرًا.
وكسابقتها، أعلن الروس عن الزيارة، ولم تجرؤ وسيلة إعلام سورية على ذكر الأمر إلا بعد انتهائه، وأمرَ بوتين -وقتئذٍ- ببدء سحب القوات الروسية من سورية، وتوعّدَ “الإرهابيين الدوليين”، إن هم “رفعوا رأسهم من جديد”، وأوضح للجميع أن روسيا تتحكم في سورية ورأسها كلعبة خيال الظل.
في العام الماضي، وفي حميميم أيضًا، أرسلت موسكو وزيرَ دفاعها ليستقبل الأسدَ ضيفًا، وبدا الأسد في أشد حالات الارتباك والمفاجئة، وقد صوّر الروسُ اللقاء دون إنذار مسبق ليُظهروا الأسد صغيرًا ضعيفًا، يضطرب بين يدي ضابط روسي لا يحمل السلاح، ولكنه يُخفي عصًا غليظة خلف ظهره أُعدّت لمن يُفكّر بالعصيان.
قبل أيام، وتحديدًا في 18 أيار/ مايو، جرّ بوتين الأسد بشكل سرّي إلى سوتشي من جديد، ولم يُعلَن عن الزيارة إلا بعد أن عاد الأسد إلى دمشق، وأخبره أن روسيا تتوقع من القوات المسلحة الأجنبية الانسحاب من سورية، حالما تبدأ عملية سلام، وأن هذا الانسحاب سيكون جزءًا من تسوية للحرب الطويلة في سورية، وكرر التهنئة بـ “انتصارات” الجيشين، ودعا إلى أن يتحول الاهتمام إلى المساعدات الإنسانية والإعمار وإنعاش الاقتصاد والتسوية السياسية.
بغضّ النظر عن التصريحات العنترية التي كان يقولها بوتين بعد كل لقاء؛ نلاحظ أن أربعة لقاءات متتالية أظهرَت الأسد زعيمًا بلا قدر ولا هيبة ولا إرادة. أربعة لقاءات أوضحت الصورةَ تمامًا، حيث بدا الأسد عاجزًا بلا حول ولا قوة، وأنه أداة تنفيذية طيّعة في يدِ من يستخدمها، لا يمكن أن يُعتمَد عليه وأن يوثق به، بعد اليوم، فروسيا باتت صاحبة القرارات كبيرها وصغيرها، وهي المحرِّكة والمسيّرة حتى للأسد شخصيًا.
داخليًا؛ فقد نظام الأسد مكانته، يومَ أطلق رعاعه أول رصاصة على المتظاهرين السلميين، وفقد إنسانيته حين ارتكب أتباعه أول مجزرة، وفقد أسباب وجوده مع استخدام أول مدفع وأول برميل وأول صاروخ، ثم فقد كل شيء حين تحوّل إلى نظام ميليشيات، وبدأت آلته الأمنية والعسكرية تحصد الأبرياء، نساء وأطفالًا.
خارجيًا، فقد نظام الأسد مكانَه، منذ أن أطلق إعلامُه أول كذبة عن طائفية وتسلّح المتظاهرين، وفقد احترامه حين رفض أول نصيحة عربية وإقليمية ودولية، وفقد عقله حين قرر الالتصاق بعمامة الخامنئي، والتمسك بطرف ثوب بوتين.
يقول كثيرون إن الثورة انتهت، وإن النظام انتصر، ويتجاهلون أن ذلك النظام بات دون مكان ولا مكانة ولا إرادة ولا احترام ولا حضور، خارجيًا وداخليًا، حتى لدى أنصاره، وينسون أنه فقد كل أسباب بقائه ومقومات إبقائه، وأن كل زبد لابد زائل.
باسل العودات
المصدر
جيرون