‘محللون: رؤية السعودية “جريئة” لكنها “غير واقعية” في بعض رهاناتها’

28 أبريل، 2016

رأى مراقبون في “رؤية المملكة” الجديدة لعام 2030 تحولا جذريا وضروريا في النظرة التقليدية التي عهدناها حتى الآن، في السعودية ومعظم الدول النامية الأخرى.

ذلك لأن الحديث عن خطر “حالة الإدمان النفطية” أو عن ضرورة اعتبار البترول والغاز، وغيرهما من المواد الأولية، ليس مجرد سلعة تستهلك محلياً أو تصدّر للأسواق العالمية، بل وسيلة استثمار لتنمية مصادر أخرى مستديمة للإنتاج والدخل، هو حديث نادرا ما سمعناه على لسان المسؤولين في بلادنا، كما كتب أحد المحللين الاقتصاديين.

هذا في الوقت الذي يتراجع فيه احتياطي هذه الدول من البترول والغاز عاما بعد عام ويزداد استهلاكها من الطاقة كما تزداد حاجاتها المالية ويقترب تاريخ الانفجار الكبير عندما ستنتقل، كما انتقل غيرها، من حالة المصدّر إلى حالة المستورد للطاقة، هذا ناهيك عن النهب والفساد وأنواع الاستنزاف.

ومهما كانت الأسباب والدوافع، فالواقع أنه من الصعب فصل “رؤية المملكة” الجديدة التي عرضها الأمير محمد بن سلمان عن الصعوبات الراهنة التي تواجهها السعودية جراء تدهور أسعار البترول والعجز غير المسبوق في الميزانية وتراجع الاحتياطي المالي الذي هبط إلى أدنى مستوى له منذ العام 2007، والذي قد يتلاشى تماماً خلال 5 سنوات فقط، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، في حال استمرت الأوضاع على حالها، وفقا لمحلل الاقتصادي نفسه.

أضف إلى ذلك كله، نفقات الدعم للمنتجات البترولية والكهرباء وغيرها من حاجات الاستهلاك الأساسية، وتفشي البطالة، وأعباء المجابهة مع إيران والحرب في اليمن، واقتراب انتقال المملكة إلى مرحلة ما بعد البترول، بمعنى ارتفاع حاجات استهلاك الطاقة المحلي إلى ما فوق طاقة الإنتاج.

ويبقى أنه أول مسؤول عربي يتكلم بهذه الجرأة عن موضوع مصيري كان من المفترض أن تعطيه كل الدول المعنية الاهتمام اللازم منذ اليوم الأول لاستغلال ثروتها النفطية، كما فعلت النرويج وغيرها من الدول المتقدمة، كما رأى هذا المحلل.

“أما الوسائل العملية اللازمة للتعويض، ولو جزئياً، عن العقود الطويلة التي ضاعت، ولتجنب هدر المزيد من الوقت والقدرات، فقد اكتفى المسؤول السعودي بالإشارة إلى بعض الخطوط العريضة للتدابير التي يدعو للقيام بها، وفي طليعتها جذب استثمارات ضخمة أجنبية عن طريق صندوق جديد يؤسس في الولايات المتحدة الأميركية على الأرجح، توكل إليه عملية اكتتاب في أقل من 5% من أسهم أرامكو في مرحلة أولى، تليها مراحل اكتتاب في شركات سعودية عملاقة أخرى من بينها عدد من الشركات البتروكيميائية التي تحتل مكانة مرموقة بين الشركات العالمية. ومن المتوقع أن تتم عملية الاكتتاب هذه عن طريق مصارف كبرى وعبر وسائل أصبحت معروفة تحت اسم IPO، أي Initial Public Offering“، كما كتب.

وأضاف: “يبقى أن الشروط الأساسية لنجاح هذا النوع من العمليات تتلخص في ثقة المستثمرين والشفافية واستقلالية الشركات أو المؤسسات المعنية عن السلطة السياسية. وإن كان من المعروف أن الأرامكو تملك احتياطياً يقارب 261 مليار برميل من البترول، وتأتي في طليعة الشركات المنتجة وة، فالواقع أن بياناتها وحساباتها لا تمتاز بالوضوح والشفافية”.

