واقعية الشروط الأميركية لإيران وانعكاساتها على الشأن السوري



أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في خطابٍ له أمس الإثنين، استراتيجية بلاده الجديدة تجاه إيران، حيث حدد 12 شرطًا، من بينها الانسحاب من سورية، يجب أن تحققها إيران لتجنّب أقسى العقوبات.

أشار بومبيو إلى أن أي صفقة جديدة يجب أن تبدأ بتحقيق إيران للشروط الـ 12: “الإفصاح عن كامل الإبعاد العسكرية للبرنامج النووي، إيقاف تخصيب اليورانيوم وإغلاق مفاعل الماء الثقيل، السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول لكامل المواقع، وإنهاء مشروع الصواريخ البالستية، وإطلاق سراح المواطنين الأميركيين المعتقلين في إيران”.

بالنسبة إلى تدخل إيران في البلاد العربية، أوضح بومبيو أن على إيران: “إنهاء دعم ميليشيا حزب الله، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، احترام سيادة العراق وإنهاء تسليح ميليشيات الحشد، إنهاء الدعم لميليشيا الحوثي في اليمن، وسحب القوات تحت القيادة الإيرانية من سورية”.

أضاف بومبيو: “على إيران أيضًا إنهاء الدعم لطالبان في أفغانستان والتوقف عن إيواء القاعدة، إنهاء دعم قوة القدس من الحرس الثوري للإرهابيين، لجم السلوك التهديدي تجاه الجيران كالسعودية والإمارات وإسرائيل”.

الباحث في (مركز الشرق للسياسات) عروة خليفة قال، في حديث إلى (جيرون): “من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن مزيد من أوراق الضغط على إيران، حيث لا يوجد مجال لإيران أن تبقي على برنامجها النووي، ولا تتمكن في الوقت نفسه من الحفاظ على نفوذها في المنطقة، إيران اليوم أمام مقايضة لوضعها في المنطقة، إما الحفاظ على البرنامج النووي مع اتفاق على تأخير الحصول على سلاح نووي بعد 15 سنة، مقابل انسحابها من المنطقة، أو ستضطر إيران إلى مواجهة عقوبات شديدة جدًا، حسب ما أعلن بومبيو”.

شروط بومبيو جاءت بعد أسبوعين من التصعيد الأميركي ضد إيران، والذي بدأ مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وفرضه عقوبات على مسؤولين وشركات إيرانية، ولكن الشروط الأميركية هذه المرة لا ترتبط بالبرنامج النووي فقط، وإنما تتعلّق ببرنامج الصواريخ الباليستية، وتدخّل إيران في شؤون دول المنطقة عبر ميليشياتها.

من جانب آخر، أوضح الباحث في (معهد الشرق الأوسط) في واشنطن إبراهيم الأصيل لـ (جيرون) أن “هذه الشروط مهمّة لمستقبل الشرق الأوسط، ولتكون إيران فيه دولة مسالمة مع جيرانها، ولكن لا أعتقد أبدًا أن النظام الإيراني سيقبل بها، لأنها تنهي طموحاته الإقليمية، من الضروري أن تضغط الولايات المتحدة على إيران لتغيّر من سلوكها في المنطقة، ولكن وضع الشروط لا يكفي، ما لم يكن مترافقًا مع خطة شاملة للضغط السياسي والاقتصادي، والعمل مع حلفاء الولايات المتحدة لتحقيق ذلك”.

أضاف الأصيل: “هنا يبرز عامل مهم، وهو موقف الدول الأوروبية التي ما تزال تحاول إنقاذ الصفقة النووية التي انسحبت منها الولايات المتحدة، ولكن ذلك سيكون صعبًا جدًا، عندما تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على كافة الشركات -ومن ضمنها الأوروبية- التي تتعامل مع إيران”.

على الرغم من أن الدول الأوروبية وروسيا ما زالت تحاول البحث عن حلول ترضي الجانب الأميركي وتحافظ على الاتفاق مع إيران، فإن (إسرائيل) بدأت منذ الأسبوع الماضي سلسلة من الاستهدافات الجوية لمواقع إيرانية في سورية، لم تنقطع حتى اليوم في تصعيد للموقف كما يبدو.

حول إمكانية تطوّر هذه الاستهدافات الإسرائيلية لحرب مفتوحة قال خليفة: “من الممكن أن تواجه إيران خطر حرب في سورية عبر مواجهة مع إسرائيل، أو هناك احتمال توجيه ضربات مباشرة لمواقع داخل إيران، وهو احتمال ضعيف، وذلك لأن الخبراء يتوقعون أن تحصل إيران على كمية كافية من اليورانيوم المخصب خلال نهاية العام، بما يمكنها من تصنيع قنبلة نووية، إذا ما استأنفت برنامجها النووي. نهاية هذه السنة ستتحدد كل هذه النتائج، ومن ضمنها من الممكن اندلاع حرب”.

تحاول إيران جاهدة الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال ميليشياتها في المنطقة، حيث تستخدم الحوثيين لقصف السعودية بالصواريخ الباليستية، وتستخدم (حزب الله) لإرباك الساحة اللبنانية، وعززت موقف ميليشيات (الحشد) لتكون فاعلة في الساحة العراقية، بينما تدعم عشرات الميليشيات في سورية، وتهدد من خلالها مصالح (إسرائيل) والولايات المتحدة، إضافة إلى إسهامها بدعم نظام الأسد، وقتل السوريين وتهجيرهم من مدنهم وقراهم.

حول إمكانية تأثير هذه العقوبات أو التهديدات الأميركية في الملف السوري، قال الأصيل: “إذا كان ترامب جادًا في الضغط على إيران؛ فهذا يعني أن القوات الأميركية ستبقى في سورية على المدى الطويل، لأن خروجها يعني أن إيران ستملأ ذلك الفراغ، لا يمكن أن يكون هناك استراتيجية لمواجهة إيران وسلوكها العدائي في المنطقة مع استثناء سورية، فهي واحدة من أهمّ ساحات النفوذ الإيراني اليوم، والتي ستستخدمها في المستقبل للوصول لساحات جديدة في دول أخرى”.

من جانبه، قلّل خليفة من احتمالية أن يكون لهذه العقوبات تأثير مباشر على دور إيران في سورية، حيث قال: “إيران تواجه أكبر أزمة في المنطقة، منذ حربها مع العراق، ولكن ليس بالضرورة أن ينعكس على وضعها في سورية، وغياب إيران أو تراجع دورها لا يعني انحسارها في سورية، ولكنّ أي ضربةٍ تُضعف إيران ستكون مفيدة للشعب السوري، لأنها تضعف أحد الحلفاء الأساسيين للنظام، وغياب الميليشيات التي تدعمها إيران اليوم أو غدًا، سيغير بالتأكيد المعادلة العسكرية في سورية”.

ينتظر السوريون ما ستؤول إليه التهديدات الأميركية لإيران، مع التصعيد الإسرائيلي المستمر من خلال الاستهداف اليومي للمواقع الإيرانية في مختلف المحافظات السورية، حيث إن إضعاف السطوة الإيرانية في سورية لا بد أن ينعكس إيجابًا لإطلاق مباحثات الانتقال السياسي، وفق مرجعيات جنيف التي ترفضها إيران بشكل مطلق، لأنها ستفضي للإطاحة بحليفها بشار الأسد.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون