يقلق حتى من قواته وحلفائه.. ما الذي يحاول الأسد إخفاءه بينما يتحدث عن انتصاره في سوريا؟



السورية نت - مراد الشامي

يقدم نظام بشار الأسد نفسه بمظهر المنتصر في سوريا وأن الأسوأ أصبح ورائه، لا سيما بعدما استعاد السيطرة على أهم معاقل المعارضة في ريف دمشق، الغوطة الشرقية، والقلمون الشرقي، فضلاً عن سيطرة النظام على مخيم اليرموك جنوب دمشق بموجب اتفاق قضى بخروج مقاتلي "تنظيم الدولة" من المنطقة.

وأمام هذا التقدم الميداني، ذهب مسؤولون من روسيا وإيران، والأمم المتحدة، ودبلوماسيون أمريكيون سابقون إلى القول بإن الأسد "منتصر"، ودعوا المعارضة السورية، والإدارة الأمريكية إلى التصالح مع هذا الواقع.

غير أن تحليل الوقائع على الأرض، يُظهر مشهداً أكثر تعقيداً في سوريا، ويؤشر إلى مزيد من الأزمات التي يعاني منها نظام الأسد، والتي تجعل من مكاسبه العسكرية أكثر هشاشة مما تبدو عليه، بحسب ما جاء في تقرير نشره معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".

تعزيز النصر بقوات غير كافية

ويشير كاتب التقرير، مايكل آيزنشتات، وهو ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، إلى أن قوات الأسد تسيطر حالياً على أكثر من 50 % من الأراضي السورية، وما بين نصف وثلثي سكانها.

ويلفت إلى أن أحد أبرز المشكلات التي يواجهها الأسد، وهو غياب القوات الكفوءة في صفوف ما تبقى من جيشه، ففي الوقت الذي تمكنت فيه قوات الأسد من استعادة بعض المناطق، إلا أنها مرهقة، وقدرتها في المحافظة على تلك السيطرة غير مضمونة.

ويستشهد كاتب التقرير بالهجمات العنيفة التي يشنها "تنظيم الدولة" على مواقع للنظام في دير الزور شرق سوريا، وتدمر وسطها، على الرغم من الهزائم الكبيرة التي مُني بها التنظيم.

بنية عسكرية متهالكة

ويتحدث آيزنشتات في تقريره عن وجود ما بين 10 و20 ألف جندي في جيش الأسد، جاهزين للعمليات الهجومية في مختلف أنحاء البلاد، ومعظمهم من "الفرقة المدرعة الرابعة"، و"فرقة الحرس الجمهوري"، و"قوات النمر"، وعناصر من ميليشيا "الدفاع الوطني".

أما سائر أفراد الجيش بمن فيهم بقايا عدة فرق من الجيش النظامي ومعظم ميليشيا "الدفاع الوطني، والفيلقين الرابع والخامس المشكلين حديثاً، وقوات الدفاع المحلية، وأجهزة الاستخبارات التابعة للنظام فربما يتراوح عددهم الإجمالي بين 100 و150 ألف عنصر مسلح". والمشكلة في هؤلاء أن الكثير منهم من المجندين والمتطوعين من كافة الأعمار ولم يتلقوا تدريباً جيداً.

ولذلك يعتمد نظام الأسد بشكل كبير على مقاتلي الميليشيات الأجنبية، وبحسب تقرير معهد "واشنطن" فإن ما بين 6 - 8 آلاف مقاتل من ميليشيا "حزب الله"، وألفي مقاتل إيراني، وما بين 10 إلى 20 ألف مقاتل شيعي من العراق، وأفغانستان، وباكستان، وفرقة روسية برية، يشكلون جميعاً القسم الأكبر من قوة النظام الهجومية.

سيطرة مهددة

وفيما يتحدث نظام الأسد بأنه يمضي لاستعادة السيطرة على جميع المناطق السورية، فإن سيطرته الحالية على مناطقه مُهددة بالأصل، إذ تخضع العديد منها إلى سيطرة قوات أجنبية موالية للأسد، إلى جانب وجود مناطق تسيطر عليها فصائل من المعارضة قبلت الدخول في مصالحة مع النظام، ويقول التقرير عنها إن وفائها يبقى مشروطاً.

ويضيف التقرير أنه إذا "اضطرت هذه القوات، والمقاتلون الأجانب الموالون للنظام إلى العودة إلى مواطنهم الأصلية، أو إذا غيّرت فصائل المعارضة والقبائل المتصالحة مرة أخرى ولاءها، فسيتعرض النظام لضغوط شديدة للاحتفاظ بالعديد من المناطق التي يسيطر عليها حالياً. كما يتوجب على حزب الله اللبناني الموازنة بين رغبته في تقليص وجوده في سوريا وإعادة مقاتليه إلى لبنان مع الحاجة المستمرة إلى بقائهم في سوريا".  

