لماذا لن يؤدي النصر في الموصل إلى  حل لغز العراق؟

13 أبريل، 2016

لوفير –

يتراجع تنظيم الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق، وفي يوم 24 مارس، أعلنت الحكومة العراقية أن الحملة المهمة والمؤجلة لفترة طويلة من أجل استعادة مدينة الموصل العراقية قد بدأت أخيرا. وبدءا بشن الهجمات على البلدات الواقعة جنوب المدينة، تهدف الحملة إلى إحداث “اختناق بطيء” لتنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، على غرار المحاولة الناجحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرمادي العام الماضي.

وللأسف، فإن ادراك الحقيقة القائلة بأن تنظيم الدولة الإسلامية أصبح أضعف شيء، واستغلال هذا الضعف من أجل إحراز انتصار مفيد وسلام دائم شيء آخر. ولازال هناك ثلاثة أسئلة حاسمة لم يتم الرد عليها حول المعركة القادمة لاستعادة الموصل، والآثار الأكبر المترتبة على ذلك بالنسبة للولايات المتحدة والعراق. وبدون إجابات جيدة على تلك الأسئلة، قد تحقق الحملة القوية لاستعادة المدينة نتائج استراتيجية هامشية فقط.

من الذي سيخوض هذه المعركة؟

تشتمل حملة استعادة الموصل على خليط هجين من الفاعلين الذين يمتلكون مصالح، وقدرات، ورغبات مختلفة من أجل القتال. وهذه صورة مصغرة للحرب ككل.

وتستمر واشنطن في إرسال إشارات متعارضة حول التزامها تجاه هذه المعركة. فمن ناحية، تحرص إدارة أوباما على التأكيد على أنه ينبغي لهذا الجهد أن يكون تحت قيادة عراقية. وقد أعلن الرئيس الأمريكي مرارا أنه لا يريد إقحام قوات أمريكية في حرب برية واسعة بما يؤدي إلى وجود دائم في العراق.

ومن ناحية أخرى، تعهد الرئيس الأمريكي بتدمير تنظيم الدولة الإسلامية ، كما تعهد بذلك جميع المرشحين للرئاسة. وهذا يشير إلى أن الولايات المتحدة لن ترضى بأقل من تحقيق النصر الشامل. ونظرا لحجم الموصل وأهميتها الرمزية بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية ، فليس من الصعب أن نتصور أن الولايات المتحدة سوف ترسل قوات امريكية اضافية اذا ما فشل الجيش العراقي. وفي الواقع، أنشأت الولايات المتحدة بالفعل مقرا للقيادة في العراق يتناسب مع حجم كبير من القوات. كما أرسلت عددا من  الجنرالات إلى العراق. وتشير هذه القرارات إلى أن الولايات المتحدة تعمل كعمود فقري لوجستي لزيادة عدد القوات البرية إذا لزم الأمر.

كما بعث الجيش العراقي أيضا بإشارات متضاربة. فعلى الرغم من أن قادته قد عبروا مؤخرا عن ثقتهم في القدرات المتنامية، إلا أنه هناك أسباب حقيقية للتشكيك في ذلك. فقد فرق هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في صيف  العام 2014 الجيش بسرعة في كل المناطق باستثناء معقل الشيعة في بغداد وجنوب العراق. ولم يظهر الضباط والجنود حماسا يذكر في الدفاع عن الوطن. وقد توقفت الجهود الرامية إلى تحسين قدراتهم وتوفير حافزا جديدا منذ ذلك الوقت في أحسن الأحوال. وقد تحققت الانتصارات الأخيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى حد كبير بسبب الميليشيات الكردية والشيعية، والقوات الجوية الأمريكية، وقوة صغيرة من القوات العراقية الخاصة المنهكة بشدة لمكافحة الإرهاب والتي تم تدريبها بواسطة “القلنسوات الخضراء” وهي فرقة من القوات الأمريكية الخاصة، وليس بواسطة جهود القوات العراقية التقليدية. وفي الواقع، ذهب أحد المحللين إلى أبعد من ذلك بقوله إن الجيش نفسه مجرد خيال.

