بيان حزب الجمهورية حول مسألة (وقف إطلاق النار)

24 فبراير، 2016

بيان حزب الجمهورية حول “وقف إطلاق النار”

عندما يوقف قتلة الشعب السوري إطلاق النار تتوقف الحرب في سورية

أولاً: تفاهمات وقنابل موقوتة

على الرغم من تضمين بيان ميونيخ في 11 شباط/ فبراير 2016 بعض النقاط الإيجابية، خصوصاً على صعيد إيصال المساعدات الإنسانية فوراً إلى المناطق المحاصرة كخطوة أولى نحو وصولها الكامل والمتواصل ومن دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد، والذي ما كان ليتم لولا إصرار “الهيئة العليا للمفاوضات” على ذلك، إلا أن المجموعة الدولية لدعم سورية فشلت في التوصل إلى وقف فوري للقصف الروسي، واستعاضت عنه باتفاق على “وقف الأعمال العدائية”، شرط أن يستثنى منه القصف الروسي الذي سيستمر تحت عنوان ضرب أهداف تابعة لتنظيمي “داعش”، و”جبهة النصرة”. بعد ذلك، بدأت مباحثات روسية أميركية جديدة من أجل التفاهم على شروط “وقف إطلاق النار” استباقاً لجولة المفاوضات في 25 شباط/ فبراير 2016.

يبدو أن هناك قنابل موقوتة عديدة في أي هدنة أو أي تفاهمات حول وقف إطلاق النار، يمكن أن تنفجر في أي لحظة عند التطبيق، خصوصاً في غياب أي تفاهم دولي وإقليمي على لائحة موحدة للإرهاب، على الرغم من وجود اتفاق عام حول  تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”. فمع إعلان روسيا أن حربها ستستمر ضد “جميع المجموعات الإرهابية”، ومع تعريف “النظام السوري” الفريد للإرهابي “كل من حمل السلاح ضد الدولة” هناك خشية متوقعة تتمثل بمهاجمة روسيا والنظام لفصائل “المعارضة المسلحة”، إلى جانب احتمال حدوث معارك بين بعض فصائل “المعارضة المسلحة” و”جبهة النصرة” المصنفة كمنظمة إرهابية وتقف ضد أي حل سياسي.

ثانياً: وقف إطلاق النار في اللحظة الراهنة

في العموم، لا بدّ من تأييد السعي لوقف إطلاق النار، لكن المصطلحات العمومية الإيجابية في الظاهر قد تخفي وراءها كوارث حقيقية في التفاصيل، خصوصاً في ظل وجود دول وقوى ومنظمات تفتقر إلى الحد الأدنى من الصدقية. لذلك، في حيز السياسة، تصبح المصطلحات الإنسانية والحقوقية، للأسف، قابلة للنقاش. معنى ذلك هو أن القبول المطلق والرفض المطلق في اللحظة السياسية الراهنة متساويان في السذاجة السياسية، ولا علاقة لأي من الموقفين بالجانب الإنساني.

في اللحظة الراهنة، ينبغي طرح جميع الأسئلة التفصيلية الممكنة حول مصطلح “وقف إطلاق النار” من أجل تحديد موقف سياسي صائب، فمن الواضح أن الصيغة المطروحة، أكانت هدنة أم وقفاً للأعمال العدائية أم وقفاً لإطلاق النار، تشير إلى حالة مؤقتة من وقف القتال والعمليات العسكرية، تلتف على توفير الشروط المطلوبة لوقف إطلاق النار الفوري والشامل والدائم المستند بالضرورة إلى صيغة عادلة من الحل السياسي.

من المهم أيضاً ملاحظة أنه كان بإمكان روسيا وإيران وأميركا العمل على “وقف إطلاق النار” في لحظات سابقة، لكن ذلك لم يحصل، ما يعني ضرورة التدقيق في هذا الطرح في اللحظة السياسية الراهنة، خصوصاً بعد تقدم قوات “النظام السوري” والميليشيات الداعمة له تحت غطاء القصف الروسي. فقد طالب قرار مجلس الأمن 2254 بوقف إطلاق النار، لكن روسيا أطلقت الحرب وصبت على الشعب السوري طوفان نارٍ يشبه الجحيم، كان معظم ضحاياه، كالعادة، من المدنيين الذين يمنع القانون الدولي استهدافهم، بل يجعل من استهدافهم جريمة حرب وجريمةً ضد الإنسانية.

ما المقصود بوقف إطلاق النار اليوم بالضبط، من أطرافه، ما مدته ومناطقه، هل هو مؤقت أم دائم، كيف سيطبق، أين سيطبق، إلى أي مدى سيكون وقف إطلاق النار خاضعاً للتفاهمات الأميركية الروسية، ما دور روسيا وإيران، هل سيتوقف القصف الروسي أيضاً، هل سيوقف النظام السوري حملته العسكرية، هل سيتوقف توريد السلاح للجميع أم لأطراف دون أخرى، هل هناك آلية واضحة لمراقبة وقف إطلاق النار وتحديد الجهة المسؤولة عن خرقه مستقبلاً، وما دور الأمم المتحدة، وما الذي سيترتب على خرقه…. ؟.

