on
بيرنارد لويس، باحث مؤثر في الإسلام، مات في 101 من عمره
برنارد لويس في مكتبه يحمل صحيفة فرنسية عليها صورة لصدام حسين. لم يكن أحد، من بين قلة من الأجانب وغير الأكاديميين الذي كان لهم تأثير قوي على إدارة بوش حول شؤون الشرق الأوسط، أكثر تأثيرًا من السيد لويس. صورة ماريان برشلونة/ مجموعة الصور الحيّة، عبر صور جيتي
برنارد لويس، مؤرخ بارز للإسلام استشف هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية، من حضارة إسلامية مضمحلة، وله وجهة نظر مثيرة للجدل أثرت في الرأي العالمي، ساعدت في صوغ السياسة الخارجية الأميركية، في عهد جورج دبليو بوش، مات يوم السبت 19 أيار/ مايو في بلدة فورهيس، نيوجرسي، عن عمر 101 عامًا.
وأكدت شريكته منذ فترة طويلة، بنتايز تشرشل، نبأ الوفاة، في منشأة للمسنين.
لم يكن لأحدٍ من الأجانب وغير الأكاديميين تأثير أكبر على إدارة بوش في شؤون الشرق الأوسط أكثر من السيد لويس. حمل الرئيس نسخة عليها هوامش كثيرة لواحدة من مقالاته بين أوراقه القليلة، وقابله قبل وبعد غزو العراق، في آذار/ مارس عام 2003. قدم السيد لويس إحاطات إعلامية في البيت الأبيض، في مقر نائب الرئيس ديك تشيني، وفي البنتاغون في عهد دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع.
كانت حجته/ رؤيته الأساسية حول الإسلام هي أن الحضارة الإسلامية كانت قد تدهورت منذ قرون، مخلفةً المتطرفين مثل أسامة بن لادن، في موقع يسمح له باستغلال الإحباط طويل الأمد للمسلمين، من خلال رعاية الإرهاب على نطاق دولي. بعد أن اختطف الإرهابيون العرب طائرات تجارية، وحطموا بها مركز التجارة العالمي، والبنتاغون في عملية منسقة قام بها بن لادن، سرعان ما سعى صانعو السياسة الأميركيون إلى البحث عن لويس.
قدّم صلة فكرية انتقادية بين الأصولية الدينية لبن لادن، وقال إنها كانت ردًّا على الأنظمة العربية القمعية، والاستبداد العلماني لصدام حسين في العراق. وقال إن الديمقراطية هي الحل لكلتا الحالتين (الأنظمة القمعية والاستبداد العلماني) وكتب السيد لويس: “إما أن نوفّر لهم الحرية أو سيدمروننا”.
وعلى الرغم من أنه قال، من بعد ذلك، إنه كان يفضل لو أن الولايات المتحدة حرّضت على التمرد في شمال العراق بدلًا من غزو البلاد، فقد كان معروفًا أنه مَن قرع طبول الحرب. في مقال نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) عام 2002، توقّع أن العراقيين سوف “يفرحون” بالغزو الأميركي، وهو تنبؤ خاطئ ردده السيد تشيني وآخرون في البيت الأبيض.
تحدث الناس عن “مبدأ لويس” لفرض الديمقراطية على الأنظمة الاستبدادية. كتابه “أين يكمن الخطأ؟ صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط” (2002) الذي أصبح دليلًا لفهم ما حدث يوم 11 أيلول/ سبتمبر. (كان الكتاب قيد الطبع عندما وقع الهجوم). والمقالات التي كتبها نوقشت في صحف نيويوركر، والأطلسي وول ستريت جورنال.
عشية الحرب، أشار السيد تشيني إلى السيد لويس في برنامج “لقاء مع الصحافة” على شبكة (NBC) كواحدٍ ممن شاركه اعتقاده بأن “ردًّا أميركيًا قويًا على الإرهاب، وعلى التهديدات الموجهة إلى الولايات المتحدة قد حقق نجاحًا، بصراحة، في تهدئة الأمور في هذا الجزء من العالم”.
في عام 2004، قال السيد لويس في مقابلة مع شبكة الإذاعة العامة مع تشارلي روز: إن متابعة قوات القاعدة في أفغانستان لم تكن كافية، كان على المرء الوصول إلى قلب القضية في الشرق الأوسط”.
