طريق تنفيذ رؤية السعودية لمرحلة ما بعد النفط ليس مفروشاً بالورود..
26 أبريل، 2016
قوبل إطلاق الحكومة السعودية لخطة اقتصادية طويلة المدى بناء على الانخفاض الحالي لأسعار النفط بحفاوة، لكن من المتوقع أن تخوض المملكة تحديات كبرى تضعها أمام اختبار جاد في ظل تراجع أسعار النفط وعدم فعالية تجارب سابقة، ما يجعل الطريق ليس مفروشاً بالورود.
تعتمد “رؤية السعودية 2030” التي أعلن عنها اليوم الإثنين 25 أبريل/ نيسان 2016، ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على تنويع مصادر الدخل قبل أن تنضب الأموال من خزينة الدولة.
6 ملايين وظيفة
وأظهر تحليل لمجموعة ماكينزي الاستشارية، أنه بإمكان السعودية مضاعفة الناتج القومي لها وخلق 6 ملايين وظيفة بحلول عام 2030، إذا وجهت تركيزها تجاه القطاعات غير النفطية، وتشمل الصناعة والتعدين والسياحة والرعاية الصحية والمالية
عقبات سياسة تنويع الموارد
وكانت الرياض قد بدأت في اتخاذ سياسات لتنويع مواردها منذ خطتها الخمسية الأولى عام 1970، إلا أن العقبات الهيكلية دائماً ما أعاقت ذلك التقدم، وهي المشكلة ذاتها الموجودة حالياً، وهذا ما حذر منه ستيفان هيرتوغ، الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد.
يقول هيرتوغ إن العقبة الأساسية حالياً، هي أن الاقتصاد السعودي بجميع أركانه يتغذى بطريق مباشر أو غير مباشر على الإنفاق الحكومي، ومع وجود قرابة ثلثي القوى العاملة في القطاع العام، فإن معظم الإنفاق يأتي من سعوديين يتقاضون رواتبهم من الحكومة، وحجم الأجور المدفوعة للسعوديين من القطاع الخاص لا يمثل سوى 4% من الناتج المحلي.
ويواصل هيرتوغ قائلًا “لذلك، يعتبر الموقف تقشفياً، أي أنه مع انخفاض أسعار النفط، يجب أن ينخفض معه إنفاق الدولة، ما يؤدي بشكل مباشر إلى انخفاض الإنفاق المحلي ويؤثر بشكل مباشر على القطاع الخاص، وسيكون من الصعب للصناعات الخاصة أن تزدهر في ظل الهيكل القائم حالياً”.
ويضم القطاع الخاص -الذي يشمل صناعات كبرى كالبناء والعقارات والكهرباء والاتصالات- 80% من العاملين الأجانب، وأغلبهم من القادمين من الدول النامية، وتمثل الرواتب المتدنية التي يحصل عليها هؤلاء حاجزاً بالنسبة للمواطنين السعوديين للعمل في تلك الوظائف، حيث يميل المواطنون إلى العمل في الوظائف الحكومية ذات الرواتب العالية نظراً لكونها فرصة عمل مضمونة ومستقرة.
خلال الأعوام الماضي، حاولت الدولة نشر فكرة “السَّعودة” أو تفعيل عمل المواطنين في الوظائف التي تتطلب عاملين مهرة في القطاع الخاص، إلا أن التقدم في هذا الأمر ما زال بطيئاً.
العمالة الأجنبية
وتعد الإصلاحات في سوق العمالة، أمراً ضرورياً للغاية بالنسبة للخطة الوطنية لتنويع الدخل؛ بحسب ما ذكره صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2016.
وجاءت أهم توصياته لتشمل تشديد الرقابة على توزيع فرص العمل والأجور في القطاع العام، والتركيز على تعليم المهارات التي يحتاجها القطاع الخاص، وزيادة التنافسية بين المواطنين في القطاع الخاص، إلا أن الخطة الجديدة “رؤية السعودية 2030” لم تتضمن سياسات محددة لحل مشكلة الفجوة بين القطاعين العام والخاص بحسب ما ذكره هيرتوغ.
الشفافية
مضاوي الرشيد، الأستاذة السعودية الزائرة بالجامعة الوطنية بسنغافورة، تشير إلى أن هناك حاجة إلى الشفافية والمحاسبة، إذ تعد من أكبر العوائق أمام توسع القطاع الخاص، حيث تقول “نحن لا نعرف ما هي المشكلات الحقيقية، لا نعرف بشكل كامل ما هو القطاع الخاص، ولا نعرف حجم النفط فيها لأن هذا أمر سري”.
