‘“سيوة”.. مدينة الملح والتاريخ’

16 أبريل، 2016

 يقول هيردوت: “بعد السفر إلى قلب الصحراء يمر المرء بأحراش تمرح فيها الوحوش البرية، وخلفها منطقة الرمال الكثيبة التي تمتد من طيبة في مصر حتى أعمدة هرقليس، في هذه المنطقة بالتحديد، يصادف المرء بعد مشي على القدمين لعشرة أيام آثارًا مغطاة بأحجار الملح، الذي تحول إلى بلورات من الكريستال العملاق، وفوق قمة تلك الروابي ومن قلب الملح يتفجر ماء عذب متجدد ليصبح عينًا خلف الغابات البرية”.

في الشتاء، تكون المدينة مرآة للسماء وفي الصيف، يكسو الماء غلالة رقيقة من الملح كشغاف القلب، العجيب أن مدينة بأكملها تم تشييدها من الملح وهذه هي أصل قصة واحة “سيوة”. يسمي أهل الواحة المادة المستخدمة في البناء باسم “الكرشيف”، أما قلب واحة سيوة هي مدينة “شالي”، وكلمة “شالي” تعني عند أهالي سيوة الوطن أو البلدة والمدينة. هناك بنى السكان قرية محصنة فوق هضبة عالية.

ترى المساحات حول الواحة من كل زاوية. البلدة خاوية منذ عام 1820 والبيوت العصرية تزحف نحوها منذ عام 1985. من أعلى، يمكنك أن تتأمل البيوت وما تحمله من حظائر وعنزات ودجاج وكثير من الناس حول الباحات أمام البيت إضافة إلى سوق لعرض بعض المشغولات اليدوية، مثل أزياء النسوة ودمى العرائس والإبل.

تخريب المقابر

شيد أهالي سيوة بيوتهم ومقابرهم على قمم الجبال، وما يثير الحسرة هو ما تتعرض له هذه المقابر من نهب وسلب وتخريب من قبل الرحالة الذين جابوا الصحراء المصرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بالإضافة إلى لجوء الأهالي إلى المقابر للاحتماء من قصف الطائرات إبان الحرب العالمية الأولى والثانية ومنهم من جاء هاربًا من الغزو الإيطالي لليبيا.

عيون الواحة

يوجد في الواحة ثلاث عيون مشهورة وهي عين كليوبترا، وعين قريشات وعين أبو شروف. كل العيون هي أماكن استراحات ويوجد بها مطعم أومقهى. في أعلى كل واحدة تستطيع أن تلمح في بيوت كثيرة عيون مائية منزلية، ويؤكد الجيولوجيون أن “سيوة ترقد فوق بحر من المياه العذبة”، حيث يستطيع كل سيوي أن يدق “ماسورة مياه” على عمق 70 مترًا أو أكثر وهكذا يمكن أن تنبع عين في كل بيت.

النسوة في الواحة

النسوة في الواحة محتجبات، فمن تخرج تغطي وجهها تمامًا، وتعرف أنها متزوجة حين يكون غطاء الرأس والوجه أسود وهي تلبس الملاءة المطرزة باللون الأزرق، حين تخرج لمناسبات الزواج أو العزاء. وتعمل الفتيات في الواحة في مصانع التمور خاصة.

أما في الزفاف فترتدي العروس السيوية سبع طبقات من الأثواب ويكون الثوب الأقرب للجسد شفافًا، أبيض اللون، كما يرتدين قلائد فضية عريضة مزخرفة برسوم الشمس والتمر والنخل والأسماك، أما الشعر فتزينه قطعة من الفضة لها شكل هلال، ثقيلة الوزن، يغطيها شال حرير، له شرائط ملونة، تتدلى منه أطراف من الصوف المتعدد الألوان، الأسود للفرح أما الأبيض فهو للحزن.

مدينة ذات قداسة

في عصر عبادة آمون، كانت القرى متناثرة ولكن لها مركز واحد هو الأكروبول، معبد الوحي، وكانت تحيط به طبقات تعكس الحالات الاجتماعية للآلهة ثم النساء والأطفال ثم الجنود ومنازل الحرس. باختصار، سيوة هي مدينة الأساطير ومدينة الملح ومدينة القداسة ومدينة العيون العذبة والتقاليد العتيقة.