شبح القذافي يخيم فوق بيونغ يانغ



لماذا لا تريد كوريا الشمالية نزع أسلحتها وفق “السيناريو الليبي”

الصورة: وكالة أنباء رويتر

 اتضح أن اللقاء المرتقب الأول في التاريخ الذي سيجمع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية كوريا الشمالية: دونالد ترامب وكيم جونغ أون، أصبح في خطرٍ؛ بيونغ يانغ غير راضيةٍ على الإطلاق من تصريحات مستشار زعيم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جون بولتون، الذي أعلن أنه يريد نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية وفقًا “للسيناريو الليبي”: أي تسليم كوريا الشمالية غير المشروط لأسلحتها النووية، من دون الحصول على تنازلاتٍ من الطرف الآخر. رأت وزارة الخارجية الكورية الشمالية في هذا التصريح خطرًا “يجر جمهوريتنا إلى المصير المرّ الذي لاقته ليبيا والعراق”. ولا يستبعد أن يكون جون بولتون يعمل متعمدًا على تخريب العملية التفاوضية، فنزاعه الشخصي مع كوريا الشمالية يعود إلى أكثر من 15 عامًا، وجد الطرفان خلالها الوقت الكافي ليصفا بعضهما البعض بـ “الديكتاتورية المستبدة” و”التعفن البشري”.

ليبيا على درب جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية

من الصعب جدًا أن نصف تعليقات جون بولتون لـ Fox News Sunday، يوم 29 نيسان/ أبريل، بالتصريحات المفيدة للحوار الدبلوماسي مع كوريا الشمالية. فقد أقدمت بيونغ يانغ في الأشهر الماضية على إجراءات غير مسبوقة، لتبرهن على استعدادها مناقشة خفض التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وبحث نزع السلاح النووي منها. وكانت الخطوة الأبرز استعداد بيونغ يانغ للبدء بتدمير موقع التجارب النووية “بون غبي”. من المحتمل أن يتمكن ترامب وكيم جونغ في 12 حزيران/ يونيو في سنغافورة من تنسيق خطواتهما اللاحقة على هذا الاتجاه، ولكن تحقيق ذلك مرتبط أولًا بانعقاد اللقاء. حتى اللحظة، اعتبرت جمهورية كوريا الشمالية تصريحات بولتون وكأنها تشير إلى رغبة الولايات المتحدة الأميركية في نزع سلاح كوريا الشمالية، ومن ثم تنظيم تمردٍ فيها للقضاء جسديًا على القيادة الكورية، “وفق السيناريو الليبي”.

يعود تاريخ البرنامج النووي إلى ثمانينيات القرن العشرين، وقد بني بمساعدة الاتحاد السوفيتي، مفاعل بحثٍ نووي بـ 10 ميغاواط، ولتشغيله اشترت ليبيا كمية 2 طن من اليورانيوم. ومن الجدير بالذكر أن ليبيا وقعت عام 1975 على اتفاق منع انتشار السلاح النووي، بصفتها دولة لا تمتلكه.

لم يكن لدى ليبيا الخبرات الوطنية الكافية؛ ما دفع بالزعيم الليبي معمر القذافي في السبعينيات إلى القيام بعدة محاولات سعيًا للحصول على السلاح النووي من جمهورية كوريا الشمالية، أو تنظيم تعاون تقني في هذا المجال مع باكستان أو الهند. باءت محاولات القذافي بالفشل، كما لم تعط ليبيا موافقتها على مقترحات الاتحاد السوفيتي ببناء مفاعلات تعمل “بالماء الثقيل” بقيمة 10 مليار دولار. وفي بعض الحالات، كانت الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطًا مختلفة على بعض المصدرين المحتملين، وابتداء من عام 1979 أدرجت ليبيا على لائحة الدول الراعية للإرهاب، وفي عام 1981 أقدمت واشنطن على إغلاق سفارة ليبيا لديها. وكانت الذرائع والتهم قيام السيد القذافي بتقديم الدعم المنهجي للمجموعات الإرهابية العربية، والمشاركة في الأعمال الإرهابية في دول أوروبا الغربية. وكان تفجير طائرة بوينغ 747 فوق لوكربي في بريطانيا عام 1988 الحدث الإرهابي الأضخم الذي أودى بحياة 270 شخصًا.

النجاح الأول الذي حققته ليبيا كان تعزيز علاقاتها في المجال النووي مع الأرجنتين، التي تصاعد مزاجها المعادي للغرب، بعد حرب جزر الفوكلاند عام 1982. غير أن الاختراق الحقيقي حدث عام 1989، عندما أرست علاقات تعاون وثيق مع باكستان، جعلها تقترب من عتبة إنتاج سلاحها النووي الخاص. وبفضل “أبو البرنامج النووي الباكستاني” عبد القادر خان، وصلت إلى ليبيا في بداية التسعينيات أول 20 وحدة لتخصيب اليورانيوم، قادرة على إنتاج مواد انشطارية للسلاح النووي. وعلى التوازي، استمرت ليبيا في شراء كمياتٍ مهمة من اليورانيوم. وتشير بعض المعلومات إلى أن ليبيا قامت، بمساعدة عبد القادر خان، بشراء رسوماتٍ ومخططاتٍ تسمح بمباشرة تجميع قنبلتها النووية الخاصة.