ويلفت آيزنشتات إلى أن القاعدة العامة التي يعتمدها المخططون العسكريون، تنص على ضرورة وجود 20 جندياً لكل ألف مدني خلال عمليات ضمان الاستقرار، ويعادل ذلك قوة تتألف من 200 إلى 240 ألف جندي لكي يتمكن النظام من السيطرة على ما بين 10 و12 مليون شخص يعيشون حالياً في المناطق الخاضعة له نوعاً ما.

لكن هذا الرقم هو أكبر بكثير من عدد العناصر التي هي حالياً بتصرف القوات الموالية للنظام. ورغم ذلك يشير التقرير إلى أن النظام قد يكون قادراً على الاحتفاظ بما استعاده من المعارضة على الأقل في الوقت الحالي، وعزا ذلك إلى تشرذم المعارضة نفسها، واستنزافها سواء بسبب المعارك التي خاضتها ضد النظام، أو اقتتالها بين بعضها.

مصاعب أخرى

ولا تقتصر المشكلات التي يواجهها الأسد على الجانب العسكري فقط، فالتقرير تحدث عن العديد من التحديات الإضافية أمام النظام، وقال إنه "من المرجح أن تزداد معاناة البلدان التي تحملت حرب أهلية من الانتكاس"، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن من بينها سوريا.

ويضيف أن الحروب "التي تنتهي بانتصار عسكري واضح من جانب واحد هي أقل احتمالاً بأن تؤدي إلى تجدد الصراع، من التسويات التي تترك القدرات العسكرية الكبيرة سليمة، وليس من الواضح ما إذا كان نظام الأسد قادراً على تحقيق انتصار مطلق". في حين أن فصائل المعارضة لا تزال تسيطر على إدلب شمالاً ودرعاً جنوباً، فضلاً عن سيطرة الأكراد على شمال شرق البلاد.

ولذلك يذهب كاتب التقرير إلى القول بأنه من  "غير الواضح ما إذا كانت انتصارات النظام ستؤدي إلى فترة مطوّلة من الهدوء، أو ما إذا كانت ستشبه انتصار العراق غير المكتمل على تنظيم القاعدة في العراق بين 2007 و2011، الأمر الذي مهد الطريق أمام عودته كتنظيم الدولة الإسلامية في 2013-2014 رداً على سياسات الحكومة الصارمة".

ويؤكد آيزنشتات إلى أن التجربة أظهرت أن إرساء الاستقرار في دولة هشة، هو أكثر صعوبة بكثير إذا كانت الدول المجاورة تعمل على إحباط هذه الجهود، قائلاً إن "خير دليل على ذلك هو عدم قدرة الأمريكيين على تحقيق الاستقرار في أفغانستان منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011 نتيجة الدعم والملاذ الآمن الذي توفره باكستان لحركة طالبان الأفغانية"، والصعوبة التي واجهها الجيش الأمريكي في إرساء الاستقرار في العراق بعد عام 2003 في وجه الجهود السورية والإيرانية المعاكسة.

ديناميكية الصراع الإقليمي

ومن المرجح أن تؤدي ديناميكية "الفعل- رد الفعل" التي غالباً ما أدت إلى تقلبات متأرجحة في ميزان القوى في المنطقة إلى تحديد مستقبل الحرب في سوريا، فضلاً عن نوع تدخلات القوى العظمى التي رسمت معالم صراعات أخرى اندلعت حديثاً في الشرق الأوسط.

ويشير التقرير إلى حوادث من التاريخ لم تكد تهدأ الصراعات فيها حتى تتجدد، متحدثاً مثلاً عن تفوق إسرائيل في حرب يونيو/ حزيران 1967، والذي دفع مصر إلى إعلان حرب الاستنزاف بين عام 1968 و1970، كما حفزت حرب الـ 67 ظهور منظمات فلسطينية، مما مهد الطريق أمام الحربين الأهليتين في الأردن (1970-1971) ولبنان (1975-1990).

كذلك أدت الفترة الفاشلة التي أعقبت غزو العراق إلى صعود تنظيم "القاعدة في العراق" واندلاع حرب أهلية سنّية - شيعية، مما ساهم في الاستقطاب الطائفي في العراق، ومن ثم في المنطقة.

وفي الحالة السورية، يقول التقرير إن "الحرب بسوريا خلّفت حتى الآن مجموعة من التداعيات المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها، وقد تؤدي إلى اندلاع المزيد من الصراعات. وفي الواقع، على الرغم من أن الحرب الأهلية السورية لم تنتهِ بعد، إلّا أنّ الحروب ما بعد الحرب قد بدأت بالفعل".