“صدام الحضارات“
عرض لويس منذ فترة طويلة تشخيصه لمجتمع عربي مريض. في مقالة افتتاحية شاملة في الأطلسي (The Atlantic)، عام 1990، بعنوان (جذور الغضب الإسلامي)، استخدم عبارة “صدام الحضارات” لوصف ما عدّه احتكاكًا لا مفرَّ منه/ حتميًا بين العالم الإسلامي والغرب. (اقتبس صموئيل هنتنغتون، العالم السياسي، العبارة في مقالة مؤثرة خاصة به في عام 1993، والفضل فيها إلى السيد لويس).
في مقالته، كتب السيد لويس: “لقد جلب الإسلام الطمأنينة وراحة البال إلى ملايين لا حصر لها من الرجال والنساء. لقد أعطى الكرامة والمعنى للأرواح البائسة والفقيرة. لقد علّم الناس من أعراق مختلفة أن يعيشوا في أخوة، وأن يعيش الناس من عقائد مختلفة بجانب بعضهم بتسامح معقول. وألهم حضارة عظيمة عاش فيها آخرون إلى جانب المسلمين حياة إبداعية ومفيدة، والتي من خلال تحقيقها، أثرَتْ العالم بأسره.
غلاف الكتاب “أين الخطأ؟ التأثير الغربي واستجابة الشرق أوسطيين (المسلمين)” بقلم برنارد لويس.
“لكن الإسلام”، كما يقول، “مثل الأديان الأخرى، عرف فترات أيضًا عندما استلهم بعض من أتباعه صيغة من الكراهية والعنف. ولكن بأي حال من الأحوال، أن ذلك الجزء، أو حتى الغالبية من العالم الإسلامي يجتاز مثل هذه الفترة، وإلى حدٍّ ما، ومجددًا ليس كل تلك الكراهية موجهة ضدنا”.
في رأيه، كانت الأصولية الإسلامية في حالة حرب مع كل من العلمانية والحداثة، كما يجسدهما الغرب. وقد كتب أن الأصوليين قد “أعطوا هدفًا وشكلًا إلى الغضب والاستياء الطائش والمختلف غير المؤطر للجماهير الإسلامية بوجه القوى التي قلّلت من قيمهم وولاءاتهم التقليدية، وفي التحليل النهائي، سلبوا من معتقداتهم، ومن تطلعاتهم وكرامتهم، وإلى درجة تصل حتى من رزقهم ومعيشتهم”.
لاحظ السيد تشيني ذات مرة أنه في السبعينيات، قبل الثورة الإيرانية، أن السيد لويس كان قد “درس كتابات رجل دين مغمور يُدعى (الخميني)، ورأى بذور حركة من شأنها أن تؤدي إلى الاستبداد الديمقراطي”. أطاح مؤيدو آية الله روح الله الخميني، الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979.
قال منتقدو السيد لويس إنه تعامل مع الإمبريالية الغربية، والتدخلات الأميركية والتهجير الإسرائيلي للفلسطينيين على أنها عواقب لحالات الفشل السياسي في المنطقة، والتخلف الاجتماعي وليس كمساهمين فيها. وصف آلان وولف، عالم السياسة مواقف لويس بشأن الإسلام بأنها “عدوانية”. ويقترح ريتشارد بوليت، وهو مؤرخ للإسلام، أن السيد لويس نظر إلى العرب المعاصرين على أنهم أقل أهمية.
“قال السيد بوليت في مقابلة مع مجلة واشنطن الشهرية: لا يحترمهم، يعتبرهم جيدين وجديرين بمقدار ما يتبعون المسار الغربي”.
الخصم الأكثر أهمية للسيد لويس، هو إدوارد سعيد، الباحث الأميركي من أصل فلسطيني، الذي وصف السيد لويس بأنه داعية لآراء المركزية الأوروبية والذي شوّه الحقيقة، وأخفى سياسته تحت عباءة أكاديمية/ بحثية. وكتب السيد سعيد في صحيفة (ذا نيشن): إن السيد لويس، إضافة إلى السيد هنتنغتون، استنتجا السبب “كما لو أن الأمور المعقدة جدًا مثل الهوية والثقافة، موجودة في عالم يشبه الكارتون، حيث يضرب بوباي وبلوتو بعضهما بلا رحمة”.
كان لدى لويس إجابةً على منتقديه: “ما لم يستطع الغربيون دراسة تاريخ إفريقيا أو الشرق الأوسط بشكل قانوني، فإن الأسماك فقط هي التي يمكنها دراسة علم الأحياء البحرية”.