تهديدات العالم أحادي القطب

ومع ذلك، وبحسب ذكريات الدبلوماسي السابق مارتين إنديك/ إدارة بيل كلينتون، بدأ معمر القذافي منذ عام 1999 البحث عن طرقٍ لتخفيف العقوبات الدولية والأميركية، التي اشتدت في الثمانينيات والتسعينيات. وبحسب وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم، اتخذت ليبيا القرار النهائي بالتخلص من أسلحتها عام 2001، بعد استلام معمر القذافي رسالةً من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. وقد طالب الرئيس الأميركي القائدَ الليبي بـ “التخلص الفوري من جميع أسلحة الدمار الشامل، (كانت ليبيا قد اشترت من السوق السوداء أسلحةً كيمياوية وبيولوجية- كومرسانت)، وإلا؛ فإن الولايات المتحدة ستقوم بتدميرها دون مفاوضات”.

بعدئذٍ، ودائمًا بحسب الوزير الليبي، راح المسؤولون الليبيون يلتقون سرًا بممثلي الولايات المتحدة، بريطانيا وروسيا لبحث آفاق التخلي عن مخزون مكونات السلاح النووي. فالسلاح النووي لم يكن موجودًا بالفعل، فتجميع المخططات، اليورانيوم والصواريخ في كل واحد كان غير ممكنٍ، بسبب نقص المهندسين المؤهلين وكذلك الخبرة.

تسارعت جهود معمر القذافي بقوة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فقد أرسل إلى واشنطن وموسكو ولندن مندوبيه، الذين عرضوا في تلك العواصم التعرف إلى تفاصيل البرامج الليبية النووية والبيولوجية والكيمياوية. واقترح الليبيون عليهم بصورةٍ منفصلة زيارة عشرة مواقع رئيسية تخص البرنامج العسكري الليبي. وقد أظهر الأميركيون الاهتمام الأكبر، وأخرجوا من ليبيا كمية 25 طن من الوثائق والمعدات، من ضمنها نحو ألف جهاز من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. وصرح معمر القذافي بأنه يقوم بذلك “للعودة إلى المؤسسات الدولية، بما يحقق مصلحة الشعب الليبي”، الأمر الذي لاقى ترحيبًا من جميع الدول الغربية.

نظم الليبيون جولةً مثيرة للخبراء المهتمين وللمسؤولين الأميركيين والبريطانيين، زاروا خلالها المواقع النووية والكيمياوية والبيولوجية. وقد اتضح لاحقًا أن البلاد لم تتقدم كثيرًا على طريق تحقيق برامجها.

قال الخبير أندريه باكليتسكي لصحيفة (كومرسانت): “لم يكن لدى ليبيا برنامج نووي بالمعنى المعروف، بل كان لديها فقط مجرد مكونات مشتراة، أجهزة طردٍ مركزية غير مجمعة”. لم يكن لدى ليبيا المعرفة، وجميع المكونات مصدرها السوق السوداء. وكانت الاستخبارات الأميركية والبريطانية على علمٍ بذلك.

تعرّض الزعيم الليبي للشجب والإدانة من جانب العالم الإسلامي، حيث اعتُبر أنه سلم سلاحه دون الحصول على تنازلاتٍ مهمة من الولايات المتحدة الأميركية، ليمنح إسرائيل تفوقًا استراتيجيًا غير مبررٍ. وبالمناسبة، صرّح سيف الإسلام ابن الزعيم الليبي بأن الولايات المتحدة الأميركية قدّمت لليبيا ضماناتٍ بالحماية مقابل تدمير أسلحة الدمار الشامل الموجودة لديها. ومع ذلك، قُتل معمر القذافي في نهاية الأمر بصورةٍ وحشية، وقام المسلحون بالتمثيل بجثته. وتوقفت البلاد عن الوجود عمليًا كدولةٍ واحدة، ولا يزال الاقتتال الداخلي يمزق أوصالها.

من غير الممكن ألا يكون مصير ليبيا قد أثار ردة فعلٍ سلبية داخل كوريا الشمالية. منذ عام 2011، مع بدء قصف القوات الحكومية الليبية من قبَل قوات الدول الغربية، سارعت وكالة الأنباء الكورية الشمالية إلى وصف قرار معمر القذافي بتسليم سلاحه النووي بـ “الخطأ الفادح”، وقالت: “أعطَت الأزمة الليبية درسًا مريرًا للمجتمع الدولي، فأيديولوجية كوريا الشمالية، بإعطاء الأولوية المطلقة لبناء القوة العسكرية على بقية المجالات، صحيحةٌ ألف مرة”.

