بانتظار صفقة جديدة.. إيران تعطل الحل السلمي بخمس عواصم عربية!

1 مايو، 2016

 إيران نجحت في تعطيل قطار التسويات السلمية بخمس عواصم عربية في آن واحد، سوريا، اليمن، لبنان، العراق، البحرين، فبينما تصاعدت آمال إنهاء الحروب والنزاعات الأهلية الداخلية، ضغطت إيران بقوة لتعطيل مسارات التهدئةووقف إطلاق النار، والمصالحات الوطنية الداخلية، عبر توظيف شبكة نفوذها بداخل الدولة، الأمر الذي يعكس، بحسب مراقبين، انتظار إيران لثمن أو صفقات مزدوجة لحلحلة مواقفها، تتعلق بمسار رفع العقوبات وأسعار النفط، ودور الميلشيات الشيعية ونصيبها في أي سلطة سياسية قادمة، وحجم هيمنتها على هياكل الدولة السياسية والاقتصادية، والأهم الأمنية والعسكرية.

بالرغم مما يبدو من قوة إيرانية في تعطيل هذه الملفات الحرجة، إلا أن مراقبين يرصدون على التوازي معها تراجع وورطة إيرانية مالية واقتصادية، وعجزًا متناميًا يهدد وضعها بالداخل وتدخلاتها في الخارج، وقد تكون مهيأة أيضًا لتقديم تنازلات، خاصة مع بطء تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، وإذا نجح الخليج في الضغط لتعليق بنوده وربطها بوقف الحروب الإيرانية بالوكالة.

تسويات معطلة تحت العربدة الإيرانية  

في رصد للعربدة الإيرانية أين وكيف؟ قال الكاتب والصحفي اللبناني “عبدالوهاب بدرخان” في مقاله بصحيفة الحياة اللندنية في 28 أبريل 2016، بعنوان “الحلول السلمية تحت رحمة سلاح التعطيل الإيراني”: إن الأزمات في عدد من الدول العربية تراوح بين إبطاء الحلول واستحالتها، في انتظار متغيّرات إقليمية لا تنفكّ تتأخر أو تتعقّد. الفارق الوحيد بين هذه الأزمات أن بعضاً منها يزهق يومياً أرواحاً بشرية، لكنها جميعاً تدمّر الاقتصاد وتراكم صعوبات مستقبلية. أما الرابط بينها، عدا ليبيا، فهو الدور الإيراني. وإذ لم تُرفع العقوبات بالسرعة التي توخّتها طهران فإنها اندفعت إلى التصعيد في سوريا، وأوصت بالمماطلة في اليمن، وواصلت التأزيم في العراق، فيما تمدّد لتعطيل الدولة في لبنان، وتديم حالاً من الجمود في البحرين، مبقيةً خياراتها للتوتير والتدخّل قائمةً هنا وهناك في المحيط العربي.

اليمن.. الحوار عبر إيران

وتابع: والسؤال هنا: مَن يملك قرار وقف القتال، الحوثيون أم الإيرانيون؟.. كان الحوار مع السعودية والموافقة على إجراء «المشاورات» في الكويت، إشارتين إيرانيتين إلى الرياض وعواصم الخليج، بأن الحل ممكنٌ، لكنه يمرّ بـ «حوار» مع طهران. وطالما أن الموقف (السعودي – الخليجي) من هذا الحوار لم يتغيّر، فإن التوصية الإيرانية للانقلابيين هي التفاوض للتفاوض وإضاعة الوقت، طالما أنهم يسيطرون على مدن الشمال ويحاصرون كُبراها تعز.

كان قد صرح مصدر يمني مشارك بالحوار الوطني بالكويت المقام تحت رعاية الأمم المتحدة، بأن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، هدد وفد جماعة أنصار الله الحوثي وأتباع المعزول صالح، بالبند السابع حال بيان عدم جديتهم في المفاوضات.

وأضاف ، أن تهديدات ولد الشيخ للحوثي أنقذت المشاورات من انهيار وشيك، عقب تلاعب الحوثي وصالح بأجندة الأعمال، ومحاولاتهم المستمرة في افتعال الأزمات لإفشال الحوار.

سوريا من الهدنة الهشة إلى التصعيد

في سوريا، لم يتطرّقوا أبداً إلى تحركات إيران والميليشيات التابعة لها، على رغم من أن خطورتها على الهدنة كانت واضحة. وانتهى الأميركيون الأسبوع الماضي، إلى «اكتشاف» أن الروس ينقلون معدّات ثقيلة نحو حلب، ليتبيّن أولاً أن الاتفاق على «الهدنة» لم يغيّر خطط روسيا، وثانياً أن توافقات موسكو وطهران أكثر فاعلية وثباتاً من تفاهمات موسكو وواشنطن، بمعزلٍ عن النتائج، بحسب بدرخان.

بدوره دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا اليوم الخميس، زعيمي روسيