رؤية السعودية 2030.. امتلاك ثالث قوة عسكرية في العالم
28 أبريل، 2016
“هل يعقل أن الجيش السعودي هو ثالث أكبر جيش في الإنفاق العسكري عالمياً فيما تقييمه متراجع إلى المرتبة 20؟ وهل يعقل ألا يكون في المملكة صناعة عسكرية داخلية؟”، سؤال جريء طرحه ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ويحمل صدوره من قبل الأمير الشاب الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، دلالة كبرى باستشعار قيادة المملكة العربية السعودية لأهمية رسم سياسات جديدة كلياً فيما يخص هذا القطاع الاستراتيجي.
– خلل في التوازن بين الإنفاق والقدرات
وزير الدفاع السعودي أقرّ، في حديث لـ”العربية” بثّ الاثنين 4/25، بوجود “خلل” في التوازن بين الإنفاق المرتفع جداً والقدرات التي لم تجارِ حجم ذاك الانفاق؛ ما أسفر عن انخفاض ترتيب الجيش أمام جيوش أخرى أقل إنفاقاً بكثير، وقال: “نعم، نحن ننفق أكثر من بريطانيا، أكثر من فرنسا، وليست لدينا صناعة. لدينا طلب قوي على الصناعات العسكرية يجب أن نلبيه داخل السعودية،.. إنه تحدي”.
وتعتبر السعودية الثالثة في الإنفاق العسكري بواقع 87 مليار دولار، متجاوزة بذلك روسيا التي احتلت المرتبة الرابعة مكتفية بإنفاق 66 مليار، وبريطانيا العظمى في المرتبة الخامسة بواقع 55 مليار، والهند سادسة بواقع 51 مليار، وفرنسا سابعة بواقع 50 مليار، وهذا خلال العام المنصرم 2015.
وصرفت السعودية خلال خمس سنوات 70 مليار دولار على التسلح، في حين أن مشتريات كل من وتركيا وإيران ودولة الاحتلال “إسرائيل” مجتمعة تبلغ 42 مليار دولار.
وأشار محمد بن سلمان إلى أن المملكة تعمل على “إعادة هيكلة العديد من الصفقات العسكرية التي تبرمها السعودية مع جهات خارجية، بحيث تكون مرتبطة بصناعة سعودية”.
ويشير الأمير بتصريحه هذا إلى إقدام المملكة على إجراء عقودها بطريقة ما يُسمى بعقود “أوفسيت” Offset agreement أو العمليات المتقابلة، التي تجبر المزودين الأجانب على الاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية، حتى يتسنى لهم تجنب مزيد من التكاليف الباهظة، ومن ثم سينعكس كذلك على تزويد العاملين المحليين بمزيد من الخبرة المعرفية المتطورة.
وكشف أن المملكة الآن “بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100% للحكومة، تطرح لاحقاً في السوق السعودي أيضاً “للشفافية”. حيث يكون المواطن مطلعاً على الصفقات العسكرية وأداء الشركة وعلى المبيعات وعلى الصفقات والصناعات في الشركة بشكل واضح وعال جداً”. متوقعاً أن يعلن عنها في أواخر 2017.
وبغصّة واضحة، كرر محمد بن سلمان القول: “عندنا مشكلة في الإنفاق العسكري. غير معقول، نحن ثالث أو رابع أكبر دولة في العالم تنفق في المجال العسكري، وتقييم جيشنا في العشرينات. في خلل!”، في إشارة إلى عزمه على ما يبدو إلى الوصول بقدرات الجيش السعودي إلى المرتبة الثالثة بدلاً من 20، تماماً كما أن مرتبة البلاد هي الثالثة بالإنفاق.
وحول أوجه الخلل الذي تحدّث عنه، ضرب الأمير مثلاً بالقول: “عندما أدخل مثلاً قاعدة في السعودية أجد الأرض مبلطة بالرخام، والجدران مزخرفة، والتشطيب خمس نجوم. وأدخل قاعدة في أمريكا أرى الأنابيب للسقف، وأشوف الأرض لا فيها لا سجاد ولا رخام، أسمنت عملي. ففي هدر في الإنفاق عال جداً. سوف يعطينا فرصة لرفع مستوى الأجهزة الأمنية والجيش السعودي وفي تخفيف الإنفاق في المجال العسكري والأمني”.
– ملامح رؤية التصنيع العسكري
وكشفت “رؤية السعودية 2030” التي أقرها مجلس الوزراء السعودي، الاثنين، وأعلنت ملامحها العامة، عن أربعة سيناريوهات من المتوقع أن يشتمل عليها تطوير “الصناعات العسكرية” في السعودية؛ وهي: توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50% مقارنة بـ2% حالياً، وتوسيع دائرة الصناعات المتقدمة مثل صناعة الطيران العسكري، وإقامة المجمعات الصناعية المتخصصة في المجال العسكري، وتدريب المواطنين وتأهيلهم للعمل في مجال القطاعات العسكرية.
الدكتور خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي، قال في حديث سابق لـ”الخليج أونلاين”، إن المملكة العربية السعودية الآن ليست كما كانت سابقاً؛ حالياً هناك توجه لدى المملكة لإقامة صناعات عسكرية ومنظومة أمنية وطنية متطورة لدول الخليج في السعودية، حيث تسعى على المدى القريب إلى توفير نحو 50% من صناعاتها الدفاعية الحالية، لوجود الإمكانيات المادية اللوجستية في السعودية.
