عامر أحمد يمسح الأرض بالمثقف السوري الهارب من سوريته !!
13 أبريل، 2016
يقف اليوم المثقف السوري على أعتاب الندوات الراقية في دول اللجوء البعيدة عن وطنه وعن معارفه وعن كل الذين شاركوه آلامه يحاضر في الجماهير العريضة ذكرياته الحافلة وبطولاته التي لا تنتهي ..
مرة في مظاهرة عابرة تفوح منها رائحة العطور الباريسية وأمام جهابذة الثورة ومفكريها المنفيين هناك وأقصى أمانيه صورة مع هذا السياسي أو ذاك المحلل العسكري على أحد القنوات حتى يتفاخر فيها أمام زملائه على الفيس بوك أو كما يظنهم جماهيره العريضة ..
ومرة في سهرة ثورية بامتياز أمام بعض السوريين أمثاله والتي قادتهم الظروف إلى مكانه .. يقص عليهم جهده العظيم في قيادة دفة الثورة في منطقته ومحاضراته الثمينة لتوجيه المقاتلين هناك وخيبته الكبيرة فيهم وفي الثورة وهذا الذي دعاه كي يخرج هارباً يائساً من صنع العدالة التي كان ينشدها وفي آخر تلك السهرة يختتم قوله : ما الفرق بين هذه الدول المتقدمة وبيننا نحن ؟؟ لقد قمنا بالثورة لجعل سوريا بلداً عظيماً متحضراً كهذي البلاد التي نعيش فيها اليوم ..
ومن ثم يشف فنجان قهوته السورية التي لا يشرب سواها ويطفئ سيجارته المتعبة كوجهه والتي كلفته الكثير كي يشتريها مع أنها دخان لف .. وكأنه ينتظر قيام الحضور والسجود له على إنجازاته العظيمة والتي ذهبت كلها هباءً منثورا .. وكأنه مانديلا زمانه .. وفي أقل تقدير ينتظر قليلاً من التصفيق .. فحكاياته التي لا تنتهي كلها تسطر بالذهب أو ستسطر ذات يوم كما يدعي في كتب التاريخ لو وثقها الناشطون .. من إدلب شمالاً في غرف العمليات العسكرية وحتى درعا جنوباً في حصة القومية التي كان يثقف فيها النشطاء من هناك .. مع الهرموش ذات يوم في مغارات جبل الزاوية ومع عبد القادر صالح في جولة ميدانية في شوارع حلب .. فهو يعرف جميع قادة الثورة العسكريين منهم والمدنيين ولكن معظمهم بين شهيد أو معتقل .. وفي هاتفه بعض الصور مع أعضاء الإئتلاف أو مع ممثل مشهور كان في صف الثورة .. وبالطبع كلهم أصدقاؤه المقربون .. وكم من المظاهرات خرجوا ذات يوم .. يوم كانت الثورة الوردية التي ينشدها الكل في صف واحد ولا عدو إلا الأسد
أما حسرته الوحيدة هذه الفترة هو التشتت الذي يعصف بالثورة ويكاد يطيح بها أدراج الرياح .. وكلما طالعه سائل : لم خرجت إذاً يا أستاذي أجاب مع تنهيدة بسيطة .. لقد يئست يا صديقي .. فالثورة ماتت في قلوبنا وبقينا اليوم بيادق في يد من يحركنا ويربح منا مكاسب سياسية .. ويغوص في حديث المؤامرات من جديد فمرة يشتم هذا الرئيس أو ذاك الملك الذي استفاد من ثورتنا وامتطى الشعب كي يحقق مكاسب سياسية .. وكأنه اكتشف قانون الجاذبية بقوله هذا فهو يظن بأنه الوحيد الذي يعرف خبايا الأمور والذي يسمع له تلميذ مدرسة وهو المعلم الأوحد ..
وتراه في كل مناسبة يمتشق إسوارة علم الثورة أو صورة الخلفية على جواله ويلوح به ليقول من أجل هذا خرجنا .. ولن نرضى سواه .. وكأن البقية خرجوا من أجل علم نيكارغوا ..
يسب الكتائب الإسلامية تارة والأكراد تارة أخرى .. يثمن مواقف الأتراك مرة ويسب أخت أردوغان إذا لم يستطع أخاه الخروج تهريباً بالبلم إلى اليونان تارة أخرى ويسهب في شرح الاتفاق التركي الأوربي لصد اللاجئين وكأنه يعيش في مبنى الإتحاد الأوربي في بروكسل ..
وفي بعض الأحيان يتكلم عن خبر عايشه صديقه الناشط الموجود في سوريا ويأكده وعندما يكون كاذباً يصمت وكأنه لم يذكره قبل يوم .. وبعد نهاره المليء بالبطولات والتي يقصها حتى على البط في ذات حديقة إن لم يظفر بمستمع يومئ له برأسه ومن ثم يعود إلى بيته الصغير على أطراف مدينته الأوربية الباردة .. يغوص في فراشه ويدخل إلى الفيس بوك .. يتحفنا بقصيدته الخنفشارية ما قبل النوم .. ومن ثم يقرأ بعض الأخبار عن سوريته من التنسيقيات التي باتت اليوم نادراً ما تورد خبراً صحيحاً ويحفظها لحصيلة الغد ..
ومن ثم يبحث في الصفحات التي تستذكر بعض الأبطال الذين مروا على الثورة يقرأ منها قصة أو اثنتين .. يقلّبها برأسه قليلاً كي تصير على مقاسه .. حتى يرويها في اليوم القادم وتكون القصة من بطولته .. يسرقها ومن ثم يتفاخر بها ولربما يصير ذات يوم من أولئك السيئين الذين يتهافت عليهم الناس كي يتصوروا معهم ويغدو مشهوراً على الفيس بوك بحق ..كما يتمنى !!!
عامر أحمد