بعد مخيم اليرموك مآلات فلسطينية سورية مشتركة



أثار دخول قوات النظام السوري إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود، عقب خروج تنظيم (داعش) منهما إثر اتفاق بين الطرفين برعاية روسية، كثيرًا من الجدل حول ما جرى وما سيجري، لا سيّما أن مخيم اليرموك يحمل في طياته بُعدًا وجدانيًا، لدى الشعب الفلسطيني، وكل الشارع السوري الوطني.

يقول الكاتب الفلسطيني أكرم عطوة: “لا أحد يستطيع أن يتحدث عن المآلات المستقبلية لمخيم اليرموك، بمعزل عن الوضع المستقبلي في سورية، أقصد السياسي والشعبي، لكنني أجزم بأن لو تُرك الأمر للنظام الأسدي؛ فسيصبح مخيم اليرموك جزءًا من تاريخ دمشق المنصرم ليس إلا، فالنظام يعرف تمامًا أن مخيم اليرموك هو من المخيمات الفلسطينية التي التحقت بالفعل الثوري منذ البدايات”.

أضاف عطوة، في حديثه إلى (جيرون)، أن “ما يوضح موقف النظام من مخيم اليرموك هو ما تعرّض له الفلسطينيون من أعمال قتل واعتقال وتعذيب وتهجير من قِبل هذا النظام، إضافة إلى بعض الإجراءات القانونية بحقهم، التي لا تنسجم مع الوضع القانوني للوجود الفلسطيني في سورية، مثل استثناء الفلسطينيين من إعلان توظيف قدمته وزارة التربية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، واستثناء الفلسطينيين من الاستفادة من مرسوم الابتعاث العلمي لسنة 2013 الذي كان معمولاً به في السابق”.

عدّ عطوة أن “كل هذا قد يعني أن النظام يستعدّ لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الفلسطينيين، لإعادة النظر في وضعهم القانوني.. أعتقد أن النظام الأسدي سيتم ترحيله واستبداله بنظام آخر، يكون أقلّ استبدادًا وفسادًا، حتى إذا استمر هذا النظام في الحكم؛ فستكون سطوته وهيمنته أقلّ، ودوره على الأغلب هامشي”.

من جانب آخر، تساءل الباحث السوري خالد صالح: “هل ثمة خصوصية لمخيم اليرموك؟ ربما قربه من العاصمة جزء منها، كثافته السكانية مع غلبة فلسطينية! طبيعة توزع البيوت وتداخلها، جعلت منه بامتياز مدخلًا ضروريًا لإعادة البناء، لإكمال هندسة (المفيد والمتجانس) هذه الخصوصية”، وأضاف لـ (جيرون): “استُدعيت (داعش) في فصلها الأخير، لإضفاء المشروعية وتبرير ما جرى، وما سيجري لاحقًا مع تطبيق الإجراءات التي تقتضيها مخططات البناء الجديدة”.

في الموضوع ذاته، رأى الكاتب الفلسطيني تيسير الخطيب أن “مخيم اليرموك أساسًا، وغيره من المخيمات الفلسطينية الأخرى المدمرة في سورية، التي جرى استهدافها من قبل النظام المجرم، لها رمزيتها الخاصة ودلالاتها، سواء على صعيد الصراع الداخلي في سورية، أو على صعيد الصراع العربي الصهيوني، أو على صعيد محاولات النظام للاندراج في إطار دولي، لما يسمى مكافحة الإرهاب، بهدف إنهاء الثورة السورية المباركة”.

أشار الخطيب، في حديث إلى (جيرون)، إلى أنه “منذ الأيام الأولى لانفجار الثورة السورية، في أولى المدن الثائرة درعا، صبّت المستشارة الإعلامية باسم النظام المجرم بثينة شعبان جامَ غضبها على المخيمات، واتهمت مخيم درعا بافتعال الأحداث، واتهمت مسلحين خرجوا من المخيم، وأطلقوا النار على قوات الأمن والمتظاهرين كما قالت، وهذا الكلام يحمل رسالتين داخلية وخارجية، وكلتاهما تخدم بقاء النظام وقيامه بدوره المشبوه، فالرسالة الداخلية كانت تريد أن تقول للشعب السوري العظيم إن من فجّر (الفتنة) هم الفلسطينيون، وما عليكم (أي الشعب السوري) إلا الانتقام من المخيمات، والرسائل الخارجية موجهة إلى الكيان الصهيوني، بأن النظام مستعد أن يقدم للكيان ما يريد بشأن المخيمات، إن هي سكتت عن إجرامه وبقائه في السلطة”.

