هل يتوسط العاهل السعودي لحل الأزمة المصرية الراهنة؟
10 أبريل، 2016
أبدى النظام المصري وعددٌ من الأحزاب المعارضة له، تفاؤلًا بزيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى مصر، لكن أسباب الترحيب بالعاهل السعودي كانت مختلفة؛ فالنظام المصري يبحث عن مكاسب اقتصادية وسياسية من وراء الزيارة، في الوقت الذي يأمل معارضون في توسط الرجل لحل الأزمة المصرية. وكلا الطرفان يُغازلان الملك بإبداء آراء ومواقف يرون أنها تتفق مع سياسة السعودية الإقليمية.
من جهة النظام المصري، فقد رحّب بسخاء، بزيارة العاهل السعودي، التي بدأت الخميس الماضي، السابع من أبريل (نيسان) 2016، وتستمر لخمسة أيام. عُلّقت أعلام مصر والسعودية على خط سير الملك سلمان، في شوراع القاهرة، مع تواجد فرد أمن على كل 50 مترًا لتأمين خط سيره. وكانت ابتسامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي علامةً مميزة في استقبال الملك السعودي.
منح السيسي، سلمان بن عبدالعزيز، قلادة النيل، تعبيرًا عن «مشاعر المحبة والإعزاز والإخاء»، وهي أعلى وسام شرف رسمي في مصر، وذلك بعد يوم واحدٍ من منح جامعة القاهرة، دكتوراة فخرية للرجل، «تقديرًا لدوره، وبوصفه شخصية عالمية محورية لها تأثير بالغ في محيطها العربي والدولي»، كما جاء في خطاب مجلس الجامعة.
وصف السيسي الزيارة، بأنها زيادة «تاريخية، ودافعة للتفاؤل». وقد اقترح الرئيس المصري حال إتمام مشروع الجسر الرابط بين مصر والسعودية، أن يُطلق عليه اسم الملك سلمان، وذلك على خلفية الاتفاق على عدة أمور من بينها «ضرورة محاربة الإرهاب»، ورفض البلدين «المساس بأمن اليمن واستقراره، ورفض الانقلاب على الشرعية اليمنية».
وكان المثير للاهتمام في استقبال مصر للعاهل السعودي، ما سبقه من إغلاق إدارة القمر الصناعي «نايل سات»، قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، ثُم أغنية الاستقبال التي كانت مثار سخريةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا ولم يتطرق الطرفان مع بداية المحادثات، لمواضع الخلاف في كلٍ من سوريا وليبيا. ففي القضية السورية تحديدًا،يبدو تباين المواقف المصرية عن السعودية واضحًا، إذ تدعم المملكة المعارضة،مطالبةً برحيل الأسد. بينما يتسق الموقف المصري مع روسيا،أكبر حليف دولي للأسد. وتسبب هذا الاتساق المصري الروسي،في خلاف مع المملكة عندما أقبل السيسي على قراءة بيان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جلسة لجامعة الدول العربية، بشأن سوريا، قبل حوالي عام. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مصر، أعادت فتح السفارة السورية في القاهرة في الخامس من يوليو (تموز) 2013.
في سياق متصل،أعربت الخارجية المصرية،عن انزعاجها، وتجدد دواعي قلق مصر، من السلوك الإيراني الإقليمي، على خلفية تقارير أفادت بضبط شحنات أسلحة إيرانية كانت متوجهة إلى اليمن. يأتي هذا التصريح غير المعتاد،بالتزامن مع استقبال القاهرة لسلمان،ما دفع البعض إلى ربطه بالزيارة، ورغبة السلطات المصرية في إبداء آراء تتسق مع الموقف السعودي من إيران.
معارضة تأمل في وساطة سعودية لحل الأزمة
لم تتوقف مظاهر الترحيب ومشاعر التفاؤل عند النظام المصري فقط، وإنما امتدت بشكل لافت لتشمل بعض أحزاب قوى المعارضة،التي أعربت عن آمالها في أن تُسفر الزيارة عن حل للأزمة المصرية بوساطة سعودية، مُظهرين في نفس الوقت مخاوفهم من الخطر الإيراني، في سبيل إبداء موقف مُؤيد للموقف السعودي الرسمي.
