هل تعود “الثورة” لمصر؟
19 أبريل، 2016
“شركاء يناير” اجتمعوا على مطلب رحيل السيسي بعد عامين من الصراعات بينهم
محمد الشبراوي –
ما بين عشية وضحاها، عادت مشاهد من ذكري ثورة يناير 2011 للشارع المصري أمس 15 أبريل 2016 .. قنابل الغاز المسيل للدموع تطلق من فوهات البنادق مرة أخرى، وطلقات الخرطوش؛ وصافرات مدرعات الشرطة، والاعتقالات، ومشهد الصلاة في الميدان، والوقوف أمام جحافل قوات الامن برفع علامة النصر.
صحيح أن عامي 2013 و2014 شهدا مظاهرات صاخبة قام بها الاخوان وحدهم مع تيارات اسلامية صغيرة أخري، وغاب التظاهر في الميادين الكبرى بسبب تعمد الشرطة إطلاق النار بهدف القتل، كما غابت المظاهرات أكثر من عامين بالميادين، بعد تفعيل قانون التظاهر، إلا أن مظاهرات جمعة “الارض” في مصر أمس الجمعة أعادت إنتاج مشاهد الثورة السابقة بشعاراتها وأبرزها “أرحل” و”الشعب يريد اسقاط النظام”.
ما جري أمس وصمود المتظاهرين في وسط القاهرة أمام نقابة الصحفيين بعد تفريقهم من مظاهرات مختلفة وإعادة تجمعهم بوسط القاهرة، هو “بداية لانهيار جدار الخوف” من قمع وقتل وتعذيب الشرطة، بحسب ما يراه محللون.
عودة “شركاء يناير”
فلأول مرة يخرج المتظاهرون من الشباب ومعهم كبار السن الذين كانوا في الاعوام السابقة يعنفون هؤلاء الشباب لتظاهرهم ضد السيسي ويصفونهم بالخونة، ولأول مرة تتكرر هتافات “إيد واحدة” ولا يصدر هتاف من فصيل سياسي محدد بالرغم من مشاركة إخوان مع أغلبية من الليبراليين واليساريين وغير المنتمين في وسط القاهرة.
وكان من الملفت قول مغردون أنه “بغض النظر عن نتائج المظاهرات، فالمهم أن “شركاء يناير” اجتمعوا على مطلب رحيل السيسي وهو ما يبشر بقرب سقوطه”.
ما أخرج المتظاهرين الي الشارع ليس اتفاق مصر والسعودية على تسليم جزر تيران وصنافير، فقط، ولكنه تراكم السجل القمعي لأجهزة الامن بمعارضيها من الاسلاميين والليبراليين واليساريين على السواء، والفشل الاقتصادي وفشل كل الانجازات التي سعي لها السيسي وتدهور أحوال مصر داخليا وخارجيا.
لهذا لم تكن مصادفة أن ترفع سيدة كبيرة السن وسط المتظاهرين بالقاهرة لافتة تطالب بحق الايطالي ريجيني وحق الخمسة الذين قتلتهم الشرطة واتهمتهم بسرقة متعلقات ريجيني، ولم تكن مصادفة أيضا أن يربط المتظاهرون شعارات الارض بالخبز والحرية.
انهيار جدار الخوف وقانون التظاهر
فالإحباط أصاب الجميع بعد سنتين من حكم السيسي، وسياساته التي تعيد إنتاج نظام مبارك بكافة صوره القمعية، وحبس الشباب وعدم تحقيق الطموحات التي رفعها الثوار، وهو بداية لانهيار جدار الخوف الذي أراد النظام أن يبنيه بين الثوار والشارع، واستمراره (25 أبريل المقبل) في عيد سيناء سوف يهدم المزيد من هذا الجدار.
ربما لهذا لم تحاول السلطات الامنية فض مظاهرة نقابة الصحفيين بالقوة وصبرت عليها قرابة 8 ساعات، حتى تضخم عدد المتظاهرين، ولم تطلق قنابل الغاز إلا بعد انصراف أغلبية المتظاهرين متوعدين بالعودة يوم 25 أبريل ذكير تحرير سيناء، كما أطلقت سراح حوالي 90 من قرابة 110 اعتقلتهم في المظاهرات ربما كبادرة حسن نية لعدم إغضاب المتظاهرين.
المعتقلين اليوم في تظاهرات جزيرتي تيران وصنافير وجاري التحديث وعددهم ١١٠
الجمعة 15 أبريل 2016#جمعة_الارض pic.twitter.com/ggxidMtxzV— اكسر كلابش (@breakcuffsegy) April 15, 2016
وكان صحفي الحوادث مصطفى امير، قال إن “تعليمات صريحة وواضحة وصلت ﻷقسام الشرطة بالإفراج عن من تم القبض عليهم في تظاهرات الجمعة لتهدئة الأمور” تبعها بالفعل الإفراج عن عدد كبير منهم باستثناء الاخوان.
وقد يكون هدف السلطة من هذا هو إعادة ترميم جدار الكراهية الذي سعت السلطة لبناءه بين ثوار 25 يناير الذين انقسموا عقب انقلاب السيسي، بين التيار الاسلامي والتيارات اليسارية والعلمانية، إذ أن تعامل الامن مع مظاهرات الاخوان يكون بالرصاص الحي وقنابل الغاز والخرطوش والاعتقالات والضرب، بينما تعاملهم مع متظاهري مظاهرة نقابة الصحفيين بدأ بالتفاوض حتى انصراف الجزء الاكبر قبل إطلاق الغاز على من تبقي.