لم يكن السيد لويس يمانع في استعداء العرب. ودافع عدة مرات عن الحروب الصليبية، وعدّها ضرورية للحد من قوة الحضارة الإسلامية. ووصف الدول العربية بأنها “سلسلة من الاستبداديات الرديئة”، مضيفًا إن الطلب من ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني، التخلي عن الإرهاب يشبه الطلب من تايغر وودز (وهو لاعب جولف أميركي. يُعدّ من أنجح لاعبي الغولف على الإطلاق، وصنف عام 2005، كأغنى الرياضيين في العالم بدخل بلغ مقداره 87 مليون دولار) التخلي عن لعبة الغولف. وفي معرض مناقشة لقوة الأصوليين السعوديين، قام بإجراء مقارنة افتراضية/ نظرية مع عائدات نفط تكساس التي تسيطر عليها كو كلوكس كلان.
برنارد لويس، يتحدث مع هنري كيسنجر في حفل عشاء أصدقاء جامعة تل أبيب الأميركيين عام 2012. تيم بوكسر/ صور جيتي
وقال: “بصفتي متخصصًا في الإسلام، أجد نفسي مُشوشًا نتيجة الهراء الذي يتحدث عنه المسلمون وغير المسلمين، من ناحية، لديك أناس يودون أن تقتنع أن الإسلام دين متعطش للدماء، وعازم على تدمير العالم. ومن ناحية أخرى، هناك أناس يقولون لنا إن الإسلام دين المحبة والسلام، مثل الكويكرز (هي مجموعة من المسيحيين البروتستانت الأصولية المسالمة التي تركّز على الروحانيات، نشأت في القرن السابع عشر في إنجلترا على يد جورج فوكس)، ولكن أقل عدوانية. وخلص إلى “الحقيقة، إنه في مكانه المعهود”.
باحث في اللغات
ولد برنارد لويس في لندن، في 31 أيار/ مايو 1916، مع احتدام الحرب العالمية الأولى. كان والده، هاري، وسيطًا عقاريًا (سمسار)، ووالدته، جيني، ربة منزل. في عمر الـ 12 عامًا، بينما كان يستعد للاحتفال ببلوغه سن البلوغ (على الطريقة اليهودية)، أدرك أن اللغة العبرية كانت في الواقع لغة ذات قواعد، وليس “شيفرةً للصلوات والطقوس”، كتب في “من بابل إلى دراغومانس/ التراجمة: تفسير الشرق الأوسط” (2004).
بحلول الوقت الذي دخل فيه كلية الدراسات الشرقية في جامعة لندن (الآن مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية)، كان قد قرأ على نطاق واسع وبعمق باللغة العبرية، وبدأ دراسة مدى الحياة للغات، بما في ذلك اللغة الآرامية، والكلاسيكية، والعربية الحديثة، واللاتينية، واليونانية، والفارسية، والتركية.
كان التاريخ شغفًا آخر، وعاد بذكرياته إلى عيد بلوغه. كانت إحدى الهدايا التي تلقاها في ذلك اليوم ملخصًا للتاريخ اليهودي، والذي كان يعرف القليل عنه، هذا الملخص قاده إلى أن يقرأ عن قرطبة، وإسبانيا، تحت حكم المغاربة (المسلمين)، وبغداد في عهد الخلفاء، وإسطنبول في عهد الحكم العثماني. في الجامعة، أصبح تلميذًا لامعًا لـ هاملتون جيب، وهو باحث كبير في الإسلام، وتخرج بمرتبة الشرف في عام 1936 مع إشارة خاصة إلى الشرق الأوسط.
ذات يوم، كما يستذكر، سأله السيد جيب قائلًا: “درست الشرق الأوسط لمدة أربع سنوات، ألا تعتقد أن الوقت قد حان لتزور المكان؟”.
انطلق السيد لويس في زمالة (منحة دراسية) سفر إلى فلسطين وسورية ولبنان وتركيا، وحضر دروسًا في جامعة القاهرة. وقد عززت لقاءاته مع أهل تلك الأراضي ملاحظاته الأخيرة عنهم.
“هناك شيء ما في الثقافة الدينية للإسلام”، كما كتب في إحدى المرات، “شيء ملهم، حتى لدى أكثر الفلاحين فقرًا أو لدى الباعة الجوالين: الكرامة واللباقة تجاه الآخرين، لا يوجد ما يفوقها في الحضارات الأخرى أبدًا، ونادرًا ما تتساوى معها”.
في عام 1938 عُيّن محاضرًا مساعدًا في جامعة لندن، حيث حصل على درجة الدكتوراه. في عام 1940، أُلحق بالقوات المسلحة البريطانية، وتم تعيينه في فيلق الدبابات، وسرعان ما نُقل إلى المخابرات.
