تداعيات كارثة تيران وصنافير
13 أبريل، 2016
ميدل إيست مونيتور –
لا تكمن المشكلة في أن السيادة على الجزيرتين تمّ نقلها من مصر إلى المملكة العربية السعودية. وهذا لأننا تربينا على الاعتقاد بأنَّ “بلاد العرب أوطاني”، وأنّنا أمة واحدة، وأنَّ الخطوط التي وضعها الاستعمار لا معنى لها.
ولذلك، فإنَّ المشكلة ليست بالتأكيد حقيقة أن جزر تيران وصنافير تمّ تسليمهما إلى المملكة العربية السعودية، وأنّه يجب ألّا تكون هناك أي مشكلة بين أي دولة عربية على الأراضي والحدود. لقد حلمنا دائمًا وسنستمر في الحُلم بأن تصبح هذه الدول العربية دولة واحدة، لا تفصل بينها الحدود والخطوط والأسماء، أو الأعلام. تكمن المشكلة الرئيسية في رسم الحدود، وليس في تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، أو التنازل عن أي أرض أو بحر. نحن ننظر إلى المملكة العربية السعودية ومصر كبلد واحد، لا كبلدين، وأعتقد أنه لا يوجد شيء يفصل المواطنين المصريين والسعوديين بخلاف إيمانهم وولائهم للعروبة وأمتهم. المشكلة الحقيقية هي تداعيات الاتفاق لتحديد الحدود البحرية وما ينتج عنها من عواقب سياسية واقتصادية على مصر والمصريين، مما يجعل بعض من هذه المشاكل كوارث حقيقية.
بغض النظر عن انتماء الجزيرتين للمملكة العربية السعودية أو مصر، فإنَّ هذه القضية تعود إلى عقود عديدة، ولا أحد يعرف كيف تمّ حلها أو تحديدها مؤخرًا. أهم الملاحظات التي يمكننا أن نسجلها حول اتفاقية ترسيم الحدود، أو الاتفاق على تسليم تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية هو أنّه تمّ توقيع هذا الاتفاق من قِبل عبد الفتاح السيسي، الذي جاء من الثكنات العسكرية. وهذا يعني أنَّ الجيش المصري، الذي أُوكلت إليه مهمة حماية الأرض والشعب، هو الذي وقّع على اتفاق للتنازل عن الجزيرتين. وهذا يتطلب منا الرجوع إلى “ميثاق الحرب” فيما يتعلق بتنازل الجيش عن أرضه، ويثير أيضًا مخاوف كبيرة بأنه من الممكن التنازل عن أراضي مصرية أخرى في سياق تسوية نزاعات قديمة مع بلدان أخرى، أو في سياق طلب مساعدات مالية من دول أخرى.
فيما يلي نستعرض أهم تداعيات الاتفاق على التنازل عن تيران وصنافير
أولًا، تنازل الجيش المصري عن هاتين الجزيرتين، أو أي قطعة من الأراضي المصرية لأي بلد آخر يعني أنه على استعداد للتنازل عن مناطق أخرى مثل حلايب على الحدود مع السودان وسيناء على الحدود مع فلسطين. وقد يكون تنازل بالفعل أو يمكن أن يتنازل عن المياه الإقليمية المستقبلية في منطقة البحر الأحمر، حيث تنقسم السيادة على تلك المنطقة حاليًا بين الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك الاحتلال الإسرائيلي.
ثانيًا، تنازل مصر عن الجزيرتين مقابل مبالغ نقدية أو مشاريع واستثمارات مستقبلية يشير إلى أن الأزمة الاقتصادية في مصر تفاقمت لدرجة أنَّ الحكومة المصرية اضطرت للموافقة على شيء لم تتفق عليه منذ أكثر من 100 سنة (كانت الجزيرتان تحت السيادة المصرية منذ عام 1901). وهذا يعني أن الاقتصاد المصري على حافة الانهيار، ولكن الأكثر خطورة هو حقيقة أنَّ حكومة السيسي قد توافق على أي شيء يحميها من الانهيار.
ثالثًا، الطريقة التي تمّ بها قبول وترويج الاتفاق على تسليم تيران وصنافير تشبه الطرح الأوليّ للاكتتاب العام؛ أي أنَّ حكومة السيسي ترسل رسائل للآخرين مفادها أنها على استعداد لتسوية النزاعات في مقابل المال. وهذا يعني أنَّ السودان وإسرائيل وإثيوبيا قد تقدّم الأموال أو الاستثمارات في مقابل حل قضاياهم مع مصر، وهذه كارثة. المفاوضات مع مصر اليوم باتت تستند إلى حقيقة أنها تعاني من أزمة مالية، ولا شيء أكثر من ذلك.
سأنهي حديثي بالقول إنّه لا يوجد مشكلة في نقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى المملكة العربية السعودية؛ المشكلة هي أن الحكومة على استعداد لبيع الأراضي في مقابل البقاء في السلطة، وأنَّ مسؤولًا عسكريًا على استعداد لبيع بلاده من أجل الحفاظ على منصبه.
الشيء الآخر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر لا يمكن حلها عن طريق التنازل أو بيع الجزر، ولا من خلال استقطاب الخليج والاستثمارات الأجنبية. إنَّ الحل الوحيد هو بناء دولة مدنية حديثة مع الاقتصاد حر ومفتوح لعمل المدنيين، وليس دولة يسيطر عليها الجيش. مصر دولة ثرية يشعبها ومواردها لكنها بحاجة إلى تحوّل ديمقراطي، مدني وسلمي، وليس أي شيء آخر.