ترامب وحلف الناتو وأمن أوروبا

16 أبريل، 2016

ريال كلير وورلد –

لم تلعب قضايا السياسة الخارجية الكبرى دورا كبيرا يذكر في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة. ولكن ذلك الأمر تغير لفترة وجيزة يوم 3 ابريل عندما أصدر المرشح الجمهوري دونالد ترامب حكمه على حلف شمال الأطلسي. حيث أخبر مؤيديه في ولاية ويسكونسن أن الناتو ” عفا عليه الزمان”. وأضاف أنه “من الممكن أن نتخلى عن منظمة حلف شمال الأطلسي”.

وأوضح ترامب أن السبب يكمن في أن حلفاء أمريكا الأوروبيين يتباطئون عن تمويل التحالف العسكري. وقال “عندما ندفع لحلف الناتو ولا أحد آخر يدفع حقا سوى دولتين، نشعر وكأننا أغبياء. وأنا أدعو هذه الدول التي لم تدفع حصتها لسنوات أن تشارك في تمويل الحلف أو أن يتركوه. وربما يتفكك الناتو بسبب ذلك الأمر، فليكن .. هذا ليس أسوأ شيء يمكن أن يحدث في العالم “.

والآن يجب أن يسعد الكرملين لسماع ذلك، حيث سعى دائما وراء فكرة تقسيم ،إن لم يكن إنهاء، حلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك، إذا نظر ترامب إلى “توجهات الإنفاق العسكري العالمي لعام 2015” وهي النشرة الصادرة عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، ربما يغير وجهة نظره بشأن الأوروبيين. حيث توضح الوثيقة أن الإنفاق العسكري الأوروبي قد زاد بنسبة 1.7 % في العام 2015 مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفع ليصل إلى 328 مليار دولار. وهذا الرقم أعلى بنسبة 5.4٪ مقارنة بحجم إنفاق العام 2006. ومع ذلك، سوف تنفق الثلاث دول الأوروبية الكبرى – بريطانيا، وفرنسا (وهما اثنان من البلدان الأوروبية التي تفكر وتتصرف بشكل استراتيجي)، وألمانيا – مبالغ أكثر في السنوات القادمة. وهذا خبر جيد بالنسبة لحلف شمال الأطلسي.

أما بالنسبة لأوروبا الوسطى، ارتفع الإنفاق العسكري للعام الثاني على التوالي في العام 2015، وذلك بنسبة 13%. وفي بولندا، قفزت نسبة الإنفاق العسكري قفزة كبيرة تقدر بـ 22% لتصل إلى ما قيمته 10.5 مليار دولار. وبذلك يمثل الإنفاق العسكري 2.2 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وهناك العديد من الأسباب التي توضح زيادة نسب الإنفاق على الدفاع في العديد من البلدان الأوروبية على هذ النحو. أول هذه الأسباب هو الغزو الروسي لشرق اوكرانيا وضمها لشبه جزيرة القرم في العام 2014. والسبب الثاني، وهو مرتبط بروسيا أيضا، هو تعهد جميع دول حلف شمال الأطلسي في قمتهم المنعقدة في ويلز في سبتمبر عام 2014 بزيادة الإنفاق العسكري ليصل إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي. والسبب الثالث هو التهديد الإرهابي المتزايد. وباختصار، انتقادات ترامب لعدم رغبة الأوروبيين في تمويل منظمة حلف شمال الأطلسي في غير محلها.

ولربما كانت تصريحاته أكثر مصداقية إذا قال إن الأوروبيين قد كرثوا لفترة طويلة جدا ثقافة التبعية من خلال الاعتماد دائما على الولايات المتحدة للحفاظ على وضمان الأمن الحيوي للأوروبيين.

