داعش تحت القصف.. تراجع لا ينفي الطموح في التوسع

7 فبراير، 2016

  • العرب

منذ انطلاق حملتها ضد الإرهاب، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها سيلا هائلا من الانتقادات داخليا وخارجيا، لاسيما أعقاب الحرب الأخيرة التي تقودها واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، التي تؤكد مجمل التقارير أنها لم تحقق الأهداف المرجوة والتي تم الإعلان عنها في البداية والقاضية بالقضاء على التنظيم الإرهابي. واليوم تتعالى هذه الأصوات من جديد في ظل تتالي الأنباء عن قيادة الولايات المتحدة الأميركية حملة عسكرية في ليبيا ضد أهداف تنظيم داعش المرابط في مدينة سرت الليبية.

قال تقرير للمخابرات الأميركية، كشف البيت الأبيض النقاب عنه، إن تنظيم الدولة الإسلامية لديه 25 ألف مقاتل في سوريا والعراق بتراجع عن تقدير سابق بأن عدد مقاتليه يبلغ 31 ألف مقاتل.

وأشار مسؤولون أميركيون إلى عوامل، مثل القتلى في ساحات المعارك والفرار من صفوف التنظيم لتفسير التراجع الذي بلغ نحو 20 في المئة في عدد مقاتلي التنظيم، وقالوا إن التقرير أظهر أن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لسحق التنظيم تحقق تقدما.

وقال جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض إن التقدير الجديد للمخابرات “يعني أن التنظيم مازال يمثل تهديدا كبيرا، ولكن الأعداد المحتملة تراجعت”. وأضاف أن لعمليات القتال البري لشركاء الولايات المتحدة في التحالف تأثيرا في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وأردف قائلا إن قوات الأمن العراقية المدعومة من الولايات المتحدة والمقاتلين القبليين وجماعات المعارضة المعتدلة في سوريا كان لهم دور. وكذلك كان للحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة والتي شنت أكثر من عشرة آلاف هجمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية دور أيضا.

وقال إيرنست إن “تنظيم الدولة الإسلامية يواجه صعوبة أكثر من ذي قبل في تعويض النقص في صفوفه، ونعلم منذ فترة طويلة ضرورة تعاون المجتمع الدولي لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى المنطقة”.

ويشير تقرير المخابرات الجديد إلى أن عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا يتراوح ما بين 19 ألفا و25 ألفا، مقابل تقديرات 2014 بتراوح عدد المقاتلين بين 20 ألفا و31 ألفا.

وقالت إميلي هورن وهي متحدثة باسم مجلس الأمن القومي إن هذا “التراجع يعكس التأثير المشترك لقتلى ساحات المعارك والفرار من صفوف التنظيم والإجراءات التأديبية الداخلية والنقص في عمليات التجنيد والصعوبات التي تواجه المقاتلين الأجانب في السفر إلى سوريا”. ولم يشر تقرير المخابرات إلى فروع تنظيم الدولة الإسلامية في جنوب آسيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يتوسع فرعه الليبي.

وتأتي هذه التقارير التي تروج لها واشنطن في هذه الفترة للتسويق للحملة العسكرية في ليبيا التي باتت حتمية حسب تقديرات المراقبين، فضلا عن وصول بعض القوات الأميركية والفرنسية إلى ليبيا مؤخرا، رغم الانتقادات التي طالت عمليات قوات التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق.

فشل العمليات في سوريا والعراق

فيما تروج الولايات المتحدة وحلفاؤها لتراجع نفوذ الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، تؤكد جملة من التقارير الأخرى أن الغارات التي نفذتها قوات التحالف لم يكن لها بالغ الأثر الذي يروج له قادة الدول المشاركة في الحملة العسكرية.

وذكرت تقارير أن مسلحي تنظيم داعش تمكنوا من مضاعفة مساحة الأراضي التي يسيطرون عليها داخل سوريا، إلى جانب تصعيد هجماتهم في العراق، رغم توجيه قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أكثر من 800 غارة جوية لمواقعهم منذ صيف 2014 وحتى موفى سنة 2015.

وذكر تقرير لصحيفة التايمز البريطانية أن ثلث مساحة أراضي سوريا خاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وأن أكثر من مليون سوري أصبحوا خاضعين لحكم التنظيم منذ صيف 2014، هذا دون احتساب الملايين الخاضعين لولاية الدولة الإسلامية في العراق والشام قبل هذا التاريخ.

وأفادت جنيفر كافاريلا مديرة معهد دراسات الحرب بأن تنظيم داعش يسعى إلى توسيع دولة الخلافة التي أسسها، مشيرة إلى أنه يحقق المزيد من النجاحات، مبينة أن الدولة الإسلامية تقوم بنوع جديد من التوسع على الأرض، وأن قوات التنظيم التي اضطرت لإخلاء بعض المواقع في العراق مؤخرا، تمكنت من تعويضه داخل الأراضي السورية.

هذا، ولم تنجح العمليات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية في طرد عناصر التنظيم الإرهابي من العديد من المدن الكبرى في كل من العراق وسوريا. حيث ما تزال مدينة الموصل التي تعد ثاني مدن العراق (350 كيلومترا شمال بغداد) وعاصمة محافظة نينوى، رغم سقوطها بأيدي التنظيم منذ 10 يونيو 2014.

