رؤية الإمارات والخليج للتطور الاقتصادي
23 يناير، 2016
- سكينة المشيخص – العرب
طالما بدأت الإمارات الخطوة الأولى فلن تتوقف حتى تعلن تجاوز النفط بلا عودة، وذلك هو المطلوب كنموذج عملي وتطبيقي يحفز لمزيد من التنوع الاقتصادي.
من المهم أن تطور دول الخليج العربي برامج اقتصادية تثري ناتجها المحلي وتحقق تنوعا استثماريا وإنتاجيا يخرج النفط من المعادلة الاقتصادية بنسبة كبيرة متدرجة بأسرع ما يمكن، فالعالم من حولنا نبذ أفكار الاقتصاديات الريعية، ولم يعد النفط وحده قادرا على تحمّل الأعباء التنموية من واقع ما يحدث في أسواقه من تذبذب يضع الكثير من المشروعات تحت رحمته، وبالتالي التأثير سلبا على المجتمعات التي اعتادت نمطا معيشيا مرفها على نحو كبير قياسا بغيرها من مجتمعات المنطقة العربية والعالم الثالث.
مؤخرا، جاءت إشارة إستراتيجية مهمة وجديرة بالتوقف عندها من نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي قال إن “بلاده ستحتفل بتصدير آخر برميل نفط، وإن 70 في المئة من اقتصاد الإمارات لا يعتمد على النفط، وسنبدأ بوضع برنامج وطني شامل لتحقيق هذه الرؤية وصولا لاقتصاد مستدام للأجيال القادمة”، وزاد وضوحا بقوله “هدفنا تحقيق معادلة جديدة لاقتصادنا لا يعتمد فيها على النفط، أو يرتهن لتقلبات الأسواق، وسنضيف قطاعات اقتصادية جديدة وسنطور كفاءة وإنتاجية القطاعات الحالية، وسنعدّ أجيالا تستطيع قيادة اقتصاد وطني مستدام ومتوازن بإذن الله”.
ذلك في تقديري مبدأ عام لما ينبغي القيام به لمواكبة التطورات في الاقتصاد العالمي، ومن غير الجيد أن نرتهن في حاضرنا ومستقبلنا على سلعة واحدة تتعرض لضغوط قوية تتعلق بالمحاصصات غير المتوازنة في الإنتاج والبيع، وتقلب الأسعار بفعل المضاربين، والتعرض للهجمات الإرهابية التي تؤثر في الأسواق والمستثمرين، والحياة بصورة عامة لا تبدو عادلة حين نُحرم من التمتع بمواردنا، لأن إرهابيين فجروا منشأة نفطية في أقصى الكرة الأرضية أو إحدى منشآتنا، وسريعا ما يهبط السوق وكأنه لم يكذب خبرا فندفع فاتورة أكبر مما تستحق، ولذلك لا بد من تغيير البوصلة الاقتصادية بالتوقف عن الاعتماد على النفط حتى لو أدى ذلك للاحتفاظ به كاحتياطيات سيحتاجها العالم يوما ما وبالسعر العادل.
توجه الإمارات نموذجي ومبتكر في إطار مواكبة المتغيرات لدعم العمليات الاستثمارية والإنتاجية في بلداننا، وليس بالضرورة انتظار نتائج دراساته، وإنما يمكن لكل دولة خليجية أن تدرس وتبتكر وتطور برامجها الخاصة بها لتجاوز عصر النفط ووضعه في الماضي، ويمكن للمملكة العربية السعودية أن تمضي في برنامج التحول الوطني، والإمارات تصدر آخر برميل نفط، وهكذا تمضي القافلة دون اعتماد قاتل على النفط لأننا في الواقع أسرى له، وذلك من المهم أن نتوقف عنه من خلال الكثير من الخيارات، فدول بلا موارد حقيقية مثل سنغافورة واليابان تحتل مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي والرفاهية المجتمعية والتنموية دون اعتماد على نفط أو سلعة واحدة، وهي تجارب يمكن النظر فيها وتطويرها بما يتوافق مع طبيعتنا ومنهجنا، وحينها يمكن الحصول على نتائج مشابهة متى توفرت الإرادة الوطنية للتغيير والتضحية بالنفط دون ارتباط اقتصادي عاطفي به، فهو مورد معرض للنضوب ولم يعد ذا جدوى كما في السابق على كافة الأصعدة التنموية والاستثمارية والاقتصادية مع ظهور بدائل أخرى للمستهلكين الرئيسيين بظهور النفط والغاز الصخري وبدء التوسع في السيارات الكهربائية، فالتقنية أصبحت أسرع من إنتاج النفط والتمتع بمزاياه، وذلك ما يجب أن تتطور البرامج الاقتصادية وفقا له وعلى إيقاعه لمجاراة العصر ومتغيراته.
وطالما بدأت الإمارات الخطوة الأولى فلن تتوقف حتى تعلن تجاوز النفط بلا عودة، وذلك هو المطلوب كنموذج عملي وتطبيقي يحفز المزيد من التنوع الاقتصادي.