ناج من فرع الأمن العسكري بدمشق يروي مشاهداته كما لو أنها تحصل أمامك

25 أبريل، 2016

مراد القوتلي – خاص السورية نت

تنشر “السورية نت” الجزء الثاني من شهادة المعتقل السوري عمر الشغري، الذي أمضى عامين و8 شهراً في 11 مركز اعتقال، وكان الجزء الأول الذي نشر أول أمس قد تحدث عما رآه عمر وعايشه في فرع الأمن العسكري بطرطوس، قبل صوله إلى ذات الفرع في دمشق.

في طابق تحت الأرض استقبل المساعد “أبو علي” المعتقل عمر وآخرين قدموا إلى فرع الأمن العسكري بدمشق المعروف باسم الفرع 251، هنالك شاهد عمر أقسى أنواع التعذيب، وفي نفس الوقت سمحت له الظروف بالاطلاع على جانب من الجرائم المروعة التي ترتكب بحق المعتقلين في هذا المعتقل بالذات.

يقول عمر: “بعد وصولنا وفي طريقنا إلى المهجع المسمى 8 خشب، مررت بالقرب من الحمام، رأيت فيه معتقلين بلا ملابس، كان وزنهم 30 كيلو غرام، بعضهم يبدو أنه تعرض للسلخ، وبعضهم الآخر رأيت الدود يتحرك فوق جروح أجسادهم بسبب الإهمال الطبي، كما شاهدت معتقلين كانت عظامهم بارزة”.

يعيش المعتقلون عذاباً دائماً في المهاجع، حيث يعيش 90 معتقلاً في غرفة تصل مساحتها طولاً وعرضاً إلى نحو 9 أمتار، لذلك يتناوب المعتقلون على الجلوس والوقوف كل 4 ساعات. كما أن رؤساء المهاجع (وهم معتقلون سابقون في فرع الأمن العسكري) “يتعاملون بوحشية مع المعتقلين”، حسبما يقول عمر.

التصفية بـ إبر الهواء

يعرف عن فرع الأمن العسكري بدمشق أنه من أكثر الفروع الأمنية وحشية في تصفية المعتقلين بلا هوادة، وفيه ما يزال مصير آلاف المعتقلين مجهولاً حتى الآن.

تصل الإبر الطبية إلى فرع الأمن العسكري بدمشق ليس لمداواة المعتقلين، بل لقتلهم بها. ويقول عمر إنه كان شاهداً على الكثير من المعتقلين الذي قتلوا باستخدام إبر الهواء.

ويوضح أن أمر التصفية بالإبر كان يأتي من رئيس الفرع مروراً بمدير السجن، ثم السجان، وصولاً إلى السخرة التي كانت تطبق أمر التصفية بمساعدة طبيب وهو معتقل سابق اسمه قصي شحود من مدينة حماه، بالإضافة إلى ممرض من مشفى تشرين العسكري 601.

وتدرج في معتقل الأمن العسكري تسمية “سخرة مدير السجن”، ويقصد بها الشخص السجين الذي يستخدمه الضباط لخدمتهم، كان من بين أصدقاء عمر في المعتقل واحد من “سخرة المدير”، نقل عنه عمر قوله: إن “مدير السجن هو من يحدد أسماء المعتقلين الذين سيقتلون بإبر الهواء”.

صباح الموت

تكرار عمليات تصفية المعتقلين بإبر الهواء، شكلت معرفة لدى المعتقلين بوقت تنفيذ الإعدامات، حتى بات الأشخاص الذين تذاع أسماؤهم في فترة محددة من اليوم يعرفون أنهم ذاهبون إلى الموت، وهو عذاب نفسي خلال دقائق لا يقل قسوة عن القتل بإبر الهواء.

يقول عمر: “تتزامن عمليات القتل بإبر الهواء مع إخراج جثث بقية المعتقلين القتلى من فرع الـ 215، هذا الأمر يحصل قبل الساعة الثامنة صباحاً بنصف أو ربع ساعة، تأتي الأسماء، يؤخذ المعتقلين إلى غرفة التصفية، يقتلون هناك بالإبر وترحل جثثهم فوراً مع بقية الجثث الأخرى”.