تابع: “في كافة محطات الصراع، استكمل النظام إجرامَه بمحاولة وضع المخيمات أمام خيارات صعبة: إما أن تكون مع النظام، وإما أن تكون ضده وبالتالي مصيرها التدمير؛ فقام بتدمير مخيم درعا وقصف مخيمَ اللاذقية بالرشاشات الثقيلة والزوارق الحربية، ودمّر مخيم حندرات، وكذلك لم تسلم مخيمات ريف دمشق الجنوبي (الست زينب والحسينية) وغيرها من التدمير، وحاصر مخيم خان الشيخ عدة سنوات، وقتل أكثر من ثلاثمئة فلسطيني فيه”.

أضاف الخطيب: “أمام كل تلك الأحداث، لا يمكن تفسير ما حصل في مخيم اليرموك بعيدًا من هذا السياق، الذي قدم نفسه فيه على أنه ضد الإرهاب، وأنه ضد الإرهاب الفلسطيني أيضًا لاسترضاء (إسرائيل)، وما المعركة الإعلامية والتحريضية التي خاضها النظام واتهامها بمساعدة وتدريب الثوار السوريين، إلا خطوات في الاتجاه نفسه. تدمير مخيم اليرموك وغيره يسقط ورقة التوت عن النظام الإجرامي القاتل، وعن الفصائل التي دعمته، ويسقط كل ادعاءاته حول القضية الفلسطينية، التي يريدها دائمًا ورقة في جيبه، على مذبح بقائه في السلطة حاكمًا ومتسلطًا على رقاب الشعب، تدمير مخيم اليرموك هدفٌ صهيوني معلن، لأنه كان خزان الثورة الفلسطينية”.

استبعد الخطيب “أن يعود هذا المخيم صالحًا للحياة البشرية بعد الآن، وإن كان النظام سيلجأ إلى شتى الحيل والألاعيب للإيحاء بأن الحياة ستعود إلى المخيم، استرضاء لفصائل الخزي والعار، التي ساهمت في تدمير المخيم، وسيسجل التاريخ هذه الجريمة البشعة في سجله الأسود، لكل من شارك وعمل وسكت على تدمير سورية، وتدمير مخيم اليرموك، إن وحدة الشعبين المعمدة بالدم ووحدة القضيتين لن يستطيع مجرم حاقد أو متسلق عميل أن يسيء إليها أو يفصلها”.

في السياق، عدّ الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة أن “لمخيم اليرموك رمزية كبيرة في الوجدان والضمير، للسوريين والفلسطينيين معًا، واستهدافه بهذا الشكل هو لمحو جزء من الذاكرة والتاريخ، وفي إطار التغيير الديموغرافي لدمشق ومحيطها وريفها الذي لم يعد خافيًا على أحد”.

وقال لـ (جيرون): “أعتقد أن المخيم لن يعود كما كان، حتى لو تمت تسويةٌ ما، وترتب عليها إعادة إعمار ما خربته حرب الطغمة على شعبها، فقد مثل المخيم على الدوام إرادة التحدي والتغيير للطرفين السوري والفلسطيني والحاضنة لكافة قوى المعارضة السورية، وخصوصًا اليسارية والقومية منها، والثورة الفلسطينية بعمقها الشعبي الذي بقي على الدوام مصادمًا لسياسات الأسدين، وخصوصًا في مرحلة الأب قبل الانحراف الكبير والخطير لبعض المنظمات الفلسطينية”.

وصف خليفة مخيم اليرموك بأنه “حالة مصغرة عن سورية الثورة وشعبها، وأعتقد أن ما تعرض له سيمثل تحولًا كبيرًا، وانطلاقة جديدة ومهمة في معركة تحرير الأرض والإنسان، ولن يكون ذلك حدثًا انتهى دون نتائج. ستمتد مفاعيل ما حصل بعيدًا من جغرافية المخيم ذاته”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون