تحديات المنطقة العربية أمام تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030



التزمَت الدول العربية، كبقية دول العالم، بتنفيذ أجندة التنمية وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي أقرتها قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المنعقدة في نيويورك عام 2015، لاعتماد خطة التنمية المستدامة عام 2030.

تغطي الخطة مجموعة واسعة من الأهداف والغايات تشتمل على 17 هدفًا من أهداف التنمية المستدامة و167 غاية، وستُستخدم باعتبارها الإطار الشامل لتوجيه العمل الإنمائي على الصعيدين العالمي والوطني، على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة. وأهداف التنمية المستدامة هي نتاج العملية المتسمة بأكبر قدر من التشاور والشمول في تاريخ الأمم المتحدة.

وتسعى تلك الأهداف في مجملها إلى استئصال الفقر والجوع، من دون استثناء أي دولة أو فرد، وذلك من خلال إطار إنمائي يأخذ في الحسبان التداخل بين أبعاد التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

لم يكن التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية على مدى الخمسة عشر عامًا السابقة متساويًا في المنطقة العربية. فباستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، كان التقدم المحرز متواضعًا في بعض الدول العربية ومتراجعًا أو سلبيًا في الدول العربية الأخرى، فالدول التي واجهت تحولات سياسية وانتفاضات في الأعوام الأخيرة شهدت انكماشًا اقتصاديًا، في حين واجهت الدول التي ما زالت تعاني صراعات وحروبًا ضربة قاسية في التقدم المحرز لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويسبب الخراب الهائل للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول خسائر فادحة لمساعيها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبمجرد إعادة بناء السلم والأمن في الدول التي تمزقها الحروب والصراعات؛ سيكون هناك تركيز على إعادة البناء والتنمية لتمهيد الطريق نحو أهداف التنمية المستدامة.

هناك تحديات سياسية وأمنية في المنطقة العربية، أمام تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث أكد تقرير لـ (إسكوا) [1]أن “النزاعات المسلحة والصراعات التي تعيشها دول مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، وظاهرتي التطرف والإرهاب اللتين أصبحتان تهددان المجتمعات العربية، تؤثر سلبًا على مكتسباتها التنموية، كما أن زيادة موجة المهجرين قسريًا واللاجئين والنازحين التي تنتج عن هذه الاضطرابات، فاقمت من الضغوط ليس على الدول المعنية والمجاورة بل كذلك على عدد من دول العالم”. إن استمرار حالة الحرب والصراعات العرقية والأيديولوجيات المختلفة في المنطقة العربية يزيد من العوائق ضد تحقيق أهداف التنمية، إضافة إلى استمرار تدخل الدول الكبرى في سياسات المنطقة، واعتبارها ساحة للحرب بين الأطراف الكبرى ومساعدة الإرهابيين والجماعات المتطرفة بالمال والسلاح.

إن المنطقة العربية تواجه تحديات تنموية واقتصادية واجتماعية وبشرية كبيرة، وقد ركز مراد علة[2] على تحديات التنمية البشرية، واعتبرها من أهم التحديات. حيث ركز على عجز المجتمعات العربية من استثمار الإمكانات والطاقات البشرية الهائلة الموجودة في الدول العربية في كافة المستويات والأصعدة. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية هي ليست مسؤولية الحكومات، وإنما الأفراد والدول شريكة في تحمل مسؤولية التنمية الشاملة. حيث أصبح اليوم رأس المال البشري للدول أهم كثيرًا من رأس المال التقليدي؛ إذ كلما زادت جودة التعليم وتمّت إدارة المواهب بشكل صحيح؛ كان لذلك تأثير إيجابي على المجتمع”.

إن الوضع الاقتصادي في معظم الدول كارثي، وسيبقى كذلك، كما ستكون كل دول المنطقة مهددة بالانفجار الديموغرافي؛ فقد تضاعف عدد السكان خلال العقود الثلاثة الأخيرة وما زال العدد في ارتفاع. إنّ الإشكالية الاقتصادية تبقى سببًا في ما تشهده دولنا اليوم، من استمرار التأزم الاقتصادي والاجتماعي الذي يظهر أساسًا في الفقر والأمية والتخلف وانكشاف الأمن الغذائي وارتفاع في نسب البطالة، خاصة في صفوف الشباب، وزيادة في نسبة الاقتصاد غير الرسمي، ومع تراجع في الأداء الإداري للحكومات ممثلًا بكبر حجم القطاع العام، وتراجع التنافسية والإنتاجية، وزيادة الهشاشة في البنى الإنتاجية، وضعف الترابط والتبادل الاقتصادي العربي، وخاصة في المجالين الاستثماري والتجاري وعدم كفاءة إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمالية، وتراجعًا في البيئة، وعجزًا مزمنًا في المياه[3].