ومن الصعب تحويل الجيش العراقي المتفكك إلى قوة متماسكة، لأن الحكومة العراقية لديها تاريخ طويل من التقويض المتعمد لفعالية الجيش العراقي في المعارك من أجل حماية نفسها ضد الانقلابات. وفي الماضي، كان ذلك يشمل تقييد التدريب الواقعي على القتال، ومنع التواصل بين قادة الجيش المهمين، بينما كان يعتمد ترقية الضباط على الولاء وليس على الكفاءة بالإضافة إلى ضمان التجانس الطائفي بين الضباط. ومن الصعب التغلب على إرث هذه الجهود. وفي حين أن هناك أمثلة تاريخية للتغلب على مشكلة الجيوش المسيسة بشدة، إلا أن هذا يعتبر اختبارا صعبا بشكل خاص لأنه يتطلب أن يقاتل جيش مكون من الشيعة إلى حد كبير في مدينة ذات أغلبية سنية.

وقد أثبت المقاتلون الأكراد بالمثل أنهم فعالون وأشداء للغاية في دفاعهم عن المعاقل الكردية، وتعتمد الخطة التشغيلية لاستعادة الموصل على الدعم الكردي بشكل كبير. وفي الواقع، يتم شن الهجوم الحالي ضد مدينة القيارة عن طريق مدينة مخمور التي يسيطر عليها الاكراد، ومن المتوقع أن يقطع الأكراد طرق هروب تنظيم الدولة الإسلامية في شمال وغرب المدينة. ولكن خنق قوة تنظيم الدولة الإسلامية قد يتطلب قتال قريب ضد مقاتلي التنظيم اليائس، وكما يقول صن تزو، لا أحد يحارب بقوة أكثر من أولئك الذين يحاربون على “أرض الموت.” أما مسألة إذا كان الأكراد مستعدون للقتال مرة أخرى في تلك الظروف، وخاصة إذا لم يكن لديهم أي توقع بأن يكونوا قادرين على الحفاظ على الأراضي التي يموتون من أجلها، أم لا، فهي سؤال مفتوح.

كما تشارك الميليشيات الشيعية الأصلية والميليشيات المدعومة إيرانيا في الحرب، مثلما فعلوا في الاستيلاء على مدينة تكريت في العام الماضي. كحد أدنى، سوف يخلق وجودهم صعوبات تشغيلية، نظرا لعدم رغبتهم في التواصل مباشرة مع القادة العسكريين الأمريكيين. وعلى الرغم من وجود مصلحة مشتركة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، إلا أن المصالح مختلفة على المدى الطويل.

وأخيرا، فإن تنظيم الدولة الإسلامية لازال يسيطر على المدينة. والافتراض السائد هو أن معركة الموصل سوف تكون معركة كبيرة؛ لإن الدولة الإسلامية تعلق أهمية كبرى على المدينة، ولأنها كان لديها الكثير من الوقت للقيام بإجراء تحضيرات للدفاع عن المدنية. وقد دمرت القوات الأمريكية والعراقية أجزاء كبيرة من الرمادي من أجل استعادتها، على الرغم من القتال ضد أقل من ألف عنصر مسلح. فما الذي يتطلبه الأمر لاجتثاث التنظيم من الموصل، حيث قد يكون هناك آلاف العناصر المسلحة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية؟

ومع ذلك، أثبت تنظيم الدولة الإسلامية استعداده للتخلي عن مدن مثل سنجار دون خوض قتال مرير، ويبدو أن الكثير من المقاتلين اختاروا الفرار من الرمادي بدلا من الشهادة. وإذا فعلوا نفس الشيء في الموصل، أو وضعوا أسلحتهم جانبا واختبئوا، فإن المعركة القادمة سوف تكون أسهل بكثير. ومن المفارقات أن يكون الحفاظ على السلام أكثر صعوبة في ظل هذه الظروف، لأن القوات التي سوف تسيطر على المدينة ستواجه خطر تجدد العنف في حالة خروج هذه القوات المختبئة من مكامنها في وقت لاحق.