الإنفاق بشكل كبير ليس هو العنصر الرئيسي الذي يحتاج إليه حلف شمال الاطلسي. ما يحتاج إليه  التحالف هو التصور المشترك للتهديدات. وفي مقابلة له، صرح ايان انتوني ،مدير برنامج الأمن الأوروبي في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، قائلا  “على الرغم من الزيادة في الإنفاق العسكري، إلا أن ‘الحلفاء‘ لا يمتلكون ذلك التصور المشترك حتى الآن. وعدو دول حلف الناتو اليوم هو حالة عدم التأكد، وتعاني دول حلف شمال الأطلسي ودول الاتحاد الأوروبي من مشاكل داخلية مختلفة لا تؤدي إلى التلاحم فيما بينهم. وبدون وجود تصور مشترك للتهديدات، هل يمكن لحلف الناتو أن يمتلك استراتيجية مشتركة؟”.

وهناك تحضيرات تمهد لوجود استراتيجية عندما نتحدث عن تحسين قدرات الدفاع في الدول الشرقية لحلف الناتو. فقد اتفق الحلفاء على إنشاء فرقة عمل مشتركة عالية الجاهزية (VJTF) في قمة ويلز. ونظريا، ينبغي أن تكون تلك الفرقة قادرة على نشر نحو 5000 جنديا في غضون يومين أو ثلاثة أيام، مع ما يصل الى خمس كتائب عسكرية تدعمها القوات الخاصة الجوية والبحرية.

ولكن كما يقول دانيال فيوت في مقال رائع منشور بمجلة سرفيفال، التابعة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يفتقد حلف شمال الأطلسي إلى البنية التحتية الدفاعية المهمة وقدرات الرد السريع على أي عدوان روسي على أوروبا. وأضاف قائلا “بدون وجود البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك شبكات ومحاور النقل، وخطوط إمدادات الطاقة، سوف يكون من الصعب على حلف شمال الاطلسي أن يمركز أو يحافظ على وجود وحدة عسكرية دائمة، وأن يتأكد من أن فرقة العمل المشتركة عالية الجاهزية سوف تكون قادرة على الانتشار في غضون بضعة أيام”.

وذكر فيوت بالتفصيل كل التحديات التقنية والمالية وتحديات البنية التحتية التي ستواجه فرقة العمل المشتركة عالية الجاهزية. وكان استنتاجه هو أن أموال الاتحاد الأوروبي يمكن أن يتم حشدها لتحديث البنية التحتية، وهذا سيؤدي بدوره إلى وجود فوائد مدنية ودفاعية كبرى.

ويمكن للمرء أن يتساءل عن رد فعل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي تجاه مثل هذا الدور للتمويل الأوروبي. إذ أن هناك قواعد تنص على أن ميزانية الاتحاد الأوروبي يجب أن يتم استثمارها فقط في المشاريع المدنية أو في المبادرات ذات الاستخدام المزدوج التي من شأنها أن تخدم الأهداف المدنية والعسكرية معا. وقال فيوت إنه “يجب أن نتجنب الحظر المفروض منذ فترة طويلة من قبل الاتحاد الأوروبي على استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لأغراض عسكرية”.

وليست هناك حاجة الى هذا الهوس الأوروبي بالقوة الناعمة بالنظر الى التهديدات الكبيرة التي تواجه أوروبا وحلفائها. وبالتأكيد، تحديث البنية التحتية بدءا من خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة إلى المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء والجسور للاتحاد الأوروبي، فضلا عن شبكات تكنولوجيا المعلومات ينبغي أن يكون له بعد أمني.

ويجب على بولندا ودول البلطيق، وغيرها من دول أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية من أعضاء حلف شمال الأطلسي أن يروجوا  للتحضير لقمة حلف شمال الاطلسي التي ستنعقد في شهر يوليو 2016 في مدينة وارسو. لأن حلف الناتو سوف ينشر قوات في هذه الدول على أساس دائم، ويجب أن يكون هناك ضمان أن فرقة العمل المشتركة عالية الجاهزية سوف تعمل في الواقع بشكل فعال. وبعد كل شيء، هذا هو رد فعل حلف الناتو على العدوان الروسي، وينبغي أن يكون إشارة واضحة لترامب على أن التحالف لم يعف عليه الزمان.