هل يُخرج الروسُ الإيرانيين من سورية؟



شكل التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية نقطةً فاصلةً، إذ منع سقوط دمشق بيد الثوار، وأعاد تأمين محيطها، واستعاد مساحات واسعة من يد الثوار. وحصل التدخل العسكري الروسي المباشر، بعد فشل إيران والميليشيات الطائفية المرتبطة بها في حماية نظام الأسد من الانهيار، بعد أن كانت الحماية الروسية مقتصرة “تقريبًا” على الجانب السياسي.

تعاون الروس والإيرانيون بشكل وثيق، بداية التدخل الروسي، وتمثّل الهدف المشترك للطرفين آنذاك بحماية النظام السوري ومنع سقوطه، لكن سرعان ما دبّ الخلاف بينهما، لاختلاف الرؤى والأهداف المستقبلية، فالهدف الإيراني يستند إلى أيديولوجيا دينية طائفية تستتر ببرقع المقاومة والممانعة، بينما يستند الهدف الروسي إلى إعادة الهيبة الروسية المفقودة عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، ولعب دور في الساحة السياسية الدولية، انطلاقًا من الشرق الأوسط الذي تمثّل فيه سورية محور الثقل الروسي، بعد خسارة الروس كثيرًا من الحلفاء في الإقليم، نتيجة انطواء الروس على أنفسهم وانشغالهم ببناء بيتهم الداخلي، سنين عديدة.

ولعل عمل الطرفين على وجود مستدام في سورية مهّد للخلاف الذي سينتهي بإخراج إيران في النهاية، وفق كثير من المراقبين، فالجغرافية السورية الصغيرة نسبيًا لا تسمح بوجود لاعبَين بوزن روسيا وإيران، في وقت واحد.

عرف الروس جيدًا مكامن القوة ونقاط الضعف الإيرانية في سورية، حيث تكمُن قوة إيران حقيقةً في الميليشيات الطائفية (اللبنانية، العراقية، الأفغانية) التي زاد تعداد أفرادها عن 70 ألفًا، ولعبت دورًا مهمًا على الأرض، وكثيرًا ما كانت تقوم بعمليات عسكرية بشكل منفرد، وكأنها جيش ثان رديف لجيش النظام السوري، وتمثل عامل القوة الثاني بالتعاون العسكري، ولا سيّما “منظومات الصواريخ” والمستشارين الإيرانيين. ولم تستطع إيران اختراق المنظومة السياسية والعسكرية للنظام السوري، رغم كل المحاولات، نظرًا إلى التركيبة المعقدة لهذا النظام، إذ يدرك النظامان الإيراني والسوري أن ما يجمعهما “المقاومة والممانعة” هو مجرد شعارات تجارية للتمدد أو البقاء.

وتمثلت نقطة الضعف الإيرانية في الرفض الشعبي للوجود الإيراني حتى من قِبل أبناء الطائفة العلوية الذين أطلق كثير منهم نداءات استغاثة من التغلغل الشيعي في الوسط العلوي، وعملت إيران على تشكيل ميليشيات طائفية محلية مرتبطة بها على غرار العراق ولبنان، لكنها لم تنجح في ذلك المسعى.

بينما عمل الروس على اختراق المنظومة العسكرية، فأصبحت قاعدة حميميم بديلًا عن الأركان السورية، ناهيك عن تعيين ضباط محسوبين عليها؛ فالضابط سهيل الحسن الملقب بـ “النمر” حضر لقاء بوتين الأسد في حميميم، وقد منح الروسُ كثيرًا من الأوسمة لضباط سوريين.

عمل الروس على تفكيك نقاط القوة الإيرانية، من خلال تشكيل الفيلق الخامس، وحلّ كثير من الميليشيات في بداية جدّية لإعادة هيكلة الجيش السوري المتهالك والقضاء على فوضى السلاح، ورغم ذلك عمل الروس على استمالة الميليشيات ذات الثقل كـ “لواء القدس” الفلسطيني، فمنحت وسامًا من الدرجة الأولى للقيادي محمد سعيد.

هذا داخليًا، أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن الأمور تسير لصالح الروس، ولا شك أن الطرف الثالث في أستانا “التركي” سعيد بإخراج إيران، لأن إخراجها يُعدّ بداية لإزالة الطابع الطائفي للصراع الدائر، وربما هذا ما دفع إيران والميليشيات المرتبطة بها إلى محاولة عرقلة اتفاقات أستانا التي، وإن صبّت في صالح بقاء النظام وحمايته، تمهّد لخروجها في المدى البعيد، كما أظهرت أستانا إيران تابعًا للروس على الجغرافية السورية.

وتحظى فكرة إخراج إيران بدعم عربي خليجي؛ لأن إخراج إيران يعني تقليم أظفارها في لبنان، وإضعافًا لها في العراق. ولعل بيضة القبان في المنطقة تتمثل في “إسرائيل” التي ما فتئت تنسق على أعلى المستويات مع الروس، وهذا ما يفسر عدم اعتراض روسيا لأي طائرة أو صاروخ إسرائيلي، على الرغم من سيطرتهم على السماء السورية وامتلاكهم منظومة (s400)، وإنّ اقتصار الضربات الإسرائيلية على شحنات السلاح لـ “حزب الله”، ومواقع يُعتقد بوجود إيرانيين فيها، يوضح بجلاء موافقة الروس على هذه الضربات، كما أن حدوث الضربات الكبرى عقب زيارات نتنياهو لروسيا لا يدع مجالًا للشك في التقاء الرؤيتين الروسية والإسرائيلية على إخراج إيران، وبدا ذلك أمرًا واضحًا للأسد، في لقاء سوتشي الأخير.

لا تجد إيران مفرًا من الخروج؛ إذا أرادت روسيا ذلك، لأن الأسد حليفها لا يستطيع رفض الأوامر الروسية بداية، ولأن إيران في ظل العقوبات الأميركية في أضعف حالاتها، في ظل استنزاف اقتصادها وحاجتها الشديدة إلى الروس سياسيًا واقتصاديًا، وبالتالي لا تستطيع الدخول في مواجهة مشتركة مع الروس والأميركان، ولعل انسحاب الميليشيات المرتبطة بها من الجنوب السوري، وإحلال قوات النمر “رجل روسيا”، يوحي بذلك.

يبقى السؤال: لماذا لا يسارع الروس إلى إخراج إيران من سورية؟ يريد الروس بدايةً دفع إيران إلى الخروج من تلقاء نفسها، عندما تجد أنها فقدت كل أسلحتها، وتريد روسيا استثمار هذا الخروج إقليميًا ودوليًا، وتحقيق مكاسب من الخليج العربي والولايات المتحدة. ولا يجني السوريون، في إطار الصفقات الانتهازية، أي ثمار، باعتبارها تستبدل محتلًا بآخر وتبقي نظام الأسد.


جلال زين الدين


المصدر
جيرون