‘كيف يكون الحل السياسي في سورية : معبرا إلى نظام عالمي جديد’
18 مارس، 2016
ينعقد الآن في جنيف مؤتمر لوضع حل سياسي للأزمة السورية بتداعياتها الإقليمية والدولية، لكن أمر إنجاح هذا المؤتمر والخروج باتفاق بين الحكومة والمعارضة السوريتين احتاج ابتداء ويحتاج انتهاء إلى معادلات تضبط المسار التصاعدي للأزمة باتجاه الحل المعقود عليه الأمل في جنيف الآن، انتقالا من سخونة الميدان إلى برودة السياسة، وما بينهما من معاناة….فماذا احتاج أمر إنجاح هذا المؤتمر وماذا يحتاج؟ أولا: احتاج إلى أن تتقلص مساحة الثقة بالانتصارالعسكري الحاسم لدى كل طرف من أطراف الصراع في وعلى سورية. صحيح كانت الحرب تقوم على قاعدة الحسم على الجانبين، الحكومة السورية وحلفاؤها والمعارضة السورية المسلحة وغرتها الإرهاب وحلفاؤها…لكن الأصح هو توصل جميع الأطراف إلى القناعة بأن الحسم العسكري غير ممكن، بصمود الدولة السورية من ناحية ، وباجماع أعداء سورية والمقاومة على اليأس من الحسم في حربهم عليها، من ناحية أخرى، وقد بلغوا مائة وعشرين دولة أو يزيد، ادعوا أنهم أصدقاء (لسورية أو للشعب السوري) بينما راح من يرعونه من المعارضة المسلحة المطعمة بالإرهاب وبدعمهم يعيث فسادا في سورية بهدف تدمير البشر والشجر والحجر فيها؟! من خلال هذه الواقعية المفروضة كان توقف جميع أطراف الصراع عند حدود قدراتهم. في هذه المرحلة لم يبق طرف من أصحاب المصالح الإقليمية والدولية إلا وأدلى بدلو الدماء لا بدلو الماء في الأزمة السورية، تدميرا للمقدرات السورية، معتمدين الإرهاب “حصان طروادة” في كل اتجاه، إلى أن أفزع “صهيله” الغرب وعبثت حوافره في مجتمعات الدول التي رعته بشكل أو بآخر، خاصة في ذلك الغرب.كان هناك هدف رئيس لأعداء سورية، هو تحويل سورية إلى دولة فاشلة ومقسمة تفتقد إلى القرار السياسي-الاقتصادي المركزي، خاصة في مجالي الحرب والسلم، سيما وسورية تتمسك بحقها في استرجاع أرضها المحتلة من قبل(إسرائيل)، إضافة إلى أنها متمسكة بنهجها القومي في معرض الصراع معها كعدو، وذلك انتصارا للقضية الفلسطينية، وتحصينا للعرب ضد عدوانها المتكرر عليهم. من هذا المنظور سيكون موضوع استرجاع “الجولان”كأرض سورية محتلة دونه “خرق القتاد” كما يقول المثل العربي لأن اتخاذ قرار سياسي على هذا المستوى،إن قُسمت سورية، يتطلب موافقة الكتل السياسية ذات الهويات الطائفية أو المذهبية أو العرقية، والتي ستكون ذات مرجعيات خارجية في جلها! ومثل هذا الأمر، وبفعل المرجعيات الخارجية،أخصها العربي، التي راح بعضها ينسج علاقات سياسية-اقتصادية وربما عسكرية مع (إسرائيل)، ولقد رأينا بعض المعارضة في جنوب سورية يلجأ إلى (إسرائيل) فتمده بمقومات القتال والتموين، وتعالج جرحاه وتسنده في القتال بطريقة أو بأخرى…فهل يؤمل من هؤلاء وغيرهم أن يكون حماسهم لاسترجاع الأرض السورية المحتلة على درجة عالية من الوطنية بعد كل ما قاموا ويقومون به؟! ربما ما تقدم يشكل مرحلة أولى من عمر الأزمة السورية إلى أن تتطلب الأمر في مرحلة تالية دخول القوى العظمى على خط هذه الأزمة تحت عنوان الحرب علىى الإرهاب، فشكلت أميركا حلفها الستيني(الدولي) لمحاربة(داعش) وشكلت المملكة السعودية (حلفها الإسلامي) للإسهام في محاربة الإرهاب؟ ولما لم تسفر مثل هذه (التحالفات) عن شيء مشجع على طريق الحد من قوة وتمدد (داعش)، جاء التدخل العسكري الروسي بتاريخ 30 أيلول من عام 2015م.كان دخولا ناريا صاعقا كما ونوعا في الحرب على الإرهاب وقد أسفر عن نتائج كان لها الفضل الأكبر في تهيئة البيئة المنتجة للتوافقات، خاصة بين موسكو وواشنطن، على بعث مؤتمر جنيف الحالي للحوار بين الحكومة والمعرضة السوريتين من سُباته، وبتقديري أن مثل هذا التدخل لم يكن إلا مطلبا دوليا بالمعنى العريض، لغرض بدأت ملامحه تتضح من خلال الجهر بالتنسيق بين كل من موسكو وواشنطن، الأمر الذي يسفر عن أسرار مختزنة لصالح الحل السياسي في سورية ولصالح غير ذلك في الحقيقة…هذا ما أسفر عن رأس جليده الوزير الروسي “لافروف” حينما أعلن أنه “لا يذيع سرا” حول عرض موسكو الاشتراك بتحرير الرقة مع واشنطن وحلفها، إضافة إلى إعلانه أن موسكو على التزامها بتغطية داعمة لعمليات الجيش العربي السوري بشكل عام وبالأخص تلك الهادفة إلى تحرير مدينة تدمر، التي قال عنها الرئيس ” بوتين” اليوم :أنه سيقدمها محررة للعالم وليس لسورية فقط. ثانيا: يحتاج الأمر إلى: -تطوير عمليات المصالحة الوطنية والمثابرة عليها من قبل الحكومة السورية تسهيلا لعودة المواطن إلى قريته وبلدته، وتخليه عن هواجسه الأمنية والمعيشية التي أسكنتها في ذاكرته المجموعات المسلحة من إرهابية وغيرها. – توسيع نطاق عقد الاتفاقات الأمنية مع المجموعات المسلحة غير المصنفة على أنها(إرهابية) بضمانة روسية ، بإشراف مكتب التنسيق الذي استُحدث في قاعدة “حميميم” الجوية في منطقة اللاذقية.تعزيزا لمصداقية الهدنة القائمة بين تلك المجموعات والحكومة السورية. -توقف الدول الداعمة للعمل المسلح في سورية ضد الحكومة، خاصة السعودية وتركيا، عن دعم المجموعات المسلحة سياسة وتسليحا وتمويلا وتسهيلا لعبور الحدود، وتغذية فكرية… -التأكيد على جدية الحكومة السورية في العفو عن كل من يلقي السلاح ويعود عضوا صالحا خالص الوطنية، وقد تم صدور مراسيم عفو عديدة تصب في قناة هذا الهدف، بدون تردد من قبل الحكومة السورية. عندما وصلت الأمور إلى الحدود التي اقتضى معها، أن تُظّهر كل الخطوات الرامية إلى إنجاز الحل السياسي في سورية، وإضافة إلى الدور العسكري السوري-الروسي الضاغط فيها، استدعى الأمر خطوة أميركية داعمة فكانت، مقابلة الرئيس الأميركي “باراك أوباما” مع مجلة”إتلانتيك” الأسبوعية، فكانت تلك الخطوة الصاعقة، ولو أنها كانت سياسية، “كنذر أولى” موجهة إلى حلفاء أميركا ذوي الصلة العميقة بالأزمة السورية، ولقد كانت مبادرة الجانب السعودي إلى الرد بقلم الأمير تركي الفيصل في جريدة الحياة اللندنية حدثا سياسيا-صحافيا غير مسبوق فيما يخص التعامل بين حليفين.