ويوضح ذلك بقوله أن الأتراك يدخلون في حرب مع الأكراد، بينما تتصادم الولايات المتحدة بين الحين والآخر مع قوات الأسد والميليشيات الموالية لها، كما أن إسرائيل انخرطت في صراع تتصاعد حدته مع إيران ولو أنه لا يزال هامشياً، في حين أنه من شأن عودة القوات الموالية للنظام إلى المناطق ذات الأغلبية السنّية، لا سيما بالتزامن مع سحب القوات الأمريكية من سوريا، أن تحفز عودة "تنظيم الدولة".

نخب جديدة في الحرب

ويختم التقرير بالإشارة إلى أحد أكثر المخاطر التي تهدد نظام الأسد، وهي المتعلقة بولاء قواته له، إذ أشار إلى أن الحرب التي خاضها النظام أسفرت عن إنشاء نخب جديدة مضادة تابعة لأمن النظام في أوساط "قوات النمر" و"قوات الدفاع الوطني" و"قوات الدفاع المحلية".

وتوقع التقرير أن يطالب قادة هذه المنظمات بحصة أكبر من غنائم الحرب، وحوكمة ما تبقى من سوريا. ويضيف: "قد يتنامى الاحتمال الدائم بتصاعد وتيرة العنف في أوساط النخبة الأمنية العنيفة التابعة للنظام - خاصة إذا قام الأسد وإيران بجر سوريا إلى حرب مدمرة مع إسرائيل قد تؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في صفوف القوات الموالية للنظام".

ويلفت التقرير أيضاً إلى أن هذه النخب الأمنية الجديدة داخل نظام الأسد، تجنبت خلال السنوات الماضية  أن تدمر نفسها ذاتياً، على الرغم من وجود توترات، وخصومات شخصية وعائلية وقبلية وإقليمية ساهمت في تمزيقها.

ويُذكّر كاتب التقرير بما حصل عندما أصابت حافظ الأسد نوبة قلبية نهاية عام 1983، وخوفاً من وقوع انقلاب قد ينظمه شقيقه الأصغر رفعت الأسد، الذي كان قائد "سرايا الدفاع"، أوعز ضباط بارزون في الجيش إلى وحداتهم بالسيطرة على مواقع في دمشق وحولها وإغلاقها لإثباط أي محاولة انتزاع للسلطة، ولم يتمّ نزع فتيل الأزمة العسكرية الناتجة إلا عندما تعافى حافظ الأسد، وأرسل رفعت إلى المنفى وقام بحلّ الوحدات العسكرية والميليشيات التي كانت تحت قيادته.

استنتاجات

وخلص التقرير إلى 3 استنتاجات فيما يتعلق بسوريا وهي:

- أن الحرب في سوريا ربما لم تنته بعد. فقد تؤدي عودة القوات الموالية للنظام إلى المناطق ذات الأغلبية السنية إلى تجدد المقاومة.

- أن الصدام بين الأطراف الفاعلة في سوريا قد يتداخل وتتصاعد وتيرته بطريقة غير متوقعة.

- في حال اندلعت حرب بين إيران وإسرائيل، فإن أضراراً كبيرة ستلحق بقوات الأسد وتهدد قبضته على المناطق التي يسيطر عليها.

- أن القوات القوات المرهقة الموالية للنظام في سوريا، التي تعتمد على خطوط اتصالات منكشفة تمر عبر مناطق ذات أغلبية سنّية، معرّضة لإستراتيجية سرية مكلّفة تستخدم وكلاء عصابات لمنع نظام الأسد من ترسيخ مكاسبه.

- بعد أن أصبح تدخل طهران في سوريا قضية سياسية في إيران، فقد بات مصدراً لضعف النظام الإيراني - خاصة إذا ما زادت تكاليف تدخله، وإذا ما أدى تدهور الوضع الاقتصادي في الداخل إلى إرغام طهران على تقليص مليارات الدولارات من المعونات الاقتصادية السنوية التي تساعد نظام الأسد على الصمود.    

- المفاوضات لن تؤتي ثمارها طالما بقيت القوات الموالية للنظام مؤمنة بوجود حل عسكري للصراع وطالما تفتقر واشنطن إلى النفوذ العسكري على النظام.

- رغم نقل مقاتلي المعارضة وعائلاتهم إلى إدلب ودرعا، ضمن ما يسمى باتفاقيات المصالحة، إلا أن النظام سيظل يواجه مقاومة مسلحة متجددة من هذه المناطق، من قبل جيل جديد من المعارضين.

اقرأ أيضا: هل ستعترف أمريكا بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة؟




المصدر