هل انقلب بوتين على “محور المقاومة”؟



استدعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرأس النظام السوري بشار الأسد إلى سوتشي هذا الشهر، وإعلانه خلال اللقاء الذي جرى بينهما عن ضرورة مغادرة كل القوى الأجنبية “غير الشرعية” الأراضي السورية، ربما يكون رسالة واضحة بأن هنالك تغييرًا في السياسة الروسية في سورية. الأمر الأكيد أن بوتين استغل حضور الأسد بالمقام الأول لتوجيه رسالة إلى الأصدقاء والخصوم على حد سواء، مفادها أن مصالح روسيا في سورية ليست خاضعة للمساومة، وأن تواجد القوات الروسية على الأراضي السورية ليس موضع نقاش، كونه يكتسب مشروعيته من المعاهدات الموقعة بين حكومتي موسكو ودمشق، وبالمحصلة لا يحق لأي جهة كانت أن تطعن به.

الأمر الملفت أنه تم جلب الأسد إلى سوتشي هذه المرة بمفرده، وفي سياق تصاعد التوتر بين إيران و”إسرائيل” على الساحة السورية، منذ بداية هذا العام، والذي وصل إلى الذروة على أثر إقدام قوات إيرانية وميليشيات موالية لها، بعد منتصف ليل الأربعاء (9 أيار/ مايو)، على إطلاق 32 صاروخًا باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل. وقد تبع هذه الحادثة قصف إسرائيلي لعشرات الأهداف التابعة للإيرانيين والميليشيات الموالية لهم في محافظتي القنيطرة ودمشق وفي ريفهما، وذلك باستخدام المدفعية والمقاتلات الحربية، وكانت هي الأوسع نطاقًا والأكثر تدميرًا، بحسب المصادر الإسرائيلية، وأسفرت عن تدمير القواعد الإيرانية بشكل كامل.

تأكيد بوتين على ضرورة مغادرة كافة القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي السورية، وإعادة تفعيل العملية السياسية، لم يكن من قبيل الصدفة، وقد أثار حفيظة إيران و(حزب الله) بالمقام الأول. فبعد أن استحضر بوتين الانتصارات الكبرى والنجاحات لتي حققتها قوات النظام في الحرب على “الإرهاب”، بصفتها عاملًا أساسيًا لإعادة الاستقرار إلى البلاد وتوفير الظروف الكفيلة بمتابعة العملية السياسية؛ أعلن بوضوح أن مواصلة تواجد القوات الأجنبية على الأراضي السورية لم يعد أمرًا مجديًا ومطلوبًا. بالمقابل، أعطى بوتين انطباعًا واضحًا بأن الأسد يوافقه الرأي بإعلانه أيضًا أن الأخير قد التزم أمامه بأنه سيرسل إلى الأمم المتحدة بأقرب وقت ممكن قائمة تتضمن أسماء مرشحين لعضوية لجنة مناقشة الدستور، وقد أيّده الأسد بأن عبّر عن مدى حماسه لتسهيل االعملية السياسية في سورية، وتذرع بأن الإرهاب كان المعوق الأساس للبدء بها.

قرأ محللون وسياسيون كثر تصريح بوتين، بشأن سحب القوات الأجنبية من سورية، على أنه تصويب واضح باتجاه إيران واتباعها من الميليشيات الشيعية وفي مقدمتهم “حزب الله” اللبناني. وقد عزوا ذلك بالدرجة الأولى إلى أنها تزامنت مع تصاعد وتيرة العمليات الحربية الإسرائيلية ضد إيران و”حزب الله” في سورية، فضلًا عن تصريحات أميركية وإسرائيلية مشابهة، تلت اللقاء بين بوتين والأسد، وأكدت على ضرورة انسحاب إيران من كامل الأراضي السورية، والتوقف عن تقديم الدعم لـ “حزب الله” اللبناني. ويبدو أن لهذا التفسير ما يسنده في الواقع، إذ سارعت إيران إلى التقاط الرسالة، وأعلنت على لسان المتحدث باسم خارجيتها بهرام قاسمي أن إيران ستواصل تقديم المساعدة، ما دامت حكومة نظام الأسد تريد ذلك. وجاء رد “حزب الله” حاسمًا بأن نشرت جريدة (الأخبار) اللبنانية المؤيدة له، يوم السبت (19 أيار/ مايو)، أي بعد استدعاء بشار الأسد إلى سوتشي بيومين، مقالًا بعنوان (سورية على مائدة الذئاب)، هاجمت فيه استبداد النظام السوري وقمعه للسوريين، مستذكرة أن الحرب الدائرة في سوريا هي حرب بالإنابة، تحولت إلى حرب مباشرة بين قوى ومحاور إقليمية ودولية بدافع المصالح، وأن جيش النظام والفصائل المسلحة لا يملكون سلطة القرار بكل ما يتعلق بالشأن السوري. واتهم كاتب النص نظام البعث وقادته الدكتاتوريين بأنهم جلبوا لسورية سبعة احتلالات دفعة واحدة خلال أقل من ستة أعوام، وصنف استعانة النظام والمعارضة المسلحة بقوى خارجية منذ نهاية 2011 طلبًا للمال والسلاح في خانة السلوك المشين، الذي أوصل سورية إلى هذه الحالة، حيث إن السلطة والمعارضة لا يملكون سلطة تقرير مصير بلادهم، ولم يعد أمامهم إلا الإذعان لمخطط الدول الكبرى. وينهي الكاتب بالقول: “إن سياسات القمع والاستبداد والنهب والقهر والإذلال التي ينتهجها نظام الأسد طيلة أربعة عقود أدت إلى التعاطي المنحط مع أهالي درعا، فالحكام الذين يمعنون في قمع ونهب وإذلال مواطنيهم يأتيهم يوم يصبحون فيه نعالًا عند الدول الكبرى. والكارثة ليست هنا! الكارثة أنهم يجرّون معهم بلادًا بأكملها نحو الهلاك!”.

يبدو أن فلاديمير بوتين قد وصل مؤخرًا إلى نتيجة مؤداها أن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا بصدد ترك الساحة السورية لروسيا، وذلك على أثر التصعيد المتواصل ضد إيران وحلفائها، مما حمله على استدعاء الأسد ليعلن بحضوره أن الأجواء باتت مهيئة للشروع بتسوية سياسية في سورية تأخذ بالحسبان مصالح الولايات المتحدة وحلفائها وخاصة “إسرائيل” التي تربطه برئيس وزرائها علاقة مميزة وحميمة، تجلت بدعوته مؤخرًا لبيبي نتنياهو دون غيره لزيارة موسكو والسير معه في شوارعها، في 9 أيار/ مايو احتفالًا بذكرى النصر على النازية.

المؤكد أن تواجد القوى الأجنبية في سورية، ومن ضمنها القوات الروسية، تمليه المصالح بالدرجة الأولى والأخيرة، وربما قد حان الوقت لتقاسم المصالح في سورية، بين روسيا والغرب و”إسرائيل”، بمعزل عن إيران وحلفائها. في كل الأحوال، “إسرائيل” ستكون الرابح الأكبر، حيث يبقى السؤال: أين سيصطف بشار الأسد الذي تم توريثه السلطة بدعوى مواصلة “الممانعة والمقاومة” الأسدية؟ هل سينقلب هو أيضًا على “محور المقاومة”، مقابل البقاء على كرسي السلطة بتكليف من قبل بوتين وبموافقة “إسرائيل”، أم أنه سيذهب إلى الجحيم هذه المرة؟


نزار أيوب


المصدر
جيرون