كل ذلك أدى إلى تراجع العالم العربي في العديد من الجبهات، إضافة إلى الإرهاب؛ فظهور تنظيم (داعش) أدخل المنطقة في اضطراب كبير، جعل الدول العربية تُرسِّخ كل إمكاناتها لمحاربته، وإهمال تحقيق إصلاحات اقتصادية من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية، حيث سيؤدي إهمال أو بالأحرى تأجيل الإصلاح إلى تآكل نمو الاقتصادات العربية وشل حركتها، نتيجة لعدد من العوامل منها عدم الاستقرار، وعدم استدامة الدعم، وارتفاع أسعار الغذاء وغيرها[4].

إن انهيار “الطبقة الوسطى” بحد ذاته من أهم التحديات التي تواجه الواقع العربي، وقد بدأت تضيق لصالح “الطبقة الدُنيا”، وذلك بعد أن زادت المتطلبات المعيشية وارتفعت الأسعار، وظهرت قضية البطالة والسكن والتضخم، فأصبحت الفجوة بين طبقات المجتمع متباينة. وأوضح عبد الوهاب القحطاني[5] أن “الطبقة الوسطى هي صمّام الأمان الاقتصادي والأمني والاجتماعي والسياسي لأي دولة في العالم، حيث توفر الكوادر المنتجة التي تُعيد دخولها بالقوة الشرائية، وبالتالي تستتب وتستقر الأمور الأخرى. ويمكن تلخيص ذلك بمفهوم (التوازن)، أي أنّ هذه الطبقة هي التي تخلق التوازن المطلوب في الاجتماع السياسي والاقتصاد، بين الطبقات، فهي جسر بين الأثرياء والفقراء، وفي تشكيل المزاج الاجتماعي العام، وفي حماية القيم الاجتماعية والثقافية من الانهيار”.

أي مستقبل ينتظر الدول العربية؟

تمرّ المنطقة العربية بأزمة تجعل من السهل الاستسلام للتشاؤم بشأن مستقبلها. إن الدول العربية التي مرت بثورات خلال السنوات السبع الماضية، يشعر مواطنوها بالإحباط وخيبة الأمل من أن الرخاء والأحلام التي كانوا يأملونها لم تتحقق.

نعيش اليوم حالة إحباط عربية عامة فركود الحياة السياسية، وصمت الشارع العربي على كل تلك الهزائم السياسية والعسكرية، ما هو إلا نتيجة “طبيعية” و”منطقية” لممارسات الأنظمة الحاكمة، وكان من نتائج حكم هذه الأنظمة أن تحول الشعب العربي إلى شعب مثقل بهمومه السياسية والمعيشية ومخاوفه الأمنية اليومية. إن غياب الحياة السياسية الصحيحة وانتشار ثقافة الخوف هما من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من وضع مأساوي وغياب للقدرة على حل أزمات وتعقيدات الوضع العربي الراهن.

يتساءل أحمد عبد ربه:[6] “أي مستقبل هذا الذي ينتظر منطقة انهارت فيها سورية، وانقسم فيها العراق واليمن وتفتت ليبيا، وتعاني فيها مصر والسودان ودول الخليج من تحديات جمة، أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا؟ أي مستقبل ينتظر دولًا يكون النفط فيها المحدد الرئيس لأسس وقواعد اللعبة السياسية، في ظل انفجارات سكانية وتزايد في معدلات البطالة وتراجع في معدلات الصحة وجودة التعليم، بحسب الإحصاءات الدولية؟”.

انعكست الحالة الحرجة من المذهبية والطائفية في مجموعة من التطورات المثيرة، التي تمثل خصمًا كبيرًا من رصيد الدولة القومية العربية، وتؤثر على مستقبلها ووحدتها، والتي تمثلت في المحاصصة الطائفية والمذهبية كما في لبنان والعراق، حيث أكد السيد زهرة[7] أن “مستقبل الكثير من الدول قد يصبح مشابهًا للدول الطائفية مثل لبنان والعراق: اتفاق الطائف 1989 بعد الحرب الأهلية اللبنانية، ودستور العراق الجديد الذي تم اعتماده في 15 أكتوبر 2005 في ظل الاحتلال الأميركي للعراق، والمتعلق بتقاسم السلطة بين السنة والشيعة والأكراد”. ويعتبر هذا المبدأ من الخطورة بمكان على وحدة الدولة العربية، ومما يزيد من خطورته وجود رغبة في تطبيقه في بعض الدول الأخرى، فهو إحدى الصيغ المطروحة لحل الأزمتين اليمنية والسورية.

