الدروس المستقاة من توثيق دور الأطفال في الصراع السوري


malabdallah

لاجئين سوريين أطفال يغنون في إحدى المراكز الإجتماعية في شمال لبنان. الصورة من ويكيبيديا

 

تحتوي قاعدة بيانات المركز السوري للعدالة والمساءلة (يشار إليه “المركز”) على أكثر من 1.8 مليون توثيق وتغطّي هذه التوثيقات طيفاً واسعاً من انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكَب في سوريا. ولفهم هذا الحجم الهائل من البيانات بحيث يمكن البحث فيها وربطها وغربلتها (فلترتها) في المستقبل، يقوم فريق تحليل البيانات الخاص بالمركز بتصنيف وتحليل كل توثيق بمعلومات ذات صلة مثل موقع الحادث أو الجهة التي ينتمي إليها الجاني المزعوم. وإن أحد العوامل التي يشير المحللون إليها بعلامة هو ظهور الأطفال في الفيديوهات، ولكن التبويب المناسب لمقاطع الفيديو التي تحتوي على أطفال، وفهم الجرائم المحتملة التي يمثّلونها، يمكن أن يشكّل تحدياً للفريق. ومن خلال هذه العملية، أصبح المركز يقدّر تنوع الطرق التي يتأثر بها الأطفال بسبب النزاع في سوريا، ويدرك بأن الأطفال الذين ينشؤون في ظل انعدام الأمن والعنف المتفشي يتطلّبون تدخلات نفسية اجتماعية لمساعدتهم في معالجة معاناتهم.

يُعتبر الأطفال مستضعفين بشكل خاص خلال أوقات النزاع، وهو وضع يمنحهم بعض الاهتمام الخاص في إطار القانون الدولي الإنساني. وتتضمن قاعدة بيانات المركز أمثلة واضحة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة ضد الأطفال. على سبيل المثال، يوجد لدى المركز مقاطع فيديو لأطفال يستخدمون أسلحة نارية بشكل نشط أثناء الأعمال العدائية ويرتدون الزي الرسمي للجماعات المسلحة، ويساعدون في الخطوط الأمامية، وكلها أمثلة على تجنيد الأطفال ومشاركتهم الفعالة في القتال. وكان قد تم حظر استخدام الجنود الأطفال في الأصل في عام 1977، بموجب البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف، ومنذ ذلك الحين تم إعادة التأكيد على هذا الحظر وتعزيزه أولاً بموجب اتفاقية حقوق الطفل في عام 1990، ومرة ​​أخرى في عام 2000، مع البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة الملحق باتفاقية حقوق الطفل. وتدعو هذه المعاهدة الأخيرة، التي وقعت عليها سوريا، الدول الأطراف إلى “اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان عدم مشاركة أفراد قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر اشتراكاً مباشراً في الأعمال الحربية”. وبالإضافة إلى تجنيد الأطفال ومشاركتهم في الأعمال العدائية، حدّدت الأمم المتحدة خمسة انتهاكات جسيمة أخرى يمكن أن ترتكب ضد الأطفال في أوقات النزاع: قتل الأطفال وتشويههم، والانتهاكات الجنسية ضد الأطفال، واختطاف الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات، وقطع سبيل المساعدات الإنسانية عن الأطفال. وقد وقعت جميع هذه الانتهاكات في سوريا، ولدى المركز توثيقات تصوّر، وتصنّف بشكلٍ مناسب، العديد منها.

