حلب في عام الثورة السادس تواجه مخاطر الحصار والتمزّق

22 مارس، 2016

الخليج أونلاين-

أحيت حلب خلال الأيام الأخيرة الماضية الذكرى الخامسة لقيام الثورة السورية، مثلها في ذلك مثل المحافظات السورية الثائرة، ودخلت عام ثورتها السادس بمظاهرات عارمة جالت حاراتها المدمرة ومدنها وقراها في الريفين الغربي والشمالي التي لا تزال تقارع بلا سأم قوى معادية، وأخرى طامعة دخلت على خط الصراع الدامي عبر مراحل معينة من عمر الثورة.

وتزامنت الأجواء الاحتفالية بذكرى مرور خمس سنوات على قيام الثورة، مع فرض “هدنة” ووقف إطلاق للنار بين قوات النظام والمليشيات التابعة لها من جهة، وقوات المعارضة العسكرية المتمثلة بالجيش السوري الحر، وكانت الفرصة مهيأة لعودة الحراك السلمي والتظاهرات التي غابت عن الساحة السورية والحلبية بشكل خاص خلال السنوات الأربع الماضية، التي بدت دموية بامتياز.

ودخلت حلب وريفها عام ثورتها السادس وقد هجرها غالبية سكانها، وتشردوا في الضواحي الغربية وقرب الحدود السورية التركية، ومن حالفه الحظ استقر في تركيا التي استقبلت أكثر من مليونين ونصف مليون سوري أكثر من نصفهم من حلب وريفها، وكانت موجتا النزوح الكبريان خلال الثورة السورية من المدينة وريفها؛ الموجة الأولى منتصف العام 2014 الذي سمي فيما بعد بعام البراميل المتفجرة، والموجة الثانية رافقت التدخل الروسي في سوريا في الربع الأخير من العام 2015 والذي استمر قرابة ستة أشهر، حتى قبيل الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة بوقت قصير جداً.

ونالت حلب الحصة الكبرى من القصف الروسي منذ بدء عمليات القوات الجوية الروسية التي ساندت التقدم البري لقوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وجميعهم سيطروا على مناطق جديدة في الريفين الشمالي والجنوبي، وعقّدوا الخارطة الحلبية، وأضحت مع الواقع الجديد المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة مهددة بشكل فعلي بخطر الحصار والتلاشي.

وقد أكد مدير الطبابة الشرعية الخاضعة للمعارضة في حلب، أبو جعفر، خلال تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين” أن “حلب وعبر السنوات الخمس الماضية كان لها النصيب الأكبر من المجازر ووحشية نظام الأسد ومن حالفه من مليشيات، وتجسد ذلك بشكل واضح في موجات التهجير التي تعرضت لها المحافظة خلال السنوات الماضية والأشهر الأخيرة على وجه التحديد، وهي المحافظة الأكثر تضرراً في سوريا من حيث نسبة الدمار والتخريب الذي أحدثته آلة النظام العسكرية وحلفائه”.

وأوضح أنه لا يستطيع نسيان المجازر المروعة التي وثقها هو وفريقه العامل في مجال الطبابة الشرعية، ولعل مجزرة حي السكري التي جرت في 2014/6/16 كانت أفظع مشهد يمكن أن يراه إنسان على الإطلاق، من حيث عدد الشهداء وحجم الكارثة التي تسببت بمقتل 120 مدنياً؛ عائلات كاملة قضت في الحي بعد أن استهدف الطيران المروحي التابع للنظام الحي بأكثر من خمسة براميل متفجرة.

وأشار أبو جعفر إلى أن “القصف بالبراميل المتفجرة الذي نفذته طائرات الأسد المروحية حينها كان يستهدف تجمعاً كبيراً للمدنيين قد اصطفوا لاستلام حصص إغاثية؛ بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وحولت البراميل المتفجرة أغلب من كانوا في مكان الحادثة إلى أشلاء متناثرة لم يستطع فريق التوثيق في الطبابة الشرعية توثيقهم والتأكد من هوياتهم؛ بسبب التشوه الكبير الذي لحق بالجثث”.