من الذي سيتعهد بحفظ السلام؟

لنفترض أن كل شيء سيجري على ما يرام في تلك المعركة. ولنفترض أن القوات المختلفة التي ستخوض هجوم الموصل سوف تعمل معا بشكل جيد وسوف تنسق أنشطتها دون أن تعاني من الكثير من المشاكل السياسية أو التشغيلية. ولنفترض أيضا أن تنظيم الدولة الإسلامية تخلى عن المدينة دون قتال. فماذا سوف يحدث بعد ذلك؟

من الواضح أن قادة الولايات المتحدة سوف يرحبون بمثل هذه النتيجة، ولكن الحفاظ على السلام والنظام بعد ذلك سوف يظل أمرا صعبا. الموصل مدينة عربية سنية. والكثير، وربما أكثر سكانها يشككون بشكل عميق في حكومة بغداد، التي يعتقدون أنها تحاول مأسسة الهيمنة الشيعية. ولنذكر موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي وقعت في الموصل وغيرها من المدن قبل غزو تنظيم الدولة الإسلامية للمدينة في العام 2014: هناك عدم ثقة عميق ودائم في دولة ما بعد صدام وما تمثله هذه الدولة. ربما يكره السنة الحياة في ظل حكم تنظيم الدولة الإسلامية ، ولكنهم ليسوا متحمسين للحياة في ظل ما يخشونه من حكومة طائفية وقمعية على حد سواء. وعلى الرغم من أنهم قد يرحبون بوحدات الجيش العراقي لفترة من الوقت، إلا ان عدم ثقتهم في مؤسسات الدولة قد تُترجم في وقت قريب إلى عداء تجاه ما يبدو وكأنه قوات احتلال، خاصة إذا كانت هذه القوى هي شيعة وربما تكون عميلة لإيران إلى حد كبير.

وكما ناقشنا سابقا، إذا خاض الأكراد بعض المعارك الأكثر خطورة، فهم أيضا من المحتمل أن يطالبوا بمكافأة على جهودهم. ومع ذلك، فإن منح الأكراد دور دائم في الموصل قد لا يتماشى مع المحليين السنة والقوى الشيعية العربية التي وصلت حديثا إلى المدينة. وقد ثارت بالفعل توترات مماثلة عبر الحدود، حيث استعادت القوات الكردية السورية الأراضي من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها رفضت إعادتها إلى العرب بعد ذلك، بل قامت بتدمير القرى العربية.

وأخيرا، من المرجح أن القوات الأمريكية تحاول الحصول على معلومات استخباراتية من القبائل العربية السنية في الموصل وما حولها. ومثل هذا “الإعداد الاستخباراتي في ساحة المعركة” أمر طبيعي، ويمكن النظر إلى تجربة الولايات المتحدة لزيادة القوات الأمريكية في العراق (2007-2008) كنموذج سابق للقيام بمثل هذه الإجراءات المشتركة ضد عدو متطرف مشترك. وإذا كان ذلك صحيحا، فإن الولايات المتحدة قد تكون وعدتهم بحصة في الحكم واعادة الاعمار بعد المعركة. والفشل في الوفاء بهذا الوعد سيؤدي إلى تقويض السلام، نظرا لمخاوف السنة من انعكاس الوضع هناك. ولكن القيام بمثل هذ الأمر قد يؤدي إلى إزعاج الأكراد والشيعة ويكون غير مقبول بالنسبة لبغداد.

ومن المرجح أن نواجه كل هذه المعضلات حتى اذا كانت المعركة سريعة نسبيا وغير دموية، ولكن هذه المعضلات سوف تكون أكثر حدة بكثير إذا لم تكن المعركة كذلك. وكلما دفعت الأطراف المتحاربة تكلفة أكثر في المعركة، كلما كان من المرجح أن يقاتلوا بعد ذلك بقوة.

