طهران وتل أبيب .. تبادل تجاري من نوع خاص

27 يناير، 2016

من لا يزال يضن بأن حلف المقاومة والممانعة هو مقاومة وممانعة عن حق، ومن لايزال يصدق تلك الشعارات فهو مخطئ، اليوم ينكشف الستار ونرى زيف حلف الممانعة، نعم إنه مذهبهم الصفوي الذي يحل عليهم قتل المسلمين وموالاة المشرق والمغرب والدير والكنيسة والقس والراهب، كل من سيعمل مع آلاتهم المدمرة في الأرض الإسلامية.

من الواضح أننا كنا غافلين طوال الوقت إن لم نكن مغفلين إذا صح التعبير، عن تبني طهران للقضية الفلسطينية، وتجنيد الشعب العربي في صف ملالي طهران لم يكن إلا لمصالح شخصية لإيران وحلفائها وحدهم، مما ترتب على ذلك احتراق شعوبنا العربية والإسلامية وتأجيج الطائفية والمناطقية، لأجل حروب إيران المقدسة في البلدان العربية والسنية، ولأجل زيادة بسط نفوذ طهران في الوطن العربي.

استطاعت إيران اختراق صلب أعماق الوعي العربي، المليء بالتاريخ المرير المشحون بصفحات الدم والخضوع الذي شهدته أمتنا على أيدي الاستعمار الغربي في القرنين الماضيين، وأتت بخطوات الفتى البريء تمسح دمعتنا السقيمة بمنديلها الأخضر، ولامست أناملها جروحنا وآلامنا وعواطفنا المتعبة والحزينة على الأجزاء المغتصبة من أرضنا العربية على أيدي بني صهيون، وعلى حال إخواننا في فلسطين، “قضيتكم قضيتنا” نحن من سيحرركم من بني صهيون، احترقوا لأجل بناء قنبلتنا النووية، التي سنضرب بها بني صهيون.

وفي واقع الأمر لم تكن تلك القنبلة تصنع إلا لضربنا نحن، اليوم يذبح اليمنيون والسوريون والعراقيون بتهمة محاربة إسرائيل، اليوم يوالي حسن نصر الله، همجية مقاتلات روسيا، ويتفق مع الكنيسة الأرثوذوكسية على تسمية التدخل الروسي بحرب روسيا المقدسة في الأراضي السورية لنصرة المظلومين والمستضعفين، اليوم تسفك دماء الفلسطينيين وتضرب مقاتلات إسرائيل في دمشق وبغداد وتغيب خطاباتهم وأصابعهم المتلوحة نحو إسرائيل، ويتجه الهجوم نحو تركيا والسعودية، اليوم يملأ الشارع العربي بالقصاصات الخضراء والبنادق والقنابل المقدسة، اليوم تصرخ منابر دمشق تدعو الله أن يحمي القدير بوتن المسيح المحرر وأن يوفقه في حربه ضد أعداء سوريا، واليوم تجتمع شياطين الأرض وتنسق عملياتها في أجواء سوريا وتتحالف أيادي الاستعمار الجديدة، وتفتح سماء سوريا، لطائرات ميغ الروسية، لضرب أحلام الشعب السوري الحر الأبي، بتنسيق مشترك بين كل من روسيا وإسرائيل والقومجي بشار وحزب الله وطهران.

استطاعت إيران مع حلف الممانعة وببراعة تسويق القضية الفلسطينية بشكل ممنهج وتقويضها لمصالحها الشخصية لا أكثر، مئات صناديق التبرعات باسم قضية فلسطين التي لا تصل إلا إلى أيدي ملالي طهران وحزب الشيطان، تجنيد شباب العرب واستخدامهم في حروبها بالوكالة في أرجاء الوطن العربي، وزيادة البسط والنفوذ.

ها هو تباكي ملالي طهران والحرس الثوري الإيراني على الخمسة عشر ألف كيلو متر المغتصبة من الوطن العربي، وتباكيهم على الوجود الصهيوني فيها، قد مكن لهم وساعدهم في الواقع إسقاط أربع عواصم عربية وسلب آلاف الكيلومترات من الأراضي العراقية على طول الشريط الحدودي مع إيران، اختلاس وسرقة النفط من مناطق حدود سوريا والعراق وتسهيل عملية التشييع ونشر المذهب الشيعي في الوطن العربي وفي إفريقيا، كل هذا وما زال البعض ينتظر متى ستستعيد لنا طهران أرض بيت المقدس؟، يظهر خامنئي في الإعلام ليشتم إسرائيل وأمريكا، وخلف الكاميرات وفي منزله وبعد مضي النهار يشكر كل من وقع على وثيقة كامبل، ويشكر مؤسس الدولة الإسرائيلية ويقبل صورته، امتنانًا وتقديرًا لمن ساعد وساهم في الحصول على كل هذا.