– مواجهات مع تنظيم “الدولة”

دخلت حلب أيامها الأولى في العام السادس من الثورة السورية ومعارضتها في قتال مستمر ضد تنظيم “الدولة” الذي وصل أبرز معاقلها تباعاً منذ بدايات العام 2014 وحتى الوقت الحاضر، حتى بات يهدد معبر باب السلامة ومعاقلها في إعزاز ومارع التي حاول اقتحامها غير مرة ولم ينجح، واستخدم التنظيم مختلف أنواع الأسلحة والتكتيكات للسيطرة على متنفس المعارضة وحديقتها الخلفية في ريف حلب الشمالي، وقصف مارع بالأسلحة الكيماوية والغازات السامة في الشهر التاسع من العام 2015، لكن المعارضة نجحت في التصدي لكل المحاولات.

وخسرت المعارضة في حلب نهاية العام الماضي أكثر المواقع أهمية بالنسبة لها، أو ربما أكثرها قيمة رمزية وهي “مدرسة المشاة” لحساب تنظيم “الدولة”، أو كما يطلق عليها “كلية العقيد يوسف الجادر” الذي كان رئيساً للأركان في لواء التوحيد أحد أبرز التشكيلات العسكرية التابعة للمعارضة في ذلك الحين، والجادر كان قائداً للحملة العسكرية عليها وقضى نحبه في معاركها.

وتخوض المعارضة معارك عنيفة ضد التنظيم في ريف حلب الشمالي، وتبذل قصارى جهدها لدحره شرقاً، وهي تدفع كل يوم فاتورة دم باهظة على مشارف صوران ودابق التي يعتبرها التنظيم موقعاً رمزياً مهماً ويدافع عنها بكل قوته.

من جانبه أكد قائد فرقة السلطان مراد، العقيد أحمد العثمان، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “حلب تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لمختلف القوى المعادية للمعارضة، وتلك التي لديها أطماعها الخاصة؛ لكونها أولاً مركز ثقل سكاني واقتصادي كبير لا يمكن للمتحاربين إغفاله، وبالتحديد بالنسبة لتنظيم “الدولة” الذي يسعى جاهداً منذ أن خرج من أغلب مناطقها مطلع العام 2014 لدخولها من جديد، كما أن حلب تعتبر صلة الوصل بين المناطق الكردية حيث إن الريف الشمالي يفصل بين جرابلس وعفرين، وهي جزء من المشروع الذي ينادي به حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وأذرعه العسكرية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية”.

متابعاً: “كما أن حلب تعتبر استراتيجية بسبب حدودها الطويلة مع تركيا؛ لذلك اعتبرها النظام ومعه روسيا البوابة الرئيسية لمحاصرة المعارضة، ومن ثم القضاء عليها بالتدريج وجرها للاستسلام”.

وأوضح العقيد العثمان أن حلب “ستبقى صامدة في عام ثورتها السادس، وستقف في مواجهة كل الأطماع التي من شأنها تقسيمها، كما أن المعارضة مصممة على دحر تنظيم “الدولة” ومواصلة القتال ضده”.

وأشار إلى أن “هجوم النظام الأخير على حلب، وبتغطية كبيرة من سلاح الجو الروسي الحديث، لم يحقق هدفه بحصار حلب وبالسيطرة على الحدود التركية، والآن وبعد انسحاب كبير للروس لن يستطيعوا التقدم في أي منطقة”.

– خطر التقسيم والحصار

تشهد حلب تداخلاً معقداً للقوى العسكرية على الأرض، وبدخول “قوات سوريا الديمقراطية” على خط العمليات العسكرية وكلاعب بارز في المشهد، بقيادة الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب والمرأة، بدا المشهد الحلبي أكثر تعقيداً، فالقوى العسكرية الكردية ترى في المناطق الشمالية من محافظة حلب امتداداً طبيعياً لفيدراليتها التي أعلنت عنها مؤخراً، ومناطق تابعة لإدارتها الذاتية التي تمتد على طول الشريط الحدودي مع تركيا وحتى مشارف المدينة حلب، بعد أن تلتهم ضواحيها الشمالية.

ولعل المعارضة تدخل عام ثورتها السادس في حلب وهي في موقف صعب جداً، بحيث تواجه قوى مدعومة أمريكياً، لطالما وثقت بها قوات التحالف في قتال تنظيم “الدولة”، وهي المهمة نفسها التي فشلت المعارضة بالقيام بها، أو بالأحرى لم تنل ذلك الكم من الثقة والدعم الذي نالته القوى الكردية التي تتزعم “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقد أثبتت القوى الكردية المسلحة المحسوبة على الاتحاد الديمقراطي مرونتها خلال الأشهر الأخيرة بحيث سخرت كل الظروف المواتية لمصلحتها، وتحالفت مع قوات النظام تارة ومع القوى الجوية الروسية تارة أخرى، ولا تزال تؤدي دورها الذي يخدم النظام عبر التهديد المستمر لطريق المعارضة الذي يفصل مناطق سيطرتها في المدينة والريف عبر الكاستيلو.

– تحديات جمة

في ذكرى الثورة الخامسة تقف قوى المعارضة الحلبية أمام مفترق طرق وتحدي الحفاظ على مناطق سيطرتها في المدينة والريف، وتحدّيها الأبرز يتجلى في منع قوات نظام الأسد والقوى الكردية، من فرض حصار على مناطق سيطرتها في المدينة، وهذا بطبيعة الحال دون التفكير في استعادة ما خسرته خلال الفترة الماضية لحساب الطرفين نفسهما.

ومن الصعب على أية حال أن يكون للمعارضة في حلب كلمة الفصل، في ظل الوضع الراهن، ما لم يحالفها الموقف الدولي والإقليمي بتسخير القوى المادية لها، والذي تعول عليه كثيراً، ويترتب على ذلك تقديم دعم أكبر من قبل الأطراف الداعمة للثورة بشكل عام وفي حلب خاصة.

وتظهر العديد من التحديات أمام المعارضة في حلب مطلع عامها الجديد في الثورة، في شتى القطاعات الخدمية “الصحية والتعليمية والطرق”، وكذلك إغاثة وتخديم مئات الآلاف من المهجرين القاطنين الشريط الحدودي مع تركيا، والذين لا يزالون يبيتون في بساتين الزيتون في خيام لن تقيهم حر الصيف القادم.

المتحدث الرسمي باسم لواء المعتصم، المقدم أبو طارق، كانت نظرته متشائمة إزاء مصير حلب في عامها السادس من الثورة خلال حديثه لـ”الخليج أونلاين”، حيث قال: “أرى حلب مشتتة، حائرة، مدمرة، وأرى هذه المدينة التي تعتبر عاصمة اقتصادية وتجارية وفنية، وقد غزاها الخراب والدمار وعم الموت أرجاءها، تستحق من المعارضة أن تعيد حساباتها بشكل جيد وترص صفوفها من أجل تخليصها من أحزانها وآلامها المستمرة”.

وأشار إلى أنه “إذا ما بقي وضع المعارضة على ما هو عليه الآن لن تقوم لحلب قائمة خلال السنة السادسة من عمر الثورة السورية، وستشهد المزيد من الخسارات على مختلف الجبهات، الأمر الذي يحتم على المعارضة الحلبية اتخاذ إجراءات جوهرية تحول دون خسارة المعقل البارز للثورة السورية بعد خمس سنوات من التضحيات”.

أخبار سوريا ميكرو سيريا