الإعلام الرسمي الروسي.. تسويق سلاح أم صناعة رأي
9 أبريل، 2016
يدعم الإعلام الروسي الروايات الرسمية للكرملين ويروج لمواقفه وسياساته الداخلية والخارجية على حد سواء، غير أن الدعم لا يتوقف عند هذا الحد، إذ يطال الأنظمة التي تربطها علاقات صداقة مع النظام الروسي ويُروّج لها وينقل صورة ناصعة عنها بغض النظر عن صوابها أو مخالفتها للواقع، في محاولة لتلميع صورة الحلفاء أمام الرأي العام الروسي للتخفيف من ضغط الشارع الذي يُشكّك أحيانا في السياسة الخارجية الروسية.
وتشهد المرحلة الراهنة تدهورا في مسارات الأزمة اليمنية وتطورات متسارعة في أزمات إيران والعراق، وهو ما اقتنصه الإعلام الروسي الرسمي الناطق بالعربية، ليتحول إلى مُروّج لبضاعة الحروب ومُسوّق للأسلحة الروسية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ووسيط لتعريف من يحتاجه بما يتوافر منه في المخازن السلاح الروسية، وآخر ما تنتجه مصانعها الحربية، وما ستنتجه لاحقا بالطلب أو من دون طلب، حتى وصف المراقبون هذا الإعلام بـ”سمسار الحروب” بدلا من أن يكون صاحب رسالة سلام كما يُفترض نظريا على الأقل.
وأصبحت المهمة “المقدسة” لبعض وسائل الإعلام الروسية الرسمية الموجّهة للعالم العربي تُضخّم نوعية الآلة العسكرية الروسية، وعرض الخارقة منها والعادية، السرّية والعلنية، الغالية والرخيصة، والترويج لها بطريقة فجّة مباشرة، وتعاملت بهواية ولم تُتقن دور الوسيط المحترف، وبالغت إلى حد الضحك في تقديم المواصفات (التعبوية) لهذه الأسلحة في محاولة منها لإرعاب الشعوب التي ستُستخدم ضدها.
وخصصت روسيا واحدة من وكالات أنبائها التي تبث بعدة لغات ومن بينها العربية لتقوم بدور الوسيط لبيع السلاح الروسي، وروّجت له بشكل مبالغ فيه كما لم تُروّج أي وسيلة إعلام أخرى لأي منتج حول العالم.
ويظهر الاهتمام الروسي بالتوجه للعرب بلغتهم عبر منصات إعلامية متعددة، ورصد ميزانيات كبيرة لتمويلها واستعمال تقنيات عالية الدقة لترويج منتجاتها العسكرية، مدى أهمية الشرق الأوسط كسوق نشطة لتجارة السلاح. ولأن المزاحمة كثيفة على الأسواق العربية، لم تجد روسيا أفضل من تجنيد وسائل إعلامها للترويج لبضاعتها ومحاولة إقناعهم بها، لكن هذه الوسائل أدت مهمتها بشكل كاريكاتيري.
فبعد أن بات الشغل الشاغل لوكالة الأنباء الروسية الرسمية هو بث دعايات للأسلحة الروسية بشكل مبالغ فيه بل وصل إلى درجة أنه أصبح مثيرا للسخرية في الكثير من الأحيان، فمرة تتحدث عن “الرادار الروسي الذي يقدر على النظر إلى داخل الطائرات”، ومرة تتحدث عن (روبوت) حربي روسي تقول إنه “الأول في تاريخ البشرية”، كما تتحدث عن “غواصة الثقب الأسود التي لن يكتشفها الجيش الأميركي” باعتبارها استثنائية، وعن “أضخم صاروخ حربي في العالم”، وعن “الطائرات المتخفية”، وتلك التي “تُدمّر كل صواريخ أميركا”، وعن أسلحة قوية “لا يمكن التغلب عليها” والتي “لا مثيل لها في العالم” و”أرعبت أوروبا”، وعن “مدرعات لا تُقدّر بثمن”، و”رشاشات تفوق مواصفاتها كل رشاشات العالم”، وعن “أسلحة فتاكة تقوم بمحاصرة الإرهابيين”، وأسلحة “لن يقدر مقاتلو داعش على الهرب منها”، وأخرى تجعل العدو يموت أو يستسلم”، واستخدمت هذه العبارات بالحرف الواحد.
ويتداخل الإعلان الإشهاري للخبر في حديث الوكالة الرسمية مطولا عن الأسلحة ومن صممها، ومواصفاتها التفصيلية والتعبوية والتقنية، وقدراتها القتالية ونوعية ذخائرها وعياراتها، و”التعديلات السرية” التي دخلت عليها، و”الهندسة غير المسبوقة” التي استخدمت لإنتاجها، و”الخوف والرعب في قلوب الإرهابيين الذين يحاولون الهروب منها”.
وتسهب الوكالة وغيرها من وسائل الإعلام الروسية في الحديث عن استعدادات روسيا لعرض شروط دفع (مرنة) للراغبين في شراء أسلحتها وعتادها العسكري، وتتحدث عن قدرات روسيا الاقتصادية الهامة التي تؤهلها للتقسيط أو إعادة جدولة الدفعات أو المبادلة بنفط أو أحجار ثمينة وقطن وقهوة وقمح وغيرها، المهم أن يشتري المستهلك هذه الأسلحة والباقي سهل التدبير.
ويقول المختصون إنه من الصعب على غير الخبراء، الحكم على مستوى الصناعة الحربية الروسية، ومن الصعب التقليل من شأنها أو تضخيمها، ولا شك أن الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية، كان لها دور كبير في إعادة صياغة حركة تجارة الأسلحة في المنطقة، فقد ارتفع حجم تجارة الأسلحة التقليدية الرئيسية على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 16 بالمئة خلال السنوات من 2010 إلى 2014.
وكان لابد لروسيا من أن يكون لها نصيبها من هذه الكعكة، غير أنها تمادت بشكل غير مقبول إطلاقا في تحويل إعلامها إلى إعلام حربي، سواء أكان ذلك بقرار سياسي استخباراتي أم بمبادرة ذاتية من القائمين على وسائل الإعلام تلك، فهي بذلك لا تحرف الإعلام عن أهدافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها فقط، بل تضعه في موضع أسوأ مهنة في العالم وأكثرها شرورا، وهي مهنة وسيط بيع السلاح وترويجه.