وبالرغم من أنه لا يمكن تبويب جميع مقاطع الفيديو الخاصة بالأطفال بسهولة بحسب الجرائم المحتملة في إطار القانون الدولي، فإنه حتى مقاطع الفيديو التي لا تُظهر انتهاكاً، يمكنها أن تصوّر الطرق المعقدة التي يتأثر بها الأطفال بسبب النزاع. وفي الآونة الأخيرة، عثر محللو المركز على مقاطع فيديو خاصة بأطفال صغار، غالباً في سن الثالثة أو الرابعة، يحملون أسلحة وهم يرددون شعارات أو عبارات عن النزاع. وفي حين أن المركز يُجري تقييماً يستند إلى الحقائق لكل مقطع فيديو، لا يرى المحللون عموماً مقاطع الفيديو هذه كأمثلة على الجنود الأطفال أو تجنيد الأطفال، وإنما يبدو أن مقاطع الفيديو هذه تم تصويرها من قِبل أفراد الأسرة أو نشطاء سياسيين، في محاولة لخلق دعاية سياسية. ويبدو أن مقاطع الفيديو هذه تأتي من مناطق محددة داخل البلد وقد تعكس أيضاً معايير ثقافية مختلفة في مناطق مختلفة من سوريا فيما يتعلق بتعامل الأطفال مع الأسلحة. ومع ذلك، قد تمثل صور الأطفال الصغار الذين يحملون أسلحة جيلاً من الشباب المتأقلم مع الصراع والعنف المرتبط به. وفي حين يبدو أن مقاطع الفيديو تلك بحدّ ذاتها لا تمثّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني (يمكن لأدلة إضافية أن تثبت خلاف ذلك)، إلا أنها لا تزال مصنفة ومحفوظة، لأنها تصور الطرق الفريدة والمعقدة التي يرتبط بها الأطفال بالنزاع.

بينما يُعد السّعي نحو المساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال هدفاً هاماً طويل الأمد، فعلى المدى القصير، يحتاج الأطفال، سواء داخل سوريا أو في مجتمعات اللاجئين، إلى دعم نفسي اجتماعي لمساعدتهم على التعامل مع تجربة نشوئهم في بيئة محاطة بالنزاع. ووجد تقرير صادر عن منظمة أنقذوا الأطفال مؤخراً أن العديد من الأطفال الذين يعيشون في سوريا يعانون من “الإجهاد الضار”، والذي يمكن أن يؤدي على المدى الطويل ليس فقط إلى عواقب نفسية مدمرة، بل قد يتسبب أيضاً في أمراض جسدية وتأخّر النمو. ويَظهر هذا التوتر من خلال مجموعة متنوعة من الأعراض، بما في ذلك التبوّل اللاإرادي، وإيذاء النفس، والعدائية، والعزلة الاجتماعية، والإعاقة اللفظية. وعندما سُئل الأطفال عن مصادر الخوف والتوتر في حياتهم، ناقشوا سلامتهم الجسدية الحالية، ولكنهم أشاروا أيضاً إلى العديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك عدم التحاقهم بالمدرسة، وخوفهم من المستقبل، والفقر، وفقدان الأسرة والأصدقاء. حتى أن العديد منهم أشاروا إلى العنف الأسري، الذي يعتقد الباحثون أنه قد ارتفع في سوريا منذ بداية الحرب، ربما نتيجة لضغوط الحرب والتعرض الواسع للعنف. ووجد تقرير آخر، ركّز على الصحة النفسية للأطفال اللاجئين السوريين، أن ما يقرب من نصف الأطفال الذين شملهم الاستطلاع ظهرت عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وأشار 44 بالمائة منهم إلى وجود أعراض اكتئاب.

وفي حين أن الوضع خطير، فإن الدعم النفسي الاجتماعي المحدود نسبياً أظهر أنه فعال للغاية في المساعدة على استعادة شعور الأطفال بالأمان. وتعمل منظمة أنقذوا الأطفال مع عدد من مراكز الأطفال في سوريا، والتي تركّز على السماح للأطفال بالتعبير عن أنفسهم، والشعور بالأمان، وبناء علاقات اجتماعية طبيعية مع أطفال آخرين. ويشير العاملون في هذه المراكز إلى أن العديد من الأطفال لديهم آباء لا يستطيعون الاستماع باستمرار إلى مخاوف أطفالهم ومعالجتها، وذلك بسبب المصاعب التي يواجهونها أثناء النزاع. ويجب أن يُنظر إلى ضمان حصول الأطفال على هذا النوع من الدعم النفسي والاجتماعي على أنه جانب حيوي للاستجابة الإنسانية للنزاع. وفي حين أن المركز السوري للعدالة والمساءلة يقوم بجمع التوثيق حول الانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال، إلا أنه لن يكون قادراً على تحديد مدى وعمق تأثير النمو خلال الحرب على جيل من الشباب السوري، ولكن البيانات تشير إلى أن الأطفال السوريين بحاجة ماسة إلى الدعم لمساعدتهم على معالجة أشكال المعاناة المتنوعة الناجمة عن الصراع.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].




المصدر