كما فشلت الحملة العسكرية في تحرير مدينة الرقة السورية التي يسكنها حوالي 300 ألف نسمة، والتي باتت معقلا للتنظيم المتطرف في سوريا منذ يناير 2014. هذا إلى جانب عدم قدرتها على التصدي لاستهداف التنظيم لمدينة تدمر السورية المدينة الأثرية (مسافة 205 كلم شرق دمشق)، والتي سيطر عليها التنظيم في 21 مايو 2015، وقيامه بتدمير التراث الأثري الغني للمدينة المدرج حسب اليونيسكو ضمن التراث العالمي للإنسانية، وهذا على سبيل الذكر لا الحصر.

كما لم تساهم العمليات التي تم تنفيذها في تخفيف معاناة المدنيين القاطنين في المدن الخاضعة لسيطرة التنظيم. حيث ذكر تقرير صدر هذه الأيام عن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد القتلى الذين قضوا على يد داعش، بلغ 3895 شخصا، بينهم 2214 مدنيا منهم 78 طفلا و116 امرأة. ونفذت أغلب أحكام القتل على يد “داعش” في الرقة، معقل التنظيم في سوريا، فضلا عن دير الزور وريف دمشق وحلب والحسكة وحمص، حسب تقرير المرصد.

ويبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها يتغاضون عن هذه الأرقام والحقائق، ويتجهون إلى دق ناقوس خطر التنظيم في ليبيا تمهيدا للتدخل العسكري في هذا البلد، رغم معارضة عدد من دول الجوار، فضلا عن رفض الأميركيين أنفسهم لهذا التحرك.

وقد بدأت ملامح هذا التوجه تظهر، مع التناقض في الأرقام التي يتم الإعلان عنها هذه الفترة حول أعداد عناصر التنظيم في سرت، ففيما قدر مسؤولون دفاعيون العدد بنحو ثلاثة آلاف مقاتل، قال مسؤولون أميركيون إن عددهم يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف مقاتل.

الأميركيون يعترضون

تزايدت وتيرة الأنباء التي تتحدث عن وصول قوات برية أميركية وبريطانية وفرنسية إلى ليبيا في 23 يناير الماضي، للقضاء على خطر الدولة الإسلامية المتفاقم هناك، وتصاعدت المخاوف من سيطرة مقاتلي هذه الدولة، على الهلال النفطي الليبي، بعد أن شنت هجمات انطلاقا من مقرها الجديد في محافظة سرت على العديد من المدن والمنشآت النفطية في راس لانوف والريقة وزويتينة وغيرها. وتداولت الصحف أنباء عن زيارات عسكرية أميركية للأراضي الليبية تمهيدا لتدخل دولي عسكري وشيك على الأراضي الليبية.

وكان آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي قد قال يوم 29 يناير الماضي “إن داعش يقيم مواقع تدريب في ليبيا ويستقبل مقاتلين أجانب في أسلوب يماثل ما فعله في العراق وسوريا الأعوام الماضية. مضيفا أن الولايات المتحدة قد أرسلت بالفعل عددا صغيرا من العسكريين إلى ليبيا، لمحاولة إجراء محادثات مع قوات محلية للوقوف على حقيقة ما يجري في هذا البلد.

لكن الفشل الذي رافق عمليات التحالف في سوريا والعراق ألقى بظلاله على فكرة هذا التدخل العسكري الذي بات وشيكا. فمن جهة تعترض دول، مثل تونس التي تعرضت في أكثر من مناسبة لعمليات إرهابية أكدت مجمل التقارير أن الأسلحة التي تم اعتمادها فيها تم تسريبها من الحدود الليبية وتخشى أن يفاقم هذا التدخل هذه المخاطر، كما تعترض الجزائر على هذا التدخل خوفا على ضرب استقرارها نظرا للقرب الجغرافي مع ليبيا.

ومن جهة أخرى لم يعد الأميركيون على ثقة بفاعلية العمليات التي تنفذها قوات بلادهم في ظل فشل السياسة التي تتبعها واشنطن في التعاطي مع هذا التنظيم، وتسرب خطر العمليات الإرهابية إلى الداخل الأميركي.

وحسب استطلاع رأي حديث، بدا الأميركيون الآن أكثر تشاؤما حول مسألة الإرهاب من أي وقت مضى منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وطرح سبر للآراء أنجز باشتراك بين سي.أن.أن ومؤسسة أو.آر.سي السؤال التالي “من تعتقد أنه يربح الحرب على الإرهاب حاليا، هل هي الولايات المتحدة وحلفاؤها، أم لا أحد، أم الإرهابيون؟ فكانت إجابة أربعين بالمئة من المستجوبين أن الإرهابيين هم من يربحون، في حين رأى 18 بالمئة فقط أن الولايات المتحدة وحلفاءها هم الرابحون. علما وأنه بعد قتل أسامة بن لادن في مايو 2011، كان هناك فقط تسعة بالمائة ممن رأوا أن الإرهابيين هم أصحاب اليد العليا.

كما ذكر بحث أميركي قدم في أواسط 2014 أن 60 بالمئة من الشعب الأميركي يعارضون التدخل العسكري للولايات المتحدة في سوريا، و26 بالمئة يؤكدون أنه لا بد من التدخل العسكري الفوري في سوريا.

ويبدو أن الأميركيين تبينوا حقيقة التضخيم الذي يعتمده ساستهم في كل مرة يعتزمون فيها شن حملات عسكرية على أهداف بعينها، هذا فضلا عن تزايد مخاوفهم من نتائج التعاطي العسكري الفاشل مع ملف الإرهاب على أمنهم الداخلي. ولكن المعطيات في الواقع تذهب في اتجاه عدم اكتراث الإدارة الأميركية بمخاوف مواطنيها في الداخل، ومواصلة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع القوى الكبرى في هذا الصدد.

داعش تحت القصف.. تراجع لا ينفي الطموح في التوسع الاتحاد برس.

7 فبراير، 2016