لعنة الملائكة ورهاب الذنب



“إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبحَ”

حديث نبوي، أخرجه البخاري

حلمنا بمجتمع تسوده العدالة والمساواة والتكافؤ بين جميع أفراده إناثًا وذكورًا، وتتجسد فيه قيم الحرية والكرامة، وقيم الخير والحق والجمال، ويمنح حقوقًا متساوية للجميع، والحلم قرين العقل لفظًا ومعنى. كما حلمنا بانقشاع جميع أشكال الظلم والاستغلال والتمييز بين أفراد المجتمع الواحد أو الدولة الواحدة.

الحلم أو الشوق والتطلع إلى حياة أفضل وأجمل، حق مشروع لكل إنسان، كما هي الحياة حق مشروع له/ـها، لكن الحلم سرعان ما يرتطم بجدار الواقع، فينهدم، حسب تعبير كانط؛ إذ ينتهي إلى التراجع أمام مكر التاريخ وقوة التقاليد المتحكمة في النظام الاجتماعي، والتي تصبح -مع مرور الزمن- قانونًا يُعمل به في المحاكم المدنية لكثرة تداوله.

حين يستمد القانون نصوصه من شريعة دينية، إسلامية أو مسيحية أو يهودية؛ ويُعتبر من القوانين الوضعية التي نصتها مجموعة من الأفراد المختصين، يكون محتواه فارغًا من المساواة في الحقوق المدنية، بين المواطنات والمواطنين في الدولة الواحدة؛ إذ الشرائع الدينية جميعًا، ولا سيما الشريعة الإسلامية، ميزانها راجح باتجاه الرجل؛ إن لم نقل كفتها مائلة بكل ثقلها، مع ادعائها الدائم أنها حررت المرأة من الاضطهاد وأنصفتها، علمًا أن الشرائع الدينية يمكن أن تقبل بأي شيء إلا مساواة الإناث والذكور، والنساء والرجال، فما أبعدها، وهذه الحال عن العدالة والإنصاف.

المساواة في الحقوق والواجبات هي التجسيد العملي، الأولي، للعدالة، ويزيد عليها الإنصاف، أي “المساواة مع الفرق”، وتفوقها المحبة. العلاقات الإنسانية المؤهِّلة للسعادة. وتوازن الحياة الاجتماعية قوامها المساواة والعدالة والإنصاف والمحبة؛ ويمكن أن تكون المحبة كافية، لأنها تتضمن كل ما سبقها وتزيد عليها.

اغتصاب الزوجة، هو أحد أشكال الحيف الواقع على النساء (اللاعدالة واللاإنصاف واللامحبة)، وأحد أشكال العنف الأسري ضد المرأة؛ وأشدها خطرًا على الحالة النفسية التي تصل إليها المرأة، جراء عدم قدرتها على الرفض، أو جراء القبول القسري بالمعاشرة، التي هي حق من حقوق الرجل فقط، منحه إياه القانون، طبقًا للشريعة الإسلامية، كما فرض على المرأة الطاعة والخضوع، بكل فجاجة.

بدأ ترويض النساء من الخطاب الديني المتشدد، الذي يقضي أن طاعة المرأة وانقيادها الذليل لزوجها هو أمر من الله: {نساؤكم حرث لكم، فأْتوا حرثكم أنّى شئتم}، ومن تعصِ أوامر زوجها لعنتها الملائكة، ثم الخطاب الاجتماعي، الذي كرّس الخطاب الديني، من حيث الحكم بدونية المرأة واستغلالها جنسيًا، ولا ينتهي بالإكراه، وتبرير أساليب العنف المدعوم بآية قرآنية أو أحاديث نبوية؛ فيصبح رفض الزوجة للمعاشرة ذنبًا تُحاسب عليه يوم القيامة؛ ما يجعل تفكير المرأة تفكيرًا ميتافيزيقيًا، يطغى على قدراتها المعرفية، خوفًا من عذاب جهنم، الذي يبالغ الوعَّاظ في تهويله.

