ما الذي تخبرنا به وثائق بنما عن الإرهاب والعولمة؟
10 أبريل، 2016
الإرهاب متجذر دائمًا في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
ميدل إيست آي –
مصطلح “العولمة” يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين، ولكن لا يمكن الالتفاف حول حقيقة أنَّ “العولمة” هي في جوهرها كناية عن الاستعمار الغربي للعالم النامي، ولكن هذه المرة ليس عن طريق القوة الصلبة للإمبريالية الدولة القومية ولكن من خلال القوة الناعمة لوول ستريت وهوليوود.
مالكوم واترز، المنظّر السياسي الشهير، وصف العولمة بأنّها “تعميم المفاهيم الأيديولوجية والسياسية الغربية”. ولكنَّ الأكثر من ذلك أنَّ العولمة نقلت السياسات الاقتصادية مثل الكسب غير المشروع وغسيل الأموال المفضلة لوول ستريت إلى البلدان في العالم النامي، وخاصة دول الخليج وآسيا الوسطى.
أدت العولمة إلى كونّنة الحماية الاقتصادية للنخب. واليوم، يمتلك 1 بالمئة من أغنى أثرياء العالم أكثر مما يمتلكه الــ 60 بالمئة الآخرين. وقد ساهمت عولمة السياسات الاقتصادية في تفاقم الفروق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين “مَن يملكون” و “مَن لا يملكون”. وبدلا من الاستثمار أو دفع الضرائب في بلادهم، “مَن يملكون” يكدسون ثروة غير متوقعة في شركات وهمية تقع في بلدان غريبة لا يستطيع “مَن لا يملكون” زيارتها طوال حياتهم.
إنها عولمة السياسات الاقتصادية المفضلة لوول ستريت التي تكمن في جذور هذا النوع من التطرف العنيف الذي يرتبط الآن بــ “الإرهاب الإسلامي”، ولكنه في الواقع يرتبط أكثر بتلك السياسات.
هذا الأسبوع، نشر الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية ما أصبح يعرف باسم وثائق بنما؛ قاعدة بيانات مسربة تحتوي على 11 من وثيقة من مكتب الخدمات القانونية “موساك فونسيكا.”
ساعدت هذه الشركة العديد من قادة العالم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العائلة المالكة السعودية، ومن المقربين من الرئيس السوري بشار الأسد إلى رئيس الوزراء الباكستاني، في وضع عشرات المليارات من الدولارات في حسابات مصرفية خارجية بغرض إما تجنب الضرائب في بلدانهم، أو حماية ثرواتهم من أجهزة الرقابة المحلية.
بعبارة أخرى، عندما لا يحرم قادة العالم وأتباعهم بلدانهم من العائدات الضريبية المطلوبة للاستثمار في البنية التحتية وبرامج الرعاية الاجتماعية، فإنهم، مثلما كانت النخبة الأمريكية على مدى العقود الثلاثة الماضية، يتلاعبون بالقوانين الضريبة لتحويل العبء الضريبي إلى الدرجات الوسطى والدنيا في السلم الاقتصادي، وفي الوقت نفسه خفض برامج الحكومة لتعويض الانخفاض في الإيرادات الضريبية الوطنية الإجمالية.
وتشمل ثمار هذه السياسات الاقتصادية انتشار الفقر على نطاق واسع، وعدم المساواة في الدخل وثبات الأجور وعدم تمكين طبقة الناخبين. في أمريكا، وفرت هذه السياسات المساحة السياسية لظهور شخصية فاشية استبدادية كمنافس شرعي في الانتخابات الرئاسية. وفي الشرق الأوسط، نتج عن هذه السياسات الاقتصادية المكونّنة مساحة لسيطرة الجماعات الدينية المتطرفة المناهضة للحكومة.
في حين يدفع مجموعة من العنصريين والفاشيين الطبقة المحافظة الدنيا في أمريكا للاعتقاد بأنَّ المهاجرين هم الذين انتزعوا منهم الحراك الاجتماعي والاقتصادي، انساقت الطبقة المحافظة الدنيا في منطقة الشرق الأوسط بسهولة من قِبل المتطرفين للاعتقاد بأنَّ القيم الغربية (العولمة) هي التي انتزعت منهم هذا الحراك.
غراهام فولر، أستاذ العلوم السياسية في مؤسسة راند، يوضح كيف تواجه شعوب البلدان غير الغربية ما يمكن تفسيره بسهولة أنه دليل على أنَّ القيم الغربية هي المسؤولة عن التدهور الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعاتهم.
“كتب فولر: “تخلق أنظمة التسويق الدولي والاتصالات الطرق السريعة لاستيراد مجموعة من المواد الثقافية الخارجية – المواد الغذائية والأدوية والملابس والموسيقى والأفلام والكتب والبرامج التلفزيونية، وحتى القيم – مع فقدان ما يصاحب ذلك من السيطرة على المجتمعات والرموز والأساطير. هذه الهموم الثقافية هي وقود مرحب به عند معظم الجماعات السياسية المتطرفة التي تدعو إلى الأصالة الثقافية، والحفاظ على القيّم التقليدية والدينية، ورفض مستضدات الثقافية الغريبة. لقد أصبحت وجبات “بيج ماك”، على سبيل المثال، رمزًا واضحًا للقوة الأمريكية على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، التي تفرضها على المجتمعات والدول الضعيفة أو المترددة.”
في حين أنَّ نقد فولر يشبه إلى حد ما أطروحة صامويل هنتنجتون “صدام الحضارات”، ينبغي القول بأنَّ قيادة الولايات المتحدة للغزوات والاحتلال والقواعد العسكرية والوصاية على الدول في الشرق الأوسط تخدم في جلب هذا القلق للداخل بالنسبة لكثير من الذين تحولوا إلى العنف المناهض للغرب أو المناهض للحكومات المدعومة من الغرب. لقد حدّد أيمن الظواهري، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، العدو في الشرق الأوسط بأنّه مجموعة من الكيانات والمؤسسات المرتبطة بالعولمة التي تقودها أيديولوجية الغرب.
وقد حدّدت القوى الغربية المعادية للإسلام عدوهم. وانضم إليهم في ذلك عدوهم القديم، روسيا. واستخدموا مجموعة من الأدوات لمحاربة الإسلام، بما في ذلك: 1. الأمم المتحدة. 2. الحكّام المقربين للشعوب الإسلامية. 3. الشركات المتعددة الجنسيات. 4. أنظمة الاتصالات الدولية وتبادل البيانات. 5. وكالات الأنباء والقنوات الإعلامية الفضائية الدولية. 6. وكالات الإغاثة الدولية.”
بهذا المعنى، فإنَّ العولمة، كما قال بنجامين باربر، مهّدت الطريق لمواجهة اليوم بين “عالم ماك” و “الجهاد”. في حين تمّ ذكر أسماء حفنة من العرب والإيرانيين في الدفعة الأولى من الوثائق المسربة، يمكننا أن نكون على يقين من أنه سيكون هناك العديد من الأسماء الأخرى في الفترة المقبلة، وستزيد هذه الأسماء من جاذبية أولئك الذين يفترضون أنَّ الشرق الأوسط يتعرض لهجوم من “عالم ماك”.
وأولئك الذين أخفوا ثرواتهم الهائلة في بنوك بنما، وجزر كايمان، وأماكن أخرى لن يلوموا إلّا أنفسهم عن الفوضى الاجتماعية التي ستنطلق ضد عروشهم، وعُصبتهم العسكرية وحكوماتهم.
ويتساءل الكاتب الصحفي هارون مغول: “بالنظر إلى الوضع الراهن في الشرق الأوسط، كيف تم إنفاق العديد من المليارات، إن لم يكن تريليونات الدولارات، في السعي وراء الملذات والمتعة، ومشاريع زائفة للتفاخر، وتقديس الشخصية وصراعات مقيتة. كان من الممكن استثمار تلك الأموال في مستقبل هذه المنطقة التي كانت ذات يوم واحدة من أكثر المناطق ديناميكية في العالم “.
في نهاية المطاف، الإرهاب متجذر دائمًا في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد كانت هذه الفوارق هي التي أدت إلى قيام ثورات الربيع العربي والاحتجاجات الثورية السورية. تكشف وثائق بنما أن أغنى شخص في سوريا، والذي لديه علاقات وثيقة مع الأسد، قد نقل 27 مليون دولار إلى حسابات مصرفية خارج البلاد. سوريا مشتعلة الآن، ولكن بينما يعمل الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية على الكشف عن الاسم المقبل، من المرجح أن تلك التحقيقات ستزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة غير مستقرة بالفعل.