أما الاهم من اسقاط جدار الخوف، فهو إسقاط قانون التظاهر نفسه، حتى ان قوات الشرطة وقفت تتفاوض مع قادة المظاهرات ومنهم المرشح الرئاسي السابق خالد علي، قبل ان تطلق الغاز علي من تبقي من المتظاهرين، واضطرار الداخلية لوقف تحرك المتظاهرين بانه وطني ضمنا قبل المظاهرات وعدم وصفهم بانهم ارهابيين كما جرت العادة.
السوشيال ميديا فضحت الاعلام الحكومي والخاص
وبرغم أن مشهد التظاهرات المتكررة في أكثر من مكان وتعامل الأمن معها أعاد للأذهان مشاهد يناير الأولي قبل 5 سنوات من الآن والتي كانت قد اختفت من مصر، ما يمكن وصفه بالدخول مرة أخري على خط الربيع العربي، فقد تعامل معها الاعلام الحكومي والخاص بنفس اسلوب تعامله مع ثورة يناير عبر التجاهل وادعاء أن البلاد يسودها الهدوء والتركيز على برامج الطبيخ ومباريات الكرة والمسلسلات.
وحتى قناة الجزيرة التي كان لها الفضل في التغطية المكثفة لثورة يناير 2011، غابت عن تغطية مظاهرات “جمعة الارض” بصورة كبيرة، ومع أن علمانيين مثل باسم يوسف ربط الامر بتغطية الجزيرة فقط لمظاهرات مؤيدة لعودة الرئيس محمد مرسي، إلا أن الحقيقة هي عدم رغبة قطر في إغضاب السعودية لو هي قامت بالتركيز على غضب المصريين من تسليم الجزر لها.
يوم من أيام ثورة يناير.. الثورة المصرية تستعيد زخمها بخروج آلاف المحتجين ضد نظام #السيسيhttps://t.co/cbL6MLnknJ
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 15, 2016
وبرغم خروج مظاهرات من عدة مساجد في المحافظات، والقمع الامني واستمرار مظاهرة نقابة الصحفيين قرابة 8 ساعات بخلاف المطاردات في وسط القاهرة، فقد تعمدت صحف رجال الاعمال والفضائيات تجاهل الحدث تماما، باستثناءات قليلة.
والاغرب أن بعض الصحف والفضائيات ركزت على مظاهرة محدودة لعدد من مؤيدي اتفاقية ترسيم الحدود بالإسكندرية قرب مسجد القائد إبراهيم لدعم قرار السيسي.
ازاى يحكمني السيسي ..اقوي اغنية تستعيد روح ثورة25 يناير https://t.co/1ypus95gWs
— Zein Tawfik (@zeintawfik) April 15, 2016
وحتي الصحفيين الذين خرجوا للتغطية لم يسلموا واعتقل منهم قرابة 17 صحفي واصيب مصور في امبابة بالرصاص الخرطوش.
ولولا التغطية التي قام بها المتظاهرون أنفسهم وداعميهم علي مواقع التواصل والبث الحي للمظاهرات عبر مواقع النت، لما انتبه لها أحد.
ويبدو أن الفائز الاكبر هو السوشيال ميديا التي نجحت في نقل الحدث واثببت انها هي الاعلام الحقيقي اعلام المواطن بينما صحف رجال الاعمال وفضائياتهم سقطوا كلهم في الامتحان حينما تجاهلوا تظاهر الالاف في الشوارع.
ربما، لذلك سعي مستخدمي السوشيال ميديا للسخرية من الاعلام الرسمي والخاص ومن زيارة السيسي لوادي الجلالة وحديثه مع بعض الشباب المؤيدين له، قائلين له: «حضرتك فيه مظاهرات.. انت قاعد تعمل إيه هنا؟».
حجم التظاهر.. بداية لثورة
بالرغم من أن المظاهرات لم تكن بالصورة المتوقعة من حيث الكثافة، إلا أنها ايضا لم تكن بالصورة التي توقعها مؤيدي النظام وقولهم “محدش نزل”، بل وفاجأت العديدمن المراقبين الذين وصفوا يوم أمس بأنه “يوم فارق”.
فقد خرجت قرابة 100 مظاهرة في 10 محافظات على الاقل ومن مناطق خرجت منها هذه المظاهرات مثل مسجد الاستقامة الذي خرج منه مظاهرات 25 يناير بقيادة الدكتور محمد البرادعي، وأمام نقابة الصحفيين، كما تظاهر كثيرون في وسط القاهرة وقرب ميدان التحرير بأعداد كبيرة اضطرت الامن للتعامل معهم بحرص خشية أثارة الغضب وثورة أكبر.
وبالرغم من الإجراءات الأمنية الصارمة، انطلقت مسيرات احتجاجية من 30 مسجدا في أنحاء البلاد بعد صلاة الجمعة، للتعبير عن الغضب.
ما شهدته مصر يبدو بالتالي يوم من أيام ثورة يناير، يؤشر لأن الثورة المصرية تستعيد زخمها بخروج آلاف المحتجين ضد نظام السيسي، وأن روح الثورة تدب في جسد المصريين من جديد، وأن البركان خصوصا أن هناك موعد أخر للتظاهر يوم 25 أبريل والأعداد غالبا ستزيد بعدما حفزهم ما شهدته جمعة 15 أبريل.