ويضيف عمر أن “المعتقل كان يعلم أنه ذاهب للتصفية بالإبر بمجرد أن يذاع اسمه، وتوضع القيود في يده على باب الزنزانة، وتغطى عينيه بقماش أسود، لأنه كان معلوم لنا أن السجانين لا يضعون القماش الأسود على عيني المعتقل إلا عندما يصل لغرفة التحقيق”.

يتولى الطبيب شحود بشكل أساسي تنفيذ الإعدامات بإبر الهواء، ووفقاً لشهادة عمر تجري التصفية في الطابق الأرضي في مكان يطلق عليه اسم “أسفل الدرج”، حيث يوضع المعتقل المكبل على الأرض، ويأتي الطبيب بإبرة معبئة بالهواء، يغرسها في وريد بالرقبة، تمضي دقيقتان والمعتقل في حالة احتضار حتى يأتيه الموت. ويقول عمر: “بعض المعتقلين يتجاوزون الدقيقتين فيقوم السجانون بطق رقابهم كي يموتوا”.

يروي عمر قصة اثنين من أصدقائه في المعتقل، هما “الشيخ رضوان عيسى أبو طلحة معتقل منذ العام 2008، والشيخ أبو براء معنية، القائد السابق لحركة أحرار الشام في الزبداني بريف دمشق سابقاً”، ويقول إنهما قتلاً بالتصفية عبر إبر الهواء، بعدما اقتلع السجانون أعينهما وأذابوا أظافرهما بالأسيد.

قتلى كثر

في الطابق الموجود أسفل الأرض حيث كان عمر، يخرج السجانون يومياً جثامين 40 -50 معتقلاً قضوا تحت التعذيب، وهؤلاء وفقاً لعمر يموتون إما جراء الضرب، أو بسبب الأمراض التي تنهش أجسادهم خصوصاً عندما تكون الجروح مليئة بجسد المعتقل وتتعرض للجراثيم.

وبحسب شهادات عمر كان هنالك رقم يومي ثابت لأعداد القتلى من المعتقلين، وفي حال عدم اكتماله يعمل السجانون على قتل عدد من المعتقلين لا على التعيين لإكمال العدد.

استطاع عمر الحصول على هذه المعلومات بسبب معرفته الجيدة بطبيب معتقل اسمه إبراهيم القاضي استخدمته إدارة السجن في ترقيم جثث المعتقلين الموتى، وعبر الطبيب عرف عمر معلومات عن غرفة اسمها “غرفة العزل”، وفيها يوضع المعتقلون المرضى بلا أكل ولا ماء حتى يموتوا، كما يوضع فيها المعتقلون المصابون بأمراض معدية حتى يتوفوا، كي لا ينقلوا المرض لغيرهم.

دماء المعتقلين داخل أجسادهم كانت هي الأخرى هدفاً لإدارة فرع الأمن العسكري، إذ يقول عمر: “كانت تأتي إلى إدارة الفرع أوامر بأخذ عينات من دماء المعتقلين وإرسالها إلى المخابر لتحليلها، ومن كان دمه صالحاً يتعرض إلى سحب دم من أجل إعطائه للجنود المصابين في قوات النظام، أما من كان دمه فاسد فيأتي الأمر بتصفيته”.

كاد عمر أن يكون أحد الأشخاص الذين سيحكم عليهم بالموت عبر إبر الهواء، لكن معارف له دفعوا مبلغاً مالياً كبيراً حتى يبقوه بعيداً عنها، حسبما قال.

ويختم عمر شهادته في هذا الجزء بالإشارة إلى أنه كان شاهداً بعينيه على ضرب معتقلين من قبل السجانين حتى الموت، ويلفت إلى استخدام السجانين لمعتقلي “السخرة” في قتل بقية المعتقلين، وقال: “كان السجان يدخل إلى الزنزانة ويقول للسخرة أحضر لي فلان جثة ميتة، يضطر سجين السخرة لتنفيذ الأمر ويقتل أحد المعتقلين على الفور”.

ويضيف: “كل يوم كنا نرى المعتقلين وهم يموتون أمامنا”.

في الجزء الثالث من شهادة عمر، سيدلي الأخير بما رآه عن اعتداءات جنسية يتعرض لها المعتقلون ذكوراً وإناثاً، كما سيتحدث عن أحد أهم الخفايا التي تكتم عنها فرع الـ 215، حيث أعلن المعتقلون استعصاءً كلف الكثيرين منهم حياتهم.

25 أبريل، 2016