الدور التركي في سورية.. الأولويات والضرورات



أعلنت وزارة الخارجية التركية، يوم الجمعة الماضي، أنها توصلت مع نظيرتها الأميركية، خلال اجتماع في العاصمة أنقرة، إلى اتفاق لوضع خارطة طريق للتعاون بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في مدينة منبج السورية.

الإعلان التركي فتح الباب مجددًا لعودة التفاهم التركي الأميركي في سورية، بعد فتور في العلاقات استمر عدة سنوات؛ بسبب الدعم الأميركي لميليشيا (قوات سورية الديمقراطية/ قسد) التي يشكل مقاتلو حزب (الاتحاد الديمقراطي الكردي) عمودها الفقري، وتعدّه أنقرة جناح (حزب العمال الكردستاني) المحظور في تركيا.

الفتور في العلاقات الأميركية التركية قابله تعزيز لتفاهمات تركية روسية إيرانية في سورية، أنتجت مساري أستانا وسوتشي، ورسمت حدودًا لمناطق النفوذ سُميت (خفض التصعيد)، ونجم عنها سيطرة النظام على جيوب المعارضة في محيط دمشق وريف حمص، وسيطرة تركية على شمال حلب وعفرين.

يقول عبد الوهاب عاصي، الباحث في (مركز جسور للدراسات): “تنطلق المقاربة التركية في سورية من عدة عوامل، تتمثل بخلق مناطق آمنة للسوريين في الشمال المتاخم لحدودها، إبعاد الخطر عن أمنها القومي المتمثل بحزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، محاربة التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطرًا على الأمن الدولي والتركي، ودعم جهود الحلّ السياسي لفرض الاستقرار ضمن آلية لا تتجاهل مصالحها القومية والأمنية”.

بدأت الاستراتيجية التركية تتبلور منذ بداية الثورة السورية، حين طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المجتمعَ الدولي، بإنشاء مناطق آمنة لحماية السوريين من قصف النظام، ولكن لم يتم خلال السنوات الماضية خلق هذه المناطق، إلا أن سياسة الأمر الواقع فرضتها وأصبحت حقيقة.

وبدأ تشكيل هذه المناطق -عمليًا- مع انطلاق عملية (درع الفرات) عام 2016، حيث دخل الجيش التركي مدينة جرابلس، وأكمل طرد مقاتلي تنظيم (داعش) من ريف حلب الشمالي والشرقي، كما أكملت تركيا هذه المناطق مع إطلاقها، في الشتاء الماضي، عملية (غصن الزيتون) في عفرين، لطرد مقاتلي (قسد)، وأخيرًا بدأت تتضح هذه المنطقة أكثر بنشر 12 نقطة مراقبة تركية في الشمال السوري.

أكّد عاصي أن “ضرورة المناطق الآمنة، بالنسبة إلى تركيا، تنطلق من منع مزيد من الهجرات إلى الداخل التركي التي من شأنها أن تسبب احتقانًا داخليًا وانتشارًا لخلايا إرهابية تهدد أمنها القومي، إضافة إلى جعل هذه المنطقة بمثابة حدّ فاصل يمنع جهود حزب العمال الكردستاني من الوصول إلى البحر المتوسط، أو تهديد العمق التركي”.

من جانب آخر، رأى الصحفي المختص في الشأن التركي عبو حسو أن “على تركيا التعامل بسياسة مختلفة في هذه المناطق؛ لأن الأوضاع في منطقة شمال حلب وعفرين هي من أسوأ ما يكون -عسكريًا وأمنيًا- حيث إنّ هناك عصابات ولا وجود لمحاكم، ولا يوجد مرجعية عسكرية وأمنية تضبط المنطقة، لإيقاف تدخل الفصائل في الأمور المدنية وعمل المجالس المحلية”.

اقترح حسو لمواجهة هذه الأوضاع “بناء كوادر إدارية وتأهيلها، وإجراء انتخابات مجالس محلية”. وأضاف موضحًا: “هناك أعداد كبيرة من النازحين المهجرين قسرًا في الشمال، ويجب إيجاد حلّ لهؤلاء ومساعدتهم، إضافة إلى مشكلة المهجرين من مدينة تل رفعت وما حولها. يجب حلّ الأمر لترميم الثقة بين السوريين في الشمال وبين الجانب التركي”.

رأى عاصي أنّ تجدد المفاوضات من أجل منبج بين تركيا والولايات المتحدة، لإبعاد مقاتلي (قسد) عن غرب الفرات، يُعدّ “استكمالًا للجهود التركية في محاربة حزب العمال الكردستاني”؛ لأن ذلك من “أولويات الأمن القومي التركي، حيث تعمل تركيا على ملف منبج كمسار لمحاربة هذا الحزب، وبطبيعة الحال؛ السيطرة على المدينة وريفها تعني انضمام مساحتها إلى المنطقة الآمنة المذكورة أعلاه”.

غير أن حسو شكك بالنيّات الأميركية متوقعًا مزيدًا من “المماطلة”؛ وذلك لأن “الأميركان لا يريدون بقاء الأتراك في سورية، وما زال موضوع منبج منذ عام ونصف شائكًا، وبين الفينة والأخرى تبرز آمال وتتبدد، بسبب التعنت الأميركي، وإدخال لاعبين جدد مثل فرنسا، وإن بقيت الأمور كما هي الآن؛ فلن يتم تسليم منبج، وسيكون الهدف القادم إخراج تركيا من سورية، بعد إخراج إيران”.

تحسنَت العلاقات التركية الروسية تحسنًا ملحوظًا؛ بعد التفاهمات التي حصلت بين بوتين وأردوغان، عقب الاعتذار التركي من إسقاط المقاتلة الروسية عام 2016، وتطورت إلى تنسيق أمني وعسكري بين البلدين في سورية.

حول العلاقة الروسية التركية، قال حسو: “هناك تماد روسي في التعاطي مع مناطق خفض التصعيد في شمال حماة وجنوب إدلب، ووسائل الإعلام التركية تغض الطرف عن الدور السلبي لروسيا في سورية، بينما يحاول الروس إحراج الأتراك وخلط الأوراق في المنطقة، وضرب الثقة بين تركيا والمدنيين، في مناطق تواجد تركيا في الشمال السوري”.

أمام تركيا خلال الأسابيع المقبلة استحقاقان انتخابيان: الأول اختيار رئيس للجمهورية، وهو أول انتخاب بعد تفعيل النظام الرئاسي وتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، والآخر الانتخابات البرلمانية.

أكد عاصي أن “تركيا ترى أن المرحلة الأولى من الحل السياسي في سورية تحتاج إلى وجود ضامنين دوليين، وهي على رأسهم، من أجل عدم تجاوز مصالحها بالدرجة الأولى، وعدم عودة سورية إلى الفوضى بالدرجة الثانية؛ لأن من شأن ذلك أن ينعكس على داخلها، سواء من حيث خطر التنظيمات الإرهابية أو من خطر تنظيم حزب العمال الكردستاني”.

بينما يرى حسو أن على الجانب التركي أن “يغيّر سياسة إدارة الملف السوري، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المرتقبة، وإن لم يحصل تغيير حقيقي؛ فستكون تركيا طرفًا خاسرًا في سورية”.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون