‘تحليل لـالسورية نت: النفط يدق ناقوس الخطر في دول الخليج’

3 أبريل، 2016

رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

انهارت أسعار النفط الخام من أكثر من 100 دولار للبرميل في يوليو/ تموز 2014، إلى أقل من 30 دولاراً الشهر الماضي، مع تباطؤ النمو في الصين، وزيادة الإنتاج في دول “أوبك”، بهدف إزاحة منتجي النفط الأعلى كلفة من السوق. واستبعدت “الوكالة الدولية للطاقة”، تحسن أسعار النفط، بعد تدهورها إلى أدنى مستوى منذ 12عاماً.

دول الخليج والنفط

وتعد دول الخليج التي تستحوذ على 40 بالمئة من الاحتياطي العالمي من النفط، و20 بالمئة من إنتاج النفط عالمياً، و35 بالمئة من التجارة العالمية النفطية، من البلدان الأكثر تضرراً بسبب انخفاض أسعار النفط.

وأعلنت دول خليجية كبري مثل السعودية والإمارات عن عجز متوقع في موازنتهم المالية لعام 2015، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات والسبب الرئيسي هبوط أسعار النفط.

واتجهت دول الخليج لسد عجز موازناتها للسحب من الاحتياطي المالي، ويرى الخبير الاقتصادي الكويتي عدنان الدليمي، أن حركة السحب الأخيرة من جانب بعض الدول مثل السعودية والكويت، يجب أن تبقى مؤقتة لمدة عام أو عامين على الأكثر، “ولكن في حال ما استمرت أزمة النفط لفترات أطول – وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً – هنا يصبح الوضع أكثر تأثيراً، لذلك لا بد من إيجاد حلول أخرى، منها ترشيد النفقات والحد من الهدر”.

ويرى الباحث الجزائري رياض حاوي في حديثه لـ”السورية نت” أن “دول الخليج باستثناء السعودية تملك فائضاً من المال لأن المداخيل تفوق عشرات المرات الاحتياجات الفعلية للمواطنين فدولة قطر يبلغ عدد سكانها 2 مليون والناتج المحلي مقسوماً على الفرد يصل إلى 110 ألف دولار سنوياً، وكذلك الإمارات والكويت. بالنسبة للسعودية وبحكم عدد السكان هناك تراجع لمشاريع التنمية بكل تأكيد”.

ويتابع حاوي المقيم في ماليزيا والمطلع على التجارب الاقتصادية في آسيا: “بالنسبة لقطر والإمارات ما أعرفه أنهم نوعوا في اقتصاداتهم ووزعوا سلالهم الاستثمارية داخل دولهم وخارجها ويسعون بشكل حثيث للتحول إلى دول خدماتية تضاهي سنغافورة وهم على الأقل من ناحية خطوط الطيران مثلاً ينافسون الخطوط السنغافورية التي كانت تمثل أسطورة الطيران وزحزحوها عن عرشها”.

وأضاف: “من يدير السياسات المالية في كل من قطر والإمارات منتبه لأهمية الابتعاد عن ريع النفط والارتكاز عليه فقط في لحظة الانطلاق، والوضع في السعودية لا يختلف كثيراً إلا من حيث عدد السكان، ولكن يلاحظ أن السعودية فيها صناعات خفيفة محلية توحي بنوع من الاكتفاء الذاتي في كثير من الحاجيات وقد زرت قبل السنوات السعودية لدراسة سوقها والتفكير في تسويق بعض منتجاتنا فلم أجد بضاعة إلا لها نسخة تنتج في السعودية”.

ويستدرك الباحث قائلاً: “لكن الارتباطات السياسية والجيوسياسية الجديدة للسعودية واحتمال دخولها في حرب سورية قد يشكل عبئاً على الموازنات المالية، إلا إذا كانت هناك خطة حسم سريعة، وما أعتقد أن ذلك سيكون في ظل الاستقطاب وجر كل القوى للتطاحن في الساحة السورية”.

المجتمع والاستهلاك

وتتميز المجتمعات الخليجية بأنها مجتمعات استهلاكية، وكان للطفرة النفطية أثرها الكبير على سيادة نمط الاستهلاك وغياب مبدأ الادخار في تلك المجتمعات.

وبحسب الاقتصادي السعودي لاحم الناصر، فإن العادات التي كانت موجودة في منطقة الخليج قديمًا والمتعلقة بالادخار وقيم الحياة الجماعية والمشتركة، اعتراها الاضمحلال الشديد، وهو ما قاد إلى سيادة رغبة الاستهلاك عند الخليجيين، قائلًا: “إن العادات كان يمكن أن تقف كخط دفاع أمام قيم الاستهلاك، بيد أنها اختفت، فنجحت قيم وافدة في التمدد في المجتمع دون أن تعترضها ثقافة أو عادة”.

ومع استشعار الخطر جراء انخفاض أسعار النفط تحاول الحكومات الخليجية اتباع سياسات ترشيد وحد من الهدر، وبدأت وسائل الإعلام في تلك الدول تدق ناقوس الخطر، وتحاول تقديم الوعي للمواطنين لتغيير عاداتهم الاستهلاكية التي يتم من خلالها هدر كثير من الأموال.

وفي هذا الإطار تسعى السعودية لتشكيل لجنة من وزارة الزراعة تختص بوضع آليات للحد من هدر الغذاء. وبحسب وكالة الأنبار السعودية فإنه يتم إنفاق 630 مليون ريال سنوياً في المملكة لنقل مخلفات الأطعمة والتخلص منها، و2.6 مليار ريال لتنظيف المدن.

وفي سياق متصل يؤكد الكاتب محمد شاويش لـ”السورية نت” بأن “أنماط الاستهلاك في المجتمعات التي يصح وصفها سياسياً (واقتصادياً) بأنها مجتمعات تابعة تحددها ما تريده مصالح المراكز الاستعمارية التي تتبع لها هذه المجتمعات. وما تريده هذه من مجتمعات الخليج هو أن يستنزف ما يتبقى فيها من فوائض مالية في مشتريات استهلاكية يمكن وصفها بأنها ببساطة تبذير، والباقي يذهب مباشرة إلى المركز على شكل أرباح شركات أو ودائع بنكية ليس لمالكيها الاسميين حرية في التصرف بها، وهي عرضة دائمة للمصادرة أو الاحتجاز أو التبدد في الأزمات المالية، أو على شكل تمويل لحروب تلك الدول الكبرى أو تمويل لأسلحة مشتراة منها وتخدم في حروبها”.

ويتابع شاويش المهتم بدراسة أحوال المجتمع العربي قائلاً: “في أزمة مالية مثل التي نشاهدها الآن ناتجة عن انخفاض حاد في أسعار النفط ستضطر طبعاً الحكومات المحلية لإجبار السكان على أن يتحملوا أعباءً كانوا سابقاً لا يتحملونها فتفرض ضرائب جديدة، ويصبح غالياً ما كان رخيصاً أو مجانياً من خدمات عامة إلى آخره”.

وما يتحدث عنه الكاتب من توجه الحكومات لرفع الدعم هو بالفعل ما أوصى به المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” في مؤتمره الأخير الذي عقد في بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حيث جاء في توصياته الختامية “ضرورة الاستبدال التدريجي للدعم الحكومي بخدمات وتقديمات اجتماعية أفضل لكي تعكس الأسعار الكلفة الحقيقية للموارد”.

ومن جانب آخر يرى شاويش في حديثه لـ”السورية نت” أن “النمط الاستهلاكي الانبهاري الذي عملت عليه القوى المهيمنة عالمياً ليس من السهل طبعاً تركه دفعه واحدة بدون آثار قد تصل إلى انحسار ملموس في تأييد السكان لحكامهم، إذ كان الترف الذي توفره الفوائض النفطية بمثابة رشوة للشعوب وَقَت تلك الأنظمة لعقود طويلة الهزات السياسية التي كانت تعصف بشقيقاتها الفقيرة، وأنواع الاستهلاك المظهري التي تعودنا عليها هناك ستترك جروحاً نفسية يصعب اندمالها في فترة وجيزة” على حسب قوله.