وأضاف الأكاديمي السعودي والأستاذ الجامعي في جامعة الملك سعود سابقاً، أن الرياض مقبلة على توقيع مزيد من الاتفاقيات مع الشركات العالمية لإقامة مصانع على أراضي المملكة، على أن تعمل تلك المصانع بأيادٍ محلية، كما أن هناك توجهاً لدى حكومة الرياض إلى دعم منظومة دول الخليج من هذه المصانع لتطوير منظوماتها الدفاعية والعسكرية خلال السنوات القادمة، وللحد من الاعتماد على الشركات الخارجية.
الدخيل أشار، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن المملكة لن تستطيع الاستغناء عن الدعم الخارجي على المستوى القريب، لكن برنامج “التحول الوطني” في الاقتصاد والأمن والتجارة والاستثمار والطاقة والصناعات الدفاعية، الذي تسير الرياض ضمن خططه للاستفادة من القطاعين الخاص والعام وتحقيق أهداف المملكة، سيمكنها بالنهاية من التأثير أكثر في الملفات الإقليمية، وتعزيز دورها إقليمياً ودولياً أكثر.
– واقع التصنيع في المملكة
تعتبر المملكة العربية السعودية من أولى الدول العربية التي تنبهت لأهمية التصنيع المحلي في المجال العسكري، وأنشأت المؤسسة العامة للصناعات العسكرية عام 1949 في محافظة الخرج. وافتتح الملك سعود أول خطوط إنتاجها سنة 1953، وفي عام 1985 دمجت الرياض مصانعها الخمسة في المؤسسة العامة للصناعات الحربية، حيث عملت المؤسسة على إنتاج أسلحة خفيفة ومتوسطة بذخائرها، وتجميع دبابة ليوبارد وتطويرها بالتعاون مع ألمانيا، وتجميع قطع غيار وهياكل الطائرات بالتعاون مع شركة بوينغ الأمريكية، فضلاً عن إنتاج أجهزة الاتصالات.
وكان آخر ما أضيف من خطوط إنتاج في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز هو خط إنتاج للبندقية (جي 36)، ومشروع الطائرات من دون طيار (لونا)، ومشروع عربات النقل العسكرية، وذخائر المدفعية الثقيلة.
وبالرغم من ذلك، فإن الصناعات العسكرية السعودية لم تف بأكثر من 2% من الحاجة المحلية، في حين شهدت الفترة الأخيرة إبرام اتفاقات وتطورات هامة بهذا الشأن.
وشهد معرض القوات المسلحة “أفد”، الذي استضافته الرياض الأحد 21 فبراير/ شباط 2016، لدعم توطين تصنيع قطع الغيار، توقيع أكثر من 5 اتفاقيات مع شركات عالمية رائدة بمجال التقنية والصناعة العسكرية والفضائية، لتأسيس شركات في المملكة متخصصة في نقل وتوطين تقنيات صناعات الطائرات العسكرية والمدنية والأقمار الصناعية والرادارات والطاقة النظيفة.
وخلال المعرض كشفت الرياض عن عرض لمدرعة سعودية حديثة الصنع أطلق عليها “سلمان الحزم” من إنتاج 2016، وتتميز بصلابتها وقوتها الهجومية والتكتيكية.
وفي خطوة متقدمة، تسلّمت الكويت في شهر فبراير/شباط 2016 أول سفينة حربية صناعة سعودية 100%، ضمن واحدة من أربع قطع بحرية عسكرية جميعها معنية بالعمليات اللوجستية والمراقبة والدعم والتموين.
وتسمى السفينة “الزور 10” وهي بطول 46 متراً، وتتمتع بتقنيات متقدمة وقدرة عالية على المناورة، وتم بناؤها بالكامل داخل مجموعة “الزامل للخدمات البحرية” السعودية، بتقنيات أوروبية متقدمة.
ومؤخراً، قبل إعلان رؤية االسعودية 2030، كانت المملكة اعتمدت استراتيجية استغلال صفقات السلاح الضخمة التي عقدتها مع دول خارجية بوضع شروط لاستثمار (25ــ35%) من قيمة هذه الاتفاقيات لنقل التقنية، والتأسيس لصناعات عسكرية وإلكترونية متقدمة محلياً.
ومن خلال عدة شراكات محلية ودولية تم تأسيس شركة للإلكترونيات المتقدمة، وشركة للطائرات، ومصنع لأنظمة الأهداف المتحركة، وشركة لصيانة وتشغيل وتحديث المعدات العسكرية والمدنية، والتأسيس لصناعات الفضاء وتصنيع الأقمار بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
لا شك أن تخاذل واشنطن بقيادة الرئيس باراك أوباما عن الانخراط الجاد في وضع حلول للعديد من الأزمات الإقليمية، وانكفاءها إلى الشأن الداخلي تدريجياً، كان له فوائد هامة؛ منها أن يدفع دول الخليج إلى تبني مسار التصنيع العسكري والاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية، بحيث تعتمد على نفسها لحماية مصالحها، في حين يشكل التطور النوعي في الصناعات العسكرية الخليجية عاملاً إضافياً في استقلال القرار السياسي والعسكري، ولتصبح العلاقات الدولية قائمة على الندية والتفوق النوعي بين الشركاء المحليين أو الإقليميين أو على الصعيد العالمي.