قد يكون من الأفضل، بالنسبة للمعارضة السورية، تحديد الجغرافيا التي سيشملها “وقف إطلاق النار”، على الرغم من أن تنظيم «داعش» لديه خلايا في مناطق أخرى عدا وجوده الرئيسي في الرقة وشرق سورية وشمالها. لكن سيكون الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة إلى “جبهة النصرة” التي لديها انتشار واضح في مناطق المعارضة إن جاز التعبير، خصوصاً في محافظة إدلب. وقد يكون من المهم التفاهم حول وقف العمليات الهجومية بالسلاح الثقيل، وتحديد الأسلحة التي تصنف “ثقيلة”، ما يعني بشكل أساسي وقف الغارات الجوية لروسيا و”النظام السوري”. وفي جميع الأحوال لا بدّ من الحذر من أن يصبّ “وقف إطلاق النار”، كما تريد روسيا وإيران، في إعادة تموضع القوى والفصائل العسكرية وتحويل وجهة البندقية إلى التنظيمات الإرهابية “داعش والنصرة” قبل إنجاز اتفاق سياسي حقيقي (هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون الأسد).

ثالثاً: حقائق أساسية

ثمة مجموعة من الحقائق ينبغي وضعها أمام “المجتمع الدولي” في كل مرة يجري الحديث فيها عن “وقف إطلاق النار”:

1- إن قوات “النظام السوري” هي التي بدأت إطلاق النار، وفقاً لشهادات مؤسساتٍ دوليةٍ ومحايدةٍ عديدة، وقتلت من السوريين عشرات الآلاف قبل أن يحمل أي منهم السلاح دفاعاً عن نفسه، لذلك هي المعنية أساساً بالمبادرة إلى وقف إطلاق النار، فمن غير المقبول انطلاق المساعي الدولية من فكرة خاطئة، تعتقد أن للطرفين المسؤولية نفسها تجاه وقف إطلاق النار.

2- من غير المنطقي التعاطي مع مسؤولية “وقف إطلاق النار” بشكل متساوٍ بين قوات فصائلية وجيوش جرارة غازية لسورية، فغزاة سورية ومرتزقتهم هم الذين عليهم إعلان وقف إطلاق النار والتزامه، والضمانة البديهية هي خروجهم من بلادنا ووضع حدٍّ لحروب الآخرين وصراعاتهم التي لا علاقة للسوريين بها، وليس من مصلحتهم الانخراط فيها.

3- من المهم أن يلحظ “المجتمع الدولي” كثافة النيران في سورية ومصادرها الفعلية، إذ يتوزع إطلاق النار اليوم في سورية، بحسب مصادر عدة، على النحو التالي: 60% للجيش الروسي، 20% للميليشيات المرتبطة بإيران وتنظيم “داعش”، 10% للجيش النظامي، فالقسم الأكبر من إطلاق النار (نحو 90 في المئة) يأتي من الجانب المعادي للشعب السوري، ما يعني أن وقف إطلاق النار لن يكون حقيقياً وجدياً إلا إذا طبقته والتزمته القوى الغازية والمعادية للشعب السوري.

4- تروج روسيا وإيران لوقف إطلاق نار منفصل عن الحل السياسي، على الرغم من أنه جزء جوهري منه، على الرغم من أن القرار 2254 يربط تنفيذ “وقف إطلاق النار” بتقدم الحل السياسي، ما يضعه في خدمة حل سياسي سلمي حقيقي تساهم فيه جميع الأطراف السورية، بما فيها جهات من النظام، التي تقبل الانتقال الديمقراطي،

5- سيظل قرار وقف إطلاق النار هشاً ومربكاً ما لم يتم تحديد الجماعات الإرهابية بوضوح وفقاً لمعايير موضوعية، وتصنيف حزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية في خانة الإرهاب إلى جانب تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”، فضلاً عن أخذ “إرهاب الدول” في الحسبان.

رابعاً: ماذا نريد

في الختام، على الرغم من معرفتنا بالواقع المعقد، لا بدّ من التأكيد على ضرورة السعي الدائم لحالة مثالية، حقيقية وجدية، من “وقف إطلاق النار”، فهي بوصلتنا في تحديد الموقف الأنجع تجاه أي مبادرات عملية تفصيلية أو جزئية لوقف إطلاق النار.

إن “وقف إطلاق النار” سيكون مقبولاً ومرحباً به إذا كان متزامناً مع إجراءات نجاح العملية السياسية والانتقال السياسي وتأليف هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية من دون الأسد، وفي حال كان متضمناً لوقف قصف المدنيين من جانب الروس و”النظام السوري”، فضلاً عن انسحاب المليشيات العراقية واللبنانية والإيرانية، إلى جانب ضمان تنفيذ القرارات المتعلقة بالملفات الإنسانية مثل إدخال المساعدات، وفك الحصار والإفراج عن المعتقلين.

المكتب السياسي في حزب الجمهورية                                      22 شباط/ فبراير 2016

أخبار سوريا ميكرو سيريا