دروس الغباء المرَضي

استوعبت كوريا هذا الدرس جيدًا. واليوم، من الصعب المساواة بين برامج ليبيا وكوريا الشمالية النووية، فالبرنامج الليبي أُغلق في مراحله الأولى، أما البرنامج الثاني فقد جعل من كوريا الشمالية دولةً نوويةً على كافة المستويات. وقد قلّل امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي من احتمالات غزوها إلى أدنى مستوى، وعلى هذا المستوى يمكن القول إن استراتيجية أسرة كيم قد نجحت، فالولايات المتحدة الأميركية، وجدت نفسها مضطرةً إلى أخذ هذه الدولة بالاعتبار والسعي إلى التفاوض معها.

وفي عام 2011، عندما سُئل عما ستفعله الولايات المتحدة الأميركية، بخصوص الحرب الأهلية في ليبيا، أجاب دون ترددٍ: نقتل معمر القذافي. وعقب بولتون قائلًا: “أعتقد أنه هدفٌ مشروعٌ تمامًا؛ فقد قتل مواطنين أميركيين ولم يتحمل يومًا المسؤولية. ولهذا فأنا لا أتردد لثانية بإعطاء هذا الجواب”. وأوضح أنه كان سعيدًا للغاية بما آلت إليه الأمور عام 2003-2004: “تصوروا كيف كان المشهد سيبدو، لو اتضح أن بحوزته سلاحًا نوويًا، ولكن أحدًا لم يفكر بأن ذلك كان سيمنحه الحصانة مدى الحياة”.

وبخصوص كوريا الشمالية، لم يُظهر جون بولتون الخجل يومًا في التعابير التي يستخدمها. فبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والذي كان من المتحمسين له، صرح بولتون، بأن على واشنطن أن تطلب من بيونغ يانغ “نزع سلاحها النووي بشكلٍ فوري وكامل ودون تنازلاتٍ من جانبنا”. كما وصف كين جين إيل، بـ “الدكتاتور والطاغية، الذي يعيش كالملوك، بينما يعيش شعبه في المخيمات ويعاني الجوع”، وقد عرض وقتذاك أن يتمّ حلّ المسألة الكورية في أسرع وقتٍ باتباع ثلاث خطواتٍ: أولاها يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على بيونغ يانغ. وإذا لم يجد ذلك نفعًا، يجب عندها إشراك الأمم المتحدة وبقية أعضاء المجتمع الدولي. وإذا لم تخضع كوريا الشمالية لكل هذه الضغوط، يجب عندئذ “الدخول إلى البلاد والقضاء على جميع الأسلحة غير الشرعية”. ولقاء هذا المخطط كرمت وكالة الأنباء الكورية الشمالية جون بولتون بمنحه ألقابًا كـ “مصاص الدماء” و”العفن البشري”. وجاء في إحداها: “نحن نعرف بالطبع بوجود صقورٍ في الإدارة الأميركية، ولكننا نواجه للمرة الأولى مثل هذا الوغد الوقح كجون بولتون”.

تنصلت واشنطن من تصريحات بولتون الأخيرة حول كوريا الشمالية، باعتبارها غير مرتبطة بالواقع، حيث قالت السكرتير الصحفي للبيت الأبيض سارة ساندرز: إن “النموذج الليبي” لنزع السلاح، الذي يفترض استسلامًا غير مشروط وتسليمَ السلاح النووي من دون تقديم تنازلاتٍ أولية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، “ليس النموذج الذي نتطلع إليه”، ومساء يوم الخميس، كرر الرئيس الأميركي الموقف نفسه.

وبهذا تكون تصريحات جون بولتون إما مبادرة شخصية منه، أو جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة الموجهة إلى إفشال المباحثات والتوجه إلى تصعيد النزاع. بهذا الخصوص يقول الخبير أدريه باكليتسكي: “ربما يكون الهدف الحقيقي لهذه التصريحات إيصال بيونغ يانغ إلى أقصى حالات التوتر، ليقوموا بالتخلي عن المفاوضات، ولتصرح واشنطن بعدئذ بأن سياسة الدبلوماسية لم تنجح، والانتقال بالتالي إلى الحل العسكري للنزاع”.

اسم المقالة الأصلية Призрак Каддафи над Пхеньяном. Почему КНДР не хочет разоружаться по «ливийскому сценарию» كاتب المقالة ميخائيل كوروستنيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة كومرسانت. 17 أيار 2018 رابط المقالة https://www.kommersant.ru/doc/3630910?from=four_mir ترجمة سمير رمان

 


سمير رمان


المصدر
جيرون