وفي المقابل، تستفيد إسرائيل من ثرثرة حلف المقاومة، تحتاج إسرائيل إلى عدو في الشرق الأوسط، ويا حبذا إذا كان مجرد فزاعة، تمامًا كحلف الممانعة، لتقول للعالم الغربي عامةً، وأمريكا خاصةً، نحن الأمة المحاربة والمحاطة بالأعداء والمهددة بالخطر، مستفيدة من ذلك في إبقاء أوائل الأجندة الغربية في سياسات الدول الغربية “إن إسرائيل يجب أن تكون الكيان الأقوى والمتفرد في الشرق الأوسط عسكريًّا واقتصاديًّا وغير ذلك”، ويبقى الدعم السخي الغربي، ويبقى بناء الترسانة العسكرية الإسرائيلية، وأيضًا استعطاف الرأي العالم الغربي.

كل ذلك لا يصب إلا في مصلحة الطرفين فقط، ويعود علينا بالحروب والخراب والدمار والجوع والهلاك، وإلى مزيد من التقسيم والتشتيت، وإلى مزيد من التشرذم، بالإضافة إلى بقاء الدول العربية تحت أنظار العم سام (الولايات المتحدة الأمريكية) واضعة في حساباتها الأمنية لدولة إسرائيل، خطًّا لكل وطن من أوطاننا العربية بحسب جغرافيته وتركيبته الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والأنثروبولوجية، خطّ لا يجب أن نتجاوزه في تنميتنا الاقتصادية والعسكرية خوفًا على “الحمل الوديع” (إسرائيل)، وأيضًا دعمها للأنظمة الديكتاتورية العربية التي بدورها تخضع أبناء أمتنا وتذيقهم مرارة الذل والخضوع، وقتل أحلام الشارع العربي وحرياته وثوراته، حرصًا على منع التقدم والازدهار إلى الأمام خوفًا على سلامة الوجود اليهودي في الأرض العربية.

انا لست مع الوجود الصهيوني في المنطقة، بل أنا أكثر ممانعة ممن يدعون أنفسهم بالممانعين، وأشد مقاومة ممن يدعون أنفسهم بالمقاومين، ولكن في ظل شعارات زائفة، لا يترتب عليها إلا تأجيج الطائفية في البيت الإسلامي والعربي، وفي التدحرج المتسارع إلى تقسيم المقسم وتفتيت المفتت حسب ما رسمت له إسرائيل في الثمانينيات (وثيقة كفونيم)، الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة في الشرق الأوسط، وفشلت في تحقيقه في ذاك الوقت، اليوم تتجه إلى تحقيق أهدافها بمباركة طهران وحزب الله، والأب والوالي بوتين.

صحيح أن هناك خلاف إيراني إسرائيلي حاد، ولا أحد يستطيع نكرانه، ولكن هذا الخلاف يكمن فقط لاسباب لا تتعدى أثر السياق السياسي بما يخص الاتفاق النووي الإيراني، وقد تكون أيضًا لأسباب اقتصادية وسياسية أخرى ومناطق نفوذ وما شابه ذلك، وليس جوهريًّا، كما تصوره مصانع الإعلام للمشاهد، ومتمثلا بالولاء الديني وبالمبادئ و&8230; و وغيرها من الكلام الفارغ.

ومن يعتقد بأن حلف الممانعة في المستقبل سيوجه ضربة لإسرائيل ويوجعها فهو يحلم، فها نحن شاهدنا كيف اغتيل سمير القنطار بغارة جوية إسرائيلية في قلب دمشق، أمام أعين صواريخ رجل الشرطة فلادمين بوتن S400 التي لم تنصب في سوريا إلا تحسبًا من أي تحرك للمقاتلات التركية، وكان الرد مخزيًا من حزب الشيطان على لسان حسن نصر الله الذي ظهر في شاشت التلفاز مصطحبًا اصبعه السخيف، يتوعد فيه قائلًا؛ سنرد في الزمان والمكان المناسبين!

وكم قد سمعنا مثل هذه الوعود في السابق وذهبت في مهب الرياح، وها أنا أقولها لكم اليوم لن يتجرأ حلف الممانعة على الرد أبدًا، ولا على إغضاب إسرائيل، طالما فتاهم المدلل بشار الأسد يسبح متجهًا نحو زورق النجاة الإسرائيلي، بعد خمس سنوات من مصارعة الغرق، وعجز حلفائه عن إخراجه من عاصفة الثورة السورية، لم ولن يتجرأ حلف الممانعة على إزعاج إسرائيل في الوقت الراهن بما يسمى بحل الأزمة السورية، حتى ولو عاودت إسرائيل وضربت مجددًا في دمشق أو في بيروت، فلن نجد سوى الثرثرة والخضوع، فقد أصبح مكشوفًا بأن إسرائيل التي لعبت دورًا محوريًّا مهمًّا في إقناع الكثير من الفرقاء الدوليين الواقفين مع الجيش الحر والمعارضة السورية، وإعطاء بشار الأسد طوق النجاة، الذي لم يكن يحلم به أبدًا، طوق النجاة المتمثل في الحل السياسي الجديد الذي سيكون بشار جزءًا منه.

المصدر: ساسة بوست