كما إن ثمة علامات استفهام كبيرة ما زالت قائمة حول إمكانية فصل “أرامكو” عن العائلة المالكة وعن الاعتبارات السياسية الخاصة بالمملكة، وفي مقدمتها  الاستعمال المستمر للبترول كأداة نفوذ وقدرة سياسية ووسيلة ضغط على الدول الأخرى الصديقة وغيرها.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك أمكانية التحكم بمستوى الإنتاج بغية الاحتفاظ بأكبر حصة ممكنة في السوق العالمية والتأثير في الدول ة الأخرى، كما يحصل حالياً، ومنذ منتصف العام 2014، مع ما نتج عن ذلك من هبوط حاد في الأسعار وأضرار فادحة تصيب كل البلدان المعنية، بما فيها المملكة السعودية.

والقول بأن “الرؤية الجديدة” التي تحدّث عنها ولي ولي العهد السعودي لن تطال في المرحلة الأولى سوى أقل من 5% من مجموع أسهم الأرامكو، فمن المشكوك فيه أن يكون هذا كافياً لإقناع المستثمرين بشفافية واستقلالية صندوق الاستثمار المزمع أنشاؤه، طالما ظلت أوضاع 95% الباقية على حالها.

* “رؤية جريئة”:

هذا، وقد رأت صحيفة “السفير” اللبنانية أن الرؤية تطرح تساؤلات عن قدرة المملكة على إنهاء ما سماه وليَ ولي العهد السعودي “إدمان” البلاد للنفط واعتمادها عليه، في تحد لن يكون أقل من تحول جذري في النظام الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.

ويبدو طموح “رؤية السعودية 2013” جريئا في بلد عُرف طويلاً بإنفاق حكومي ضخم. والواقع أن ثمة عوامل عدة تخدم توجهات الأمير محمد بن سلمان، أولها الضرورات الكبيرة للإصلاح الاقتصادي، فمع التراجع الكبير لأسعار النفط برز الحجم الفادح للإنفاق العام وارتفع نسبة الدين العام إلى مستويات قياسية. وهو ما أقر به الأمير في حديثه الأخير إلى وكالة “بلومبرغ” بأن السعودية كانت في خطر العام الماضي.

وقالت الصحيفة إن ما يثير تفاؤل الخبراء الاقتصاديين بالإصلاحات خلافاً لمحاولات سابقة، الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها ولي ولي العهد الذي يحظى بدعم والده الملك سلمان بن عبد العزيز، إضافة إلى توليه رئاسة المجلس الاقتصادي والتنموي الواسع الصلاحيات.

ولعل الاجتماع الأخير لمنظمة البلدان ة للنفط “أوبيك” في الدوحة كان الدليل الأوضح على النفوذ الواسع الذي يتمتع به الأمير الشاب.

وتفترض الخطة المقترحة تقليصاً لشبكة الدعم الاجتماعي وفرض ضرائب جديدة، وهو ما يمثل تعديلاً كبيراً في العقد الاجتماعي في المملكة، وهنا يكمن التحدي الأكبر لولي ولي العهد، فضلاً عن بناء قطاع خاص أكثر حيوية.

وثمة جيل عريض من الشباب السعودي يعلق آمالاً كبيرة على هذه الخطوات، كما كتبت الصحيفة.

* قراءة اقتصادية أولية نقدية:

في حين يرى المحلل الاقتصادي اللبناني، غازي وزني، أن الخطة “طموحة جداً” ولها مخاطرها مثلما لها إيجابياتها، فلماذا؟

وبالنسبة إلى النقاط الشديدة الطموح فيها، يقول وزني:

1- تعتبر الخطة أن “الصندوق السيادي”، البالغ حجمه 2 تريليون دولار.

2- التحول من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق، أي من اقتصاد يعتمد كلياً على مداخيل النفط (نحو 80 في المائة) إلى اقتصاد الخدمات، يحتاج إلى فترة زمنية، أي إلى عقود من الزمن وليس فقط إلى 15 سنة.

3- خفض البطالة من 11 في المائة إلى 7 في المائة يحتاج إلى تغيير كلي في النمط الاقتصادي وإلى التأهيل والتدريب وتغيير نموذج التعليم وإلى الكفاءات…

4- رفع حجم السياحة والحج حالياً من 8 ملايين إلى 16 مليوناً ثم إلى 30 مليون شخص، قد يواجه مشكلة العقلية والعادات والنظام القائم والانفتاح وغيرها.

ويرى المحلل الاقتصادي اللبناني أن الخطة “ليست واقعية” في النقاط التالية:

أولاً، إنهاء اعتماد المملكة على إيراد النفط بحلول العام 2020، ليس خياراً واقعياً، لأن السعودية تعتمد حالياً على 80 في المائة من إيراداتها على النفط، وثانياً أن العجز في الميزانية العامة في العام 2016 يصل إلى 20 في المائة، أي حوالي 124 مليار دولار، فيما يقدر صندوق النقد الدولي العجز السعودي في العام 2017، بحوالي 17 في المائة، وثالثاً إن المملكة خسرت في العامين الماضيين، 135 مليار دولار من احتياطاتها من العملة الأجنبية التي تراجعت من 735 مليار دولار إلى 595 مليار دولار.

أما على الصعيد السياحي، فإن التحول إلى قطاع الخدمات وخاصة السياحة والتجارة على غرار الجارة دبي التي تستقطب حوالي 10 ملايين سائح سنوياً، يحتاج إلى مناخ عام منفتح وأماكن سياحية جاذبة وإلى قوانين وتشريعات مرنة…

وبالنسبة إلى الإشارة للموقع الجغرافي للمملكة لجذب المستثمرين ورجال الأعمال من الخارج ولجعل المملكة موقع ربط بين آسيا وأفريقيا، إضافة إلى قرار بناء الجسر بين السعودية ومصر، فيرى المحلل نفسه أنه من الصعب ضمان أن هذه الاعتبارات ستعزز دور التبادل التجاري بين المملكة والمنطقة والعالم.

ولهذه الرؤية مخاطرها كما يراها الدكتور وزني:

1- احتمال خسارة الصندوق السيادي قيمته في حال تراجع أسعار النفط عالمياً، لأن العامل الرئيس في هذا الصندوق يتوقف على قيمة شركة “أرامكو” وشركات تابعة لها والمقدّرة قيمتها بين 2 تريليون دولار و2.5 تريليون دولار.

2- الإخفاق في التحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد الخدمات بسبب قيود المجتمع والعادات والتقاليد والنظام وبسبب المنافسة لها من قبل دول الجوار (دبي، تركيا، الأردن ولبنان).

3- تداول أسهم “أرامكو” في السوق المالي السعودي، وليس في الأسواق المالية العالمية لتنشيط السوق المحلي، يفقد من قيمة هذا السهم لدى كبار المستثمرين العالميين وكبار الصناديق الاستثمارية العالمية.

ومع ذلك، يرى الدكتور وزني، أن للرؤية إيجابياتها أيضاً، ومن بينها تنويع مصادر دخل المملكة ما يخفف من اعتمادها ورهن نموها على أسعار النفط. كما إن الخطة تلحظ رفع الدعم عن المياه والبنزين والكهرباء وترشّد الإنفاق خصوصاً في المجال العسكري (قال بن سلمان إن السعودية في العام 2015، كانت أكبر ثالث دولة تنفق عسكرياً في العالم).

ويضيف المحلل الاقتصادي وزني” أن من الإيجابيات التحول إلى قطاع الخدمات وتقوية قطاع التعدين، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد تساهم في خلق فرص عمل وتخفيض حجم البطالة، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والرقابة في إدارة الصندوق السيادي وفي المناقصات العامة، إضافة الى إيجابية قرار الإصلاح في الجهاز الحكومي.

وبالإجمال، يقول الدكتور وزني إن التوقيت غير مناسب بالنسبة لاقتصاد السعودي، لأن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن النمو ضعيف، ويسجل نحو 1.2 في المائة بحسب صندوق النقد الدولي، في حين يقترب العجز في المالية العامة من 20 في المائة، بينما تصل البطالة إلى نحو 14 في المائة، هذا إلى جانب أن المداخيل النفطية تراجعت أكثر من 60 في المائة، وتراجعت موجودات صندوق الاحتياط للعملات الأجنبية، وهذا من دون أن ننسى أنه في ظل الاجتماع النفطي المتعثر الذي عقد في الدوحة مؤخراً، يُتوقع أن تبقى أسعار النفط في العام 2016 منخفضة، أي أقل من 50 دولاراً للبرميل.

 

28 أبريل، 2016