وعلى الرغم من التحديات الكبرى التي تواجه عملية الإصلاح، ما زال بعض المستثمرين يشعرون بالتفاؤل بشأن الآفاق السعودية القادمة.
يقول ريتشارد تيثرينغتون، مدير الاستثمار لأسهم الأسواق الناشئة لدى «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول “نحن نستثمر في السعودية منذ سنوات، وهي واحدة من الأسواق التي نظن أن الكثيرين لا يعطونها حقها”، في الوقت الذي وصف فيها خطة “رؤية السعودية 2030″ بـ”المشجعة”.
وأضاف أن الجميع اعتادوا التفكير في السعودية على كونها دولة ترتبط بالنفط فقط، ولكن محلياً، البنوك والشركات أيضاً مثيرة للإعجاب، و”السعودية هي سوق نشعر بكثير من التفاؤل إزائها”.
صعوبة التحول عن النفط
البروفيسور غريغوري غوز الأستاذ في جامعة Texas A&M الأميركية قال بحسب قناة بلومبيرغ قال “إن الانتقال والتحول من اقتصاد قائم على النفط إلى غيره أمرٌ من الصعوبة بمكان، ولقد مضت عقودٌ فيما يتحدث السعوديون عن هذا الانتقال من دون إحراز تقدم كبير، ولهذا فإن خطة محمد بن سلمان قد تولت الأمر وسهلته عليهم.”
إعادة هيكلة الدعم الحكومي
وفي البرنامج التنموي الجديد جزء يهدف إلى بيع حصة أقل من 5% من شركة آرامكو السعودية وتأسيس أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم.
كذلك تنوي السلطات اتخاذ بضعة تدابير وخطوات أخرى لإعادة هيكلة الدعم الحكومي للأسعار، فضلاً عن فرض ضريبة قيمة مضافة وأخرى على مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية وجملة من سلع الرفاهية.
وبعد 45 يوماً من إعلان الإثنين 25 إبريل/نيسان 2016 سيتم إطلاق برنامج التحول الوطني، الذي سيعنى بدفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وجذب المستثمرين ومحاسبة مؤسسات الدولة ومكاتبها.
وكان صندوق النقد الدولي قد قال في دراسة صدرت عام 2014 أن دولاً أخرى تعتمد على النفط قد نجحت في تقويم وإصلاح اقتصادها؛ لأنها بدأت خطط الإصلاح قبل هبوط عائدات الخام، ما يعني أن الوقت ربما يكون قد فات على الدول العربية المنتجة للنفط لتغتنم الفرصة الكبرى المواتية للاستغناء عن النفط عندما كانت أسعاره مرتفعة.
وبعد مضي عقود طويلة من المناقشات والمباحثات بشأن تنويع الاقتصاد ما زال 70% من عائدات الحكومة السعودية يأتي من النفط عام 2015، وما زالت الدولة توظف ثلثي العمالة السعودية فيما يمثل الموظفون الأجانب 80% من موظفي القطاع الخاص.
وقال البروفيسور غوز “إن القضية هي في حث القطاع السعودي الخاص على تشغيل وتوظيف المواطنين بشكل لا يضر بميزانيته وحساباته؛ لأن معظم شركات القطاع السعودي الخاص تتبنى نموذجاً قائماً على العمالة الأجنبية الرخيصة”.
تأييد شعبي
المحلل السياسي في مؤسسة JTG Inc للدراسات والاستشارات الاقتصادية “فهد ناظر”، سبق وعمل في السفارة السعودية بواشنطن، قال “هنالك وعي وسط صفوف الشعب السعودي بأن التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة ليست سهلة، وتحظى خطة الأمير محمد بشعبية واسعة بين السعوديين لأن 70% من الشعب السعودي هم من دون سن الـ30، ولأن الأمير محمد يميل إلى الحسم في اتخاذ القرارات ومحاسبة المسؤولين على أدائهم أو سوء أدائهم”.
في الماضي تحاشى كل حكام السعودية إلى حد بعيد أي محاولة للتحصيل الضريبي من المواطنين الذي يعود على الميزانية بالدخل؛ وبعد ما ارتفعت أسعار الماء إثر خفض الدعم الحكومي، لجأ السعوديون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير والتنفيس عن غضبهم، فكان أن أقال الملك سلمان وزير المياه.
كذلك تواجه المملكة عقبات اجتماعية فريدة لم تواجهها أيٌ من الدول الأخرى التي طبقت خطط التغيير الاقتصادي. فمثلاً اتخذت المملكة عدة تدابير لزيادة انخراط المرأة في سوق العمل، لكن مع ذلك ما زالت قيادة المرأة للسيارات محظورة في المملكة.