هل يقلب اجتماع الضاحية السريّ أولويات شيعة العراق؟

17 أبريل، 2016

فجأة تحولت أنظار العراقيين وحماستهم من ملفات الفساد التي عجز رئيس الحكومة حيدر العبادي عن حلها، إلى “إقالة” رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، من قبل بعض النواب، رغم أنّ هذا الأخير كان، تقريباً، خارج اللعبة برمتها؛ إذ لم يسمع اسمه في أيّ مظاهرة أو احتجاج أو ملف فساد.

على أن الاجتماع السري الذي يعقد في الضاحية الجنوبية بين مسؤولين شيعة قد قلب الأولويات وحوّل الأنظار؛ بغية “توحيد الرؤية الشيعية”.

ويعقد هذه الأيام اجتماع سري برئاسة حسن نصر الله، زعيم مليشيات حزب الله، الساعد الأيمن والأكثر نفوذاً لإيران في المنطقة، بحضور القيادات الشيعية العراقية البارزة على رأسها رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، الذي يبدو أنه بصدد الانتقام من غريمه العبادي، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ووكيل المرجع الشيعي علي السيستاني، جواد الشهرستاني، وممثلون عن الحشد الشعبي، وهي المليشيات الشيعية النافذة.

فطبقاً لما جرى تسريبه، فإن القيادة الإيرانية كلفت حسن نصر الله بالقيام بمبادرة توحيد الرؤية الشيعية في العراق، والانقلاب على الحكومة العراقية؛ من أجل “التفرغ للسعودية والخليج” لاحقاً.

أما “الفوضى” التي تجري في مجلس النواب، فهي محط استبشار من قبل المالكي، الذي غرد على حسابه على تويتر بالقول: إن “ما يجري داخل مجلس النواب هو حراك سياسي ناضج”، رغم معارضته في وقتٍ سابق الاعتصامات أمام المنطقة الخضراء، التي وصفها بأنها تهدف لإسقاط العملية السياسية، مبيناً أنه “لم يعد بالإمكان الاستمرار في الأخطاء التي عانت منها العملية السياسية”، على حد قوله.

وتعوِّل إيران على حزب الله اللبناني باعتباره ذراعها الأطول والأمضى والأكثر نفوذاً وقوة؛ لضبط إيقاع بقية المليشيات التابعة لها في العراق وسوريا واليمن والمنطقة، إذ تعتبر المهمة الجديدة غير معتادة للحزب الذي ولغ بدماء السوريين والعراقيين بشكل علني فظ.

نواب عراقيون اعتبروا أن هذه الخطوة هي “استهداف للمكون السني، وتجاوز على تمثيله في الحكومة العراقية، وانتهاك لكل المواثيق والتوافقات السياسية”.

وقالت النائبة عن ائتلاف العراقية، أكبر كتلة سنية، نورة البجاري: إن “هذا القرار هو استهداف لأهل السنة وتمثيلهم في الحكومة العراقية، بدليل أن رئيس الوزارء، حيدر العبادي، لم تتم إقالته وهو المتسبب الأول في أزمات العراق باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، واليوم أداروا المشكلة على رئيس مجلس النواب وهو لا يمتلك سلطة لتنفيذ مطالب المتظاهرين بالإصلاحات”.

وأضافت، في تصريحات نقلها موقع “الإسلام اليوم”، أن هناك جهات خارجية تقود هذه الحملة وتسعى لعرقلة عملية الإصلاح ومحاولة تدوير المشكلة؛ إذ لم يطالب المتظاهرون والمعتصمون بإقالة رئيس مجلس النواب أبداً؛ لكن ما حدث هو تشويه لعملية التغيير المرتقب وترك رئيس الوزراء والفاسدين في مناصبهم دون تغيير؛ بل هناك مطالبات بإبقاء رئيس الوزراء تحت ذريعة أن الوضع السياسي مرتبك ولا يسمح بإقالته.

وعن دستورية الإقالة، قالت البجاري: إن “النصاب لم يكتمل حيث أظهرت الكاميرات حضور 131 نائباً فقط، وهذا عدد لا يمكن له إقالة رئيس المجلس إذ يشترط الدستور العراقي موافقة نصف المجلس مع نائب واحد كي تتم عملية الإقالة وتكون دستورية، وهذا لم يحصل”.

وكان رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، قد رفض قرار إقالته، وأعلن استمراره في منصبه رئيساً لكجلس النواب، واستمرار المجلس في أداء دوره في التصويت واتخاذ القرارات التي تهم مصلحة الشارع العراقي، داعياً النواب إلى حضور الجلسة القادمة يوم السبت المقبل.

وقال الجبوري، في مؤتمر صحفي عقده في مبنى المجلس النيابي: “إنه لا ينبغي لمجلس النواب أن يكون مصدراً للأزمات في البلاد، بل هو مصدر لحل الأزمات”، مبيناً أن “هناك تهميشاً متعمداً لمكون أساسي من مكونات العراق”، في إشارة إلى السنّة، مطالباً باستيعاب كل المطالب وفق السياق القانوني.

من جانبه، قال الإعلامي أحمد الحاج: إن “هناك صراعاً سياسياً بين المالكي والعبادي، نجح النواب المعتصمون في مسعاهم الذي يحركه بشكل أو بآخر نوري المالكي- بحسب مراقبين- تحت يافطة إلغاء المحاصصة من خلف الكواليس؛ رغبةً منه في عزل رفيقه في حزب الدعوة حيدر العبادي”.

وأضاف: أن “العراق سيدخل في نفق مظلم آخر لم يكن بالحسبان، ودوامة جديدة تسير به إلى الهاوية بخُطا متسارعة من غير كوابح دولية أو إقليمية؛ ربما لأنها جاءت متوافقة مع السيناريو الذي وضعته سلفاً لتقسيم العراق، مع رَكن مطالب المتظاهرين المشروعة على الرفوف لحين انتصار أحد طرفي النزاع على الآخر”.

وتابع الحاج: “إن هذه مسرحية نجحت حتى الآن في تشتيت الأنظار عن مئات آلاف من ملفات الفساد التي تدين وبالوثائق والأدلة أعضاء بارزين في مواقع المسؤولية، وسدة الحكم”.

وقدّم العبادي، الأسبوع الماضي، تشكيلة تضم 14 اسماً؛ أغلبهم أكاديميون، ضمن إصلاحات تهدف إلى تحرير الحكومة من قبضة القوى السياسية، لكنه قدم في جلسة الثلاثاء، تعديلاً على التشكيلة لتضم مرشحين من الكتل السياسية، بخلاف الاتفاق الذي تبناه مقتدى الصدر وأحزاب سياسية أخرى بتشكيل حكومة كفاءات بعيدة عن الكتل السياسية.

ويبدو أن الخطة الإيرانية التي يعمل نصر الله والقيادات الشيعية على تطبيقها، تجري على قدم وساق، في حين يزداد تغوّل الفساد في العراق، وتعمل الطائفية التي تنخر المجتمع العراقي بلا هوادة.