ويمكن لنا تخيل مستقبل العرب في التشرذم والتفكك، كالذي يحصل في سورية اليوم حيث أكدت بعض الدراسات[8] أن “الراهن السوري يلخص مجمل الحالة العربية المتأزمة التي نعيشها في كل بلد عربي، معتبرًا أن سورية ليست الوحيدة المعرضة للتفكُّك والتقسيم، بل إن مسألة التفكُّك مستمرة، ولا يكاد بلد عربي يخرج من أزمته إلا دارت الدائرة على طرف آخر ضمن حلقة متواصلة من التأزم”.

قد يكمن الحل للأزمات العربية في العمل على تحقيق الأهداف التنمية المستدامة. كما تروج له منظمات الأمم المتحدة. فأهداف التنمية المستدامة 2030 كما شرحتها (إسكوا)[9] تستشرف الزمن الذي يشهد انتهاء الاستبداد والاحتلال والهيمنة الأجنبية وجميع أشكال التمييز، وتصوِّب نحو تحقيق تنمية بشرية وازدهار اقتصادي ينعم في ظلهما المواطنون بحرية التعبير عن آرائهم وممارسة معتقداتهم من دون خوف، وتطبق سيادة القانون على الجميع بالتساوي، ويكون الحصول على المتطلبات الأساسية لحياة كريمة ميسورًا حتى للفئات الأقل حظًا. حيث تنطوي الرؤية لعام 2030 على خيارات لإرساء الأسس التي تُبنى عليها المجتمعات الشاملة للجميع تجنبًا للانزلاق في دوامة من تعميق العنف وانعدام الاستقرار والكساد، تقوض التنمية لأجيال مقبلة. والرؤية التي تقدمها هذه 2030، تقضي بتحسين مقومات الحكم والنهوض بالعدالة الاجتماعية والرفاه وإجراء التحول اللازم في الاقتصادات وتمتين التكامل الإقليمي.

لقد بدأت الأمم المتحدة منذ عام 2015 بمساندة الدول لإدماج أهداف التنمية المستدامة في خططها التنموية الوطنية والقيام بعمليات المتابعة الإقليمية، ورصد التقدم المحرز بالاستناد إلى البيانات الرسمية، مؤكدة على الحاجة إلى اعتماد مسار يعزز آليات الحوار وبناء الشراكات لكي تعود خطة التنمية المستدامة بفوائدها على الجميع، وضمان أن لا يتخلف أحد عن مسار التنمية.

وبما أنه لا توجد أجندة للتنمية تناسب الجميع، فإن كل دولة عربية تحتاج إلى وضع خطة عمل إنمائية خاصة بها، طبقًا لظروفها المحلية ومستوى التنمية فيها. ويجب أن تكون خطط التنمية الوطنية متوافقة مع الرؤية التحويلية لأهداف التنمية المستدامة والمقاصد المرتبطة بها، وأن تأخذ في الحسبان التداخل والتضافر بين القطاعات المترابطة، كقطاعات الغذاء والماء والطاقة التي تحتاج تشابكاتها المعقدة إلى تحقيق التوازن بين نواحيها المختلفة لضمان أمن توافرها.

في الختام، هناك شرط حاسم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية، هو دعم الشراكات من أجل التنمية مع جميع الجهات المعنية. فالتعاون والالتزام بأهداف التنمية المستدامة، ومن ضمن ذلك حشد الموارد للاستثمار والمعونات التقنية لبناء القدرات، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا جدًا لتعجيل التقدم نحو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

[1] أخبار الأمم المتحدة، تحديات سياسية وأمنية في المنطقة العربية أمام تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، تموز 2016.

[2] علة مراد، الاقتصاد المعرفي ودوره في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية، .knowledge4all، 2014

[3] موقع العرب، النهوض بالواقع التنموي العربي رهان للتغلب على الوضع الإقليمي المضطرب، شباط 2018

[4] موقع الخليج العربي، عام دامٍ بالعالم العربي.. جروح وآلام بجسد الأمة وأزمات متصاعدة.. ما أخطرها؟ وموقع السيناريوهات المطروحة للسيطرة على العالم العربي (تقرير استراتيجي )

[5] القحطاني عبد الوهاب، «الطبقة الوسطى» انكمشت مع ضغوط المعيشة!، الرياض، أيار 2013

 [6] عبد ربه أحمد، للشرق الأوسط الجديد.. سيناريوهات المستقبل، الشرق الأوسط ، آذار 2015.

[7] زهرة السيد، نص الورقة المقدمة في ندوة «تحالف عاصفة الفكر» في أبو ظبي، شبكة البصرة، أيلول 2015

[8] عمال منتدى الجزيرة العاشر، مستقبل المنطقة العربية، الجزيرة، آذار 2016

[9] إسكوا، مستقبل التنمية في المنطقة العربية: رؤية لعام 2030، 2016


شذى ظافر الجندي


المصدر
جيرون