بعد الحرب، أراد السيد لويس أن يُدرّس في الدول العربية، لكن لكونه يهوديًا، في أواخر الأربعينيات وبدايات الخمسينيات، فقد حُرم من التأشيرة بعد استقلال إسرائيل. رفض أن يُصنف كيهودي، كما فعل الآخرون، نقل اهتمامه إلى تركيا وإيران خلال الفترة العثمانية.
السيد لويس في لندن في عام 2002. Rex Features، عبر أسوشيتد برس
حدث أن كان في إسطنبول عام 1950 عندما فتحت الحكومة التركية الأرشيف العثماني الإمبراطوري، حيث كان أول عالمٍ/ باحث غربي مُنح حق الوصول إلى ذلك الأرشيف، كما شهد أول انتخابات حرّة في تركيا، قادته إلى كتابه المشهور لعام 1961 بعنوان “ظهور تركيا الحديثة”.
يعتقد بعض الأكاديميين أن السيد لويس طبق بطريق الخطأ دروس تركيا الحديثة العلمانية والديمقراطية على الدول العربية التي لها تاريخ مختلف. ادعى الأرمن أن تعلقه/ ارتباطه بتركيا قد أوصله إلى رفض المذبحة التركية للأرمن في عام 1915، والتي اعترف بها وأدانها، على أنها كانت إبادة جماعية. لقد عرّف الإبادة الجماعية بأنها جريمة قتل جماعية متعمدة ترعاها الحكومة.
في التسعينيات، غرّمته محكمة فرنسية بفرنك واحد لإهماله أن يستشهد بدليل موضوعي من شأنه أن يدحض رأيه حول المذابح الأرمنية في مادة كتبها لصحيفة (لوموند).
تزوج لويس من روث هيلين أوبنهم، من الدنمارك، عام 1947، وانفصلا في عام 1974. وإلى جانب السيدة تشرشل، عاش مع ابنه مايكل، وابنة ميلاني دان، وسبعة أحفاد وثلاثة من أولاد الأحفاد.
في عام 1974، حصل على منصب رسمي في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، نيوجيرسي، وجامعة برينستون، جزئيًا لكسب المزيد من الوقت من أجل البحث، كما قام بالتدريس في جامعة كورنيل من عام 1984 إلى عام 1990، من بين وظائف التدريس الأخرى. أصبح مواطنًا أميركيًا عام 1982.
نما نفوذه في السبعينيات، حيث نصح السيناتور هنري جاكسون، ديمقراطي من واشنطن، وغيره من المتشددين في السياسة الخارجية الذين عرفوا فيما بعد بالمحافظين الجدد. وافق السيد لويس على تسميته من المحافظين الجدد. في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، طلبت غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل من حكومتها قراءة مقالته التي تقول إن الفلسطينيين ليس لهم حق المطالبة بدولة.
السيد لويس، الذي كتب أو حرّر أكثر من عشرين كتابًا ومئات المقالات، لربما عُدَّ الخبير الرائد في العلاقات بين العالمين المسيحي والإسلامي. وقال إن اليهود قد عوملوا بشكل أفضل في العالم الإسلامي أكثر من العالم المسيحي. وقال إنه غالبًا ما يختار أن يرى الأحداث من الجانب الإسلامي.
وقال: “في فيينا، أنا مع القوات التركية، وليس مع المدافعين”، مشيرًا إلى الفوز الأوروبي 1683 على المحاولة العثمانية لقهر إمبراطورية هابسبورغ.
في “من بابل إلى التراجمة”، ناقش السيد لويس كيف تمت ترجمته إلى العبرية من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية، وإلى العربية من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة أصولية.
“كتب السيد لويس: “إن مترجم النسخة العربية (طلعت الشايب)، في ملاحظاته التمهيدية، علّق بأن مؤلف هذا الكتاب كان أحد أمرين: صديق صريح أو عدو جدير بالاحترام، وفي كلتا الحالتين، شخص لا يشوه الحقيقة أو يتجنبها”.
“أنا سعيد بالالتزام بهذا الحكم، واحترامه”.
اسم المقالة الأصلي Bernard Lewis, Influential Scholar of Islam, Is Dead at 101 الكاتب دوغلاس مارتن، Douglas Martin مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 21-22/5 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2018/05/21/obituaries/bernard-lewis-islam-scholar-dies.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fmiddleeast عدد الكلمات 1890 ترجمة أحمد عيشةأحمد عيشة
المصدر
جيرون