‘داود البصيري يكتب: فوضى الفشل الملحمي العراقي’

14 أبريل، 2016

داود البصيري يكتب: فوضى الفشل الملحمي العراقي – مدار اليوم آخر الأخبار

داود البصري

للفشل في عراق التحاصص والتناطح والشقاق الدائم، تاريخ وملاحم أسطورية جعلت منه النموذج الأمثل والواقعي للدولة الفاشلة في القرن الحادي والعشرين.
فثمة حقيقة ميدانية تقول أن الفاشلين لا يصنعون التاريخ، ولا يجملون الحاضر أو يضيفون للمستقبل، بل أنهم عالة على أنفسهم قبل الآخرين، ووفق هذا التصنيف يمكن النظر إلى القوى السياسية العراقية التي ظلت تدور في حلقات مفرغة من الفشل المتوارث الذي تحول لهوية شاخصة للحكومات العراقية المتعاقبة منذ مرحلة ما بعد الإحتلال الأميركي العام 2003 وحتى اليوم، لقد مر 13 عاما كاملات تغير خلالها شكل العالم، وقطعت الأمم الحية خطوات فعلية نحو آفاق التقدم والتنمية، بينما سار الوضع العراقي عكس التيار تماما رغم إختفاء أكثر من 300 مليار دولار في عمليات بناء وتنمية ومشاريع وهمية لم تنفذ إلا على الورق، ولم يحاسب خلالها أي طرف أو فئة أو شخص محاسبة حقيقية تتيح للمتضرر، وهو الشعب العراقي أخذ الحق منه.
لقد تشكلت حكومات، ومر وزراء عديدون، وتغيرت التحالفات السياسية، فيما ظل الفشل سيد الموقف على طول الخط، ومنذ أن تغيرت حكومة نوري المالكي التي كانت القمة في الفشل والنهب وتبخر المشاريع وأخيرا ضياع الأراضي وتدمير المؤسسة العسكرية بالكامل بعد إستيلاء تنظيم الدولة بعد معارك الموصل والرمادي على كميات هائلة من الأسلحة وبطريقة فضائحية لم تحدث حتى في حرب الأيام الستة في عام 1967، فإنه لم يتغير شيء رغم وعود حكومة حيدر العبادي الوردية، وعبر مشاريع الإصلاح الوهمية التي تتحدث عنها جميع القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية، إلا أن على المستوى التنفيذي فإن الوضع يتلخص بخطوة للأمام مقابل ثلاث خطوات للخلف، وهو ما يعطي لعملية التغيير العراقي الموعود أبعاداً سوريالية غير قابلة للتنفيذ أصلا!
لقد تحدث العبادي عن تغيير جذري في حكومته ينتزع منها كل عوامل ومسببات الفشل، وقدم مرشحين كان بعضهم مفاجأة مثل الشريف الهاشمي علي بن الحسين الذي كان يطمح للمطالبة بإعادة الحكم الملكي الهاشمي من خلال حركة الملكية الدستورية التي يقودها منذ العام 1993، إلا أنه دخل العملية السياسية تحت إبط جماعة نوري المالكي أي قائمة «دولة القانون» فلم يحصد سوى الصد والرفض بعد الكلام الكثير عن ترشيحه لتكون وزارة الخارجية في نهاية المطاف من حصة التحالف الطائفي الحاكم، ولا تبتعد عن المحاصصة الطائفية، ولتفشل كل دعوات قيام حكومة تكنوقراط متخصصة بعيدة عن التحاصص! وهو الأمر الخيالي الذي لايتصور حدوثه أبدا، فرئيس الحكومة العبادي نفسه هو نتاج محاصصة طائفية!
ولو كان العبادي يحمل فعلا مشروعا وطنيا للتغيير لتقدم بإستقالته من حزب «الدعوة» ليكون رئيسا لحكومة كل العراقيين وليس لفئة منهم فقط لكنه يعلم علم اليقين أن إستقالته من الدعوة معناها نهاية حياته السياسية، فالتحالف الطائفي هو المظلة التي تحميه وتوفر له الشرعية، أي أن أي آمال قد يعقدها البعض على تغيير حقيقي في العراق هي مجرد محض أوهام وتخرصات لا علاقة لها أبدا بالواقع المعاش، فالتظاهرة الإعلانية التي عرضها مقتدى الصدر بخيمته قد إنتهت فجأة كما بدأت فجأة، ولم تثمر عن أي نتائج حقيقية سوى أوهام بالتغيير وهوما دعا وزراء الصدر الثلاثة للتقدم بإستقالاتهم، فيما جاءت ملفات الفساد بعد فضائح وثائق بنما الأخيرة وما أثير حول تورط وزارة النفط في عقود رشاوى قد أضاف للمشهد الفوضوي مشاهد فوضوية مربكة مضافة!
ويأتي العجز عن تحقيق أي إصلاح في ظل محدودية مساحة التحرك التي يتحرك فيها رئيس الحكومة وعدم قدرته على التغيير في وزارتين مهمتين، هما الدفاع والداخلية، وبما يعني أن التحاصص قدر لابد منه لأحزاب طائفية تتكالب على نهش الكعكة العراقية التي تعاني من بوادر إفلاس وشيك إضطرت الحكومة معه لطلب مساعدة البنك الدولي وقروضه ووصفاته الصعبة التي سترهق الإقتصاد العراقي وتلقي أعباء مضافة يتحملها أساسا جيب المواطن، وبين مشاريع الإصلاح المتعثرة، وخطط العمليات الحربية الوشيكة لإسترجاع الموصل والمناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، وتدهور أوضاع النازحين في الداخل، وعدم القدرة على الحسم تدور التراجيديا العراقية المتورمة بالملفات الشائكة، ويستمر الفشل سيد الموقف!
العراق بحاجة لعملية جراحية كبرى، لكن المشكلة تكمن في غياب الجراح المؤهل لذلك

المصدر: السياسية

مقالات مشابهة

x
‎قد يُعجبك أيضاً

ارسل عبر الواتس ابعريب الرنتاوي المسافة بين النظام والمعارضة السوريين، ما زالت …

أخبار سوريا ميكرو سيريا