‘داود البصري يكتب: 9 أبريل 2003 يوم كئيب في تاريخ العراق والعرب’
10 أبريل، 2016
داود البصري
تتوالى الايام وتطل الذكرى الثالثة عشرة لاحتلال العراق وسقوط بغداد تحت جنازير دبابات الهمجية وعصابات الطائفية الإيرانية وبقية العصابات الساقطة المنفلتة,ليدخل العراق ومعه الشرق العربي بأسره في أعقد وأدق وأبشع مرحلة فوضوية في تاريخه, كرست كل معاني الهمجية والموت والدمار,ليعيش العراق والعرب معه حتف أنوفهم في مرحلة الفوضى المهلكة التي استدعت كل عفاريت الإرهاب, لتمارس سطوتها وتفرض بلطجتها وتعمق مآسي الأمة العربية.
يوم سقوط بغداد لم يكن يوما عاديا لتمر ذكراه كما مرت ذكريات هزائم بشعة أخرى في العالم العربي, إنه القمة في حالة الهزيمة القومية الشاملة, كما انه يمثل مرحلة مهمة بين عالمين مختلفين، فمنذ أن تأسس الشرق الأوسط المعاصر على أنقاض التركة العثمانية بعد الحرب الكونية الأولى, وبزوغ عصر الدولة العربية القومية, وبداية رسم خرائط المنطقة بما يتواءم وينسجم مع التطورات والمصالح الدولية,لم تشهد المنطقة حدثا انفجاريا هائلا بحجم الكارثة القومية والإنسانية التي سقطت على رؤوس العراقيين في ذلك اليوم العاصف في التاسع من أبريل 2003 وحيث سقطت عاصمة الخلافة العباسية ودار السلام بغداد تحت جنازير الدبابات الأميركية التي كان دخولها لساحة التحرير فصلا شهيرا من فصول مسلسل التردي والضياع والتكسيح الوطني العراقي رغم الوعود والآمال والشعارات التحررية بالمن والسلوى ووعود الديمقراطية البراقة بشكلها الإستعراضي الأميركي التي تلاشت مع الريح عند أول منعطف عراقي, لقد كان المنظر الأبرز في بغداد ومدن العراق بعد إنهيار النظام السابق هو حالة النهب والسلب (الفرهود) لأملاك الدولة والمجتمع والصورة المتوحشة التي ظهر عليها بعض أفراد من المجتمع العراقي وهم ينهبون ويدمرون مؤسسات الدولة والمجتمع وبما شكل إعلانا واضحا لطبيعة المرحلة التدميرية القادمة, ولطبيعة القوى المتسلطة الجديدة التي لا تحمل مشروعا للبناء والتقدم لكونها تعايشت مع السراديب والعقلية التآمرية والمنهج العدواني الحاقد الذي لايبني دولة ولا يؤسس لحالة مجتمعية متقدمة بل يرسخ التخلف والعدوانية, ويحفر الأخاديد العميقة بين المكونات الاجتماعية والطائفية والاثنية المؤطرة للموزاييك العراقي, لقد جاء الإحتلال الأميركي بمشروع تدميري منذ البداية من خلال الاعتماد في السنوات الأخيرة التي سبقت الاحتلال على التواصل مع جماعات سياسية عراقية طائفية فاشلة ومعزولة ومرتبطة بأجندات طائفية وسياسية معلومة, برغم الحديث الأميركي المعلن عن تنمية وتطوير العراق وإدخال الديمقراطية لربوعه! فإن الأجندة الحقيقية لم تكن هي المعلنة أبدا بل كانت الترجمة الميدانية لتهديدات وزير الخارجية الأميركية الأسبق جيمس بيكر العام 1991 والتي سبقت حرب عاصفة الصحراء بإعادة العراق خمسين عاما للوراء ولربما لمرحلة ما قبل الحضارة! كما كانت ما يسمى بـ (الفوضى الخلاقة)! هي الستراتيجية التي تحولت لفوضى تدميرية هدامة وليست خلاقة برزت منذ مرحلة الحاكم المدني الأميركي الأول جي غارنر وترسخت مع مرحلة السفير (بول بريمر) التي كانت عنوانا للنهب ولتدشين وتعزيز الطائفية الرثة, وزرع ألغام التوترات العرقية والطائفية التي ما ان دخلت لحلبة العمل الساسي حتى عم الخراب الشامل في الديار العراقية, وما أعلنه السفير الأميركي السابق خليل زاده عن تعاون وتفاهم وتنسيق مصالح مع النظام الإيراني في ترتيب الأوضاع العراقية ليس سوى قطرة من بحر حقائق بيع وشراء أمن ومستقبل العراق في أسواق النخاسة الدولية!، لقد تحول العراق لجثة يتقاسمون غلتها, بعد أن استطاع اللصوص والقتلة من اقتحام العملية السياسية الكسيحة وإدخال العراق في لجة صراعات داخلية عنيفة بددت كل سنوات البناء السابقة, وحولته لقطعة من الجحيم والفشل والنهب لمقومات الدولة وإمكانياتها, حتى أضحى العراق بعد 13 عاما عجافا من أكبر الدول الفاشلة, ومن كبار الدول الباحثة عن قروض صندوق النقد الدولي حاله كحال أي دولة افريقية مفلسة! بل ان الفضيحة الكبرى تمثلت في ضياع وتبديد أكثر من 300 مليار دولار من مبيعات البترول دون مساءلة ولا محاسبة ولا متابعة! استطاعت جمهرة اللصوص من السطو عليها في وضح النهار لتضيع ويضيع معها الحلم والأمل والهدف الوطني المنشود, وبعد 13 عاما من الإحتلال يبدو المشهد العراقي الراهن في منتهى العدمية وحتى الهمجية لوطن كان على وشك مغادرة قطار التخلف وتم تصنيف نظام التعليم فيه عام 1977 من قبل اليونسكو بشكل هو الأقرب لنظام التعليم في الدول الإسكندنافية. فإذا به اليوم يعجز عن توفير مدارس كافية, ويعاني من انهيار كامل في القطاع الخدمي, ويصيب خطر الإفلاس الشامل الدولة العراقية برمتها, وهي الدولة التي وضعت بين مكونات الشعب العراقي الواحد حواجز وعوارض إسمنتية وحدود وهمية, وبوابات للموت الطائفي المتنقل, يوم التاسع من ابريل يعود ليجتر ذكرى الاحتلال والعراق على شفا حفرة من النار، بعد أن تمزقت القوى الوطنية, وتعرض الأحرار لمجازر رهيبة بسبب قانون ما يسمى باجتثاث البعث سيئ الصيت الذي كان بوابة إنتقام وظلم بعيدة كل البعد عن روح العدالة والإنصاف,لقد سقط مئات الآلاف من العراقيين ضحايا حروب داخلية همجية كرست الدمار والانقسام والفشل, وفشل وكلاء الاحتلال الأميركي في تسويق أي نموذج حداثي وحضاري, بل على العكس كانت الهمجية سيدة الموقف ولم تزل الحال كذلك للأسف.. فوا أسفاه على الفرص التاريخية الضائعة!
المصدر: السياسة