إن القانون الذي يعتبر المرأة شرفًا للرجل والعائلة، وينص على “عذرٍ محلّ” من العقوبة، أو “عذرٍ مخفف” للرجل الذي يقتل زوجته أو أخته أو ابنته، بحجة تدنيس شرفه، ليس بمقدوره أن ينص على عقوبة بحق رجل يعاشر زوجته عنوةً، غير آبهٍ برغبتها في ذلك أو عدم رغبتها، وليس بمقدوره –أيضًا- أن ينص على عقوبةٍ بحق الرجل الذي يهجر زوجته عقابًا، أو يعزف عن معاشرتها، حين تكون راغبة في ذلك.

نحن أمام جريمةٍ إنسانية مسكوتٌ عنها، منذ آلاف السنين، وأمام قانون لا يعترف بها، ولا يعترف بحق المرأة كإنسان، وأمام تفكير يعيد إنتاج التخلف واستغلال جسد المرأة واختزال كيانها الحر والمستقل، وإعادة إنتاج العداء للنوع الاجتماعي الذي كرّس النظرة السلبية تجاه المرأة، وتوجه بالخطاب الايجابي باتجاه الرجل.

إنها جريمة مستمرة تمارسها المؤسسات الدينية والمجتمع والقانون مجتمعين، تذكرنا بها جميع المحاكم في العالمين العربي والإسلامي، باستثناء تونس، التي أصدرت قانونًا في عام 2017 يجرّم الزوج المغتصِب لزوجته. وأقرب هذه الجرائم عهدًا، تنفيذ حكم الإعدام بـ نورا الحسين، الفتاة السودانية، التي أُرغمت على الزواج من شاب اختاره أهلها، حسب ما ورد في شبكة التغيير الإلكترونية، وعند رفضها لمعاشرته، اغتصبها بمساعدة أشقائه، وفي الاغتصاب الثاني طعنته حتى الموت؛ فما كان من القاضي الشرعي في المحكمة السودانية، إلا أن دان الزوجة وحكم عليها بالإعدام، مدعمًا حكمه بالحديث: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبحَ“، هذا إضافة إلى تخلّي أهل نورا عنها وتبرُّئهم منها على طول الخط، والنماذج كثيرة.

إن أخطر ما تواجهه المجتمعات العربية والإسلامية، في الوقت الراهن، هو عقد الحلقات الدينية التي تشمل النساء والأطفال من كلا الجنسين، بحجة التعرف إلى أساسيات الدين ومستلزماته، وواجبات النساء تجاه أزواجهن ومنها المعاشرة الجنسية، وتجاه أنفسهن يوم الحساب. ألا يوحي هذا الفعل بترتيب منهجي ومبرمج يساهم في مسح وعي المرأة والطفل (الذكر والأنثى)، ليحل محله رهاب الإثم والعقاب، الذي يتجذر في اللاوعي، فيشل فاعلية الفرد (الذكر والأنثى)، ويساهم في إنتاج جيل مدجن ومنغلق على نفسه وعلى دينه، ومتطرف في أفكاره ومعتقداته؟ أليست المرأة نفسها تساهم إلى حدٍ كبير في اضطهادها واستغلالها جسديًا ودينيًا واجتماعيًا، وجعلها موضوعًا جنسيًا وآلةً تعمل بلا كلل لإرضاء شهوات الرجل ونزواته والقيام بمستلزماته الخاصة؟

إذا كانت العلاقة الزوجية علاقة تبادلية بين المرأة والرجل؛ فأين حق المرأة في الامتناع عن المعاشرة الجنسية، وأين الأحاديث القاضية بحقها؛ إذا امتنع الزوج عن معاشرتها؟ وهل بمقدور كلٍ منهما التفريق بين الرغبة الجنسية والحاجة إليها؟ الرغبة صفة إنسانية بحتة، وحاجة أيضًا، لكن الحاجة تحكمها الغريزة، أما الرغبة فتحكمها الإرادة الحرة والمستقلة، فلو كانت المعاشرة بين الزوجين نابعة عن رغبة، فلن يضطر الزوج لاغتصاب زوجته وإرغامها على القبول بتلبية حاجته الجنسية، أما الاغتصاب فحالة غريزية، أدنى من سلوك الحيوانات، وأكثر وحشية.


أنجيل الشاعر


المصدر
جيرون