كيف ستؤثر نتيجة المعركة على نتيجة الحرب؟

السؤال الأخير والأكثر أهمية هو كيف يمكن لعملية الموصل أن تتماشى مع النهج الأمريكي الأوسع للحرب في العراق وسوريا. وهي الاستراتيجية التي تنطوي على استخدام العنف العسكري لتحقيق أهداف سياسية. وبعبارة أخرى، هو فن ترجمة شيء مدمر حركيا إلى شيء بنّاء سياسيا. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة يمكنها أن تصلح الوضع العراقي مرة أخرى أم لا، حتى بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل.

وفي أفضل الأحوال، تجربة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية أدت إلى نوع من التوازن العرقي والطائفي في العراق، بما يجبر جميع الاطراف على فهم الحاجة إلى تسوية دائمة تتجاوز المظالم الماضية. وإذا كانت الولايات المتحدة يمكنها رعاية الموصل خلال الفترة الخطيرة المبكرة التي تعقب أعمال العنف مباشرة، فربما ستكون الأطراف المختلفة المعنية أكثر استعدادا لتقديم التضحيات في سبيل السلام بدلا من المخاطرة بالعودة إلى حكم تنظيم الدولة الإسلامية مرة أخرى.

والسيناريو الأكثر ترجيحا هو أن الصراع على السلطة السياسية سوف يستمر، وسوف يمتد خطر الحرب على الرغم من انخفاض مستوى العنف. ويمكن للعمليات المضادة أن تنجح في تحجيم قدرات تنظيم الدولة الإسلامية ، تماما كما نجحت ضد تنظيم القاعدة في العراق خلال العقد الماضي. ولكن تفكيك تنظيم الدولة الإسلامية ليس كبناء مؤسسات سياسية جديدة، حيث يشير تاريخ العراق الممزق إلى أن بناء الدولة ستكون عملية طويلة وصعبة، يتخللها العنف حيث تتنافس الجماعات المختلفة من أجل الأمن والسيطرة. إخراج تنظيم الدولة الإسلامية من المعادلة سوف يسهل العملية في الوقت الراهن، ولكنه لن يحل المشكلة السياسية الأساسية.

والسيناريو الأسوأ هو أن ينحدر العراق إلى دوامة متجددة من الحرب الأهلية، حيث يتحالف العرب السنة مع بعض الجماعات الجديدة ضد الحكومة في بغداد والأكراد في الشمال، تماما كما فعل السنة مع تنظيم القاعدة في العراق وتنظيم الدولة الإسلامية في الماضي. هذا المستقبل القاتم ممكن طالما أن السكان السنة في العراق يشعرون بأنهم يتم عزلهم وقمعهم. وفي الحقيقة، قد تصبح المظالم السنية أكثر بروزا دون تشتيت انتباههم عن محاربة الدولة الإسلامية، وقد تصبح مشكلة العنف الدوري أسوأ عن طريق الحقيقة القائلة بأن الجماعات المسلحة قد تتمتع بملاذ عابر للحدود في سوريا، مثلما كانت حركة طالبان الأفغانية قادرة على العثور على ملجأ في باكستان.

قد تكون الولايات المتحدة غير قادرة ببساطة على تحقيق سلام دائم، مهما حشدت من تحالف تجاه مدينة الموصل. وفي الواقع، نظرا للبديل السياسي غير المقبول شعبيا بعودة قوة احتلال أمريكية كبيرة إلى البلاد، قد ينتهي الحال بواشنطن إلى التعامل مع العراق مثلما تتعامل مع الصومال، حيث تستخدم القوات الامريكية العنف في بعض الأحيان لتفريق التجمعات الإرهابية . وتستحق هذه الاحتمالية المحبطة تفكيرا أكبر حيث تقترب معركة الموصل.