في حديثه إلى المجلة سلك الرئيس “أوباما” طريقا لم يسلكه قبله غيره من الرؤساء الأميركيين، فلقد “بق البحصة” بحصة الحق وهو في سدة الرئاسة، عندما أسبغ على أهم حلفائه الفاعلين في مجريات”الربيع الأحمر العربي”صفات سلبية في معرض وصفه لهم والإشارة إلى أدوارهم السلبية في مجريات الربيع الأحمر العربي من فرنسا إلى بريطانيا إلى تركيا إلى المملكة السعودية إلى (إسرائيل)، وهم على عجزهم عن القيام بالاعتراض لأنهم، وكل بدوره، يعاني من أزمة في بلاده، فقضية اللاجئين تعصف بأوربا وتربكها، وتورط السعودية في اليمن يرهقها، ويشوه سجلها العربي والإنساني،والإرهاب يضرب في تركيا ويهز مصداقيتها كعضو في حلف الناتو، والانتفاضة الفلسطينية الشابة تهز أساسيات الأمن الإسرائيلي وتكشف عورة (إنسانيتها وديموقراطيتها). بالتالي كل هؤلاء الحلفاء يحتاجون إلى “المايسترو” الأميركي ليعينهم على ما ابتلوا به. ربما كانت جولة وزير الخارجية الأميركي”جون كيري”” الإنقاذية “الأخيرة في المنطقة تلبية لنداء خفي من أهم الحلفاء (إسرائيل).على هذا الأساس يخطيء حلفاء أميركا موضوع نقد الرئيس″ أوباما” لهم نقدا شخصيا ما فوق سياسي،إذا ما ظن أحدهم أن الرئيس الأميركي القادم، سوف لن يأخذ بعين الاعتبار الأدبيات السياسية والأخلاقية التي أعلنها الرئيس أوباما في مواجهة الحلفاء ، سواء كان هذا الرئيس ديموقراطيا أم كان جمهوريا، وما كان ذلك كذلك إلا لتوظيف هذا النقد من قبل الإدارة الأميركية باتجاهين: الأول: إحياء جلي للأخلاقيات التي يتضمنها الدستور الأميركي والتي آمن ويؤمن بها الرئيس “أوباما” ذات الصلة بتعاطي أميركا مع شعوب العالم. الثاني: تقوية موقف أميركا وتصليب استراتيجيتها خلال المراحل المتقدمة من عملية بناء نظام عالمي جديد يتجاوز موضوع القطب الواحد إلى تعددية الأقطاب وأقله إلى ثنائيتها بدخول روسيا الاتحادية على خط النضال لبلوغ هذا الهدف، تسندها في ذلك كتلة سياسية-اقتصادية-عسكرية تمثلها مجموعة دول (بريكس).وهنا نلمس جدية أميركا التي عبر عنها الرئيس أوباما سياسيا وأخلاقيا في نقده الصريح والواقعي لحلفائه، لأن غاية استقطاب شعوب العالم على ضوء تشكل النظام العالمي الجديد الذي سترتسم ملامحه انطلاقا من سورية، أهم بكثير من الاستحابة لأمزجة شخصية وتحريضية لبعض حلفائها كانت ستجر أميركا إلى حرب (قذرة) في المنطقة العربية. الخلاصة: الانسحاب الجزئي للقوات الجوية الروسية والنقد الصريح الأخلاقي-السياسي لحلفاء أميركا من قبل الرئيس الأميركي”باراك أوباما” خطان متوازيان لكنمها يلتقيان في جنيف على عتبة الحل السياس في سورية. المؤشرات التي يقرؤها المراقب السياسي من خلال ردود الأفعال التي تصدر عن القطبين الأميركي والروسي تجاه أي موقف يصدر من هنا أو هناك يهدف إلى وضع العصي في عجلة الحل السياسي الذي سيتفق عليه السوريون في جنيف، كردود الأفعال على إعلان فصائل كردية “نظاما فيدراليا”في شمال شرق سورية …تلك المؤشرات تفيد بأنها هي التي ستحكم بمدلولاتها مسار التسوية ليس في سورية فحسب بل في المنطقة من اليمن إلى بيروت مرورا بالعراق في الشرق العربي وليبيا في المغرب العربي، ليصب كل ذلك بالتالي في قناة وضع حل للقضية الفلسطينية، لأنه من دون ذلك سوف لن تكون الجهود المبذولة لأجل السلام في المنطقة ذات جدوي، طالما هناك قضية فلسطينية معلقة أولا، وأراض عربية سورية وغير ذلك محتلة من قبل (إسرائيل)ثانيا. رأي اليوم – علي الدربولي