من أكثر المتفائلين بزيارة العاهل السعودي، كان حزب غد الثورة، الليبرالي المعارض، الذي يتزعمه أيمن نور. ونشر الحزب بيانيًا، في اليوم الأول للزيارة، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أعرب فيه عن تفاؤله وثقته في العاهل السعودي و«حكمته وسعيه الدءوب لحل أزمات المنطقة العربية، ومواجهة تحدياتها وأبرزها الخطر الإيراني»، على حد وصف البيان. وأشار الحزب إلى أن«ثقل المملكة السياسي من شأنه إنهاء الاحتقان السياسي والانقسام المجتمعي في مصر».
وفي السياق ذاته، اعتبر حزب البناء والتنمية الإسلامي المُعارض، أن زيارة العاهل السعودي إلى مصر، بمثابة «فرصة جديدة لإنهاء الأزمة المصرية». ورحب، في بيان له
نُشر عبر صفحته على فيس بوك، بالزيارة، داعيًا العاهل السعودية «بما له من رصيد هائل في نفوس المصريين، وقبول لدى كل الأطراف في مصر، أن يتوسط في زيارته تلك لتسوية الأزمة المصرية، على أسس عادلة تجمع الشعب المصري على كلمة سواء»، أو كما جاء في البيان.
أما عن التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب،فقد دعا إلى «لم الشمل واستمرار الاحتجاجات المناهضة للسيسي»، فيما أسماه أسبوع «قوتنا في وحدتنا»، وهو نفسه شعار الحملة الانتخابية للرئيس المعزول محمد مُرسي، في الجولة الثانية من انتخابات رئاسة 2012، دون أن يُشير البيان إلى زيارة سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، لكنه في المقابل، أوضح موقفه من عدة قضايا عربية وإقليمية، بما يتفق والسياسة السعودية.
هل تتوسط السعودية بالفعل لحل الأزمة المصرية؟
تعقيبًا على تلك الدعوات،أعلن محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم إحدى جبهتي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، رفض جبتهه «جر المصريين لأية محاولات للتصالح المتوهم مع هذا النظام الفاسد»، على حد تعبيره. وأضاف مُنتصر في بياننشره الجمعة الماضية، أن جبهته ستدعم بقوة الجهود الرامية للتخلص مما وصفه بـ«النظام الانقلابي الغاشم»، وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، «كاملة غير منقوصة».
الطرف الآخر من جماعة الإخوان الذي يقوده محمود عزّت، لم يُعلق متحدثه الرسمي، طلعت فهمي، على زيارة العاهل السعودي إلى مصر، أو دعوات الوساطة التي أطلقتها بعض القوى. كذلك، لم يُكشف عن تطرق كلٍ من السيسي وسلمان للشأن المصري الداخلي، أو دعوات الوساطة للمصالحة تلك. وعلى كل حال، يبدو أن تلك الدعوات لن تجد لها صدى على أرض الوقاع، لعدة أسباب:
أولًا: ما يبدو حرصًا من الملك سلمان، مُنذ بدء الزيارة التي لم تنتهِ بعد، على التطرق لمواطن الاتفاق بين السعودية ومصر، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وتجنب الحديث عن مواطن الخلاف داخليًا وإقليميًا. في الوقت الذي تزيد فيه الانتقادات العالمية لمصر على خلفية قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
ثانيًا: صعوبة أن تلعب السعودية دور المحايد بين أطراف الصراع المصري، نظرًا لدعمها المشهود للنظام المصري مُنذ الثالث من يوليو (تموز) 2013، وحتى الآن، وحاجتها إليه من جهة أُخرى، أو لموقف المؤيد على الأقل، من قضايا إقليمية.
ثالثًا: تعامل كل من نظام السيسي وجماعة الإخوان المسلمين، تجاه بعضهما البعض، بمنطق «المعادلة الصفرية»، فتصريحات كل منهما، تُؤول إلى هدف واحد على ما يبدو، وهو الخلاص من الآخر، ما قد يحول بالفعل، نحو أي مُبادرة للتصالح.
رابعًا: لا يبدو تاريخ مبادرات التصالح منذ الثالث من يوليو (تموز) 2013، مُبشرة، إذ طُرح الكثير منها، وكان مصير جميعها الفشل، إما من أول خطوة، وهو الأغلب، أو من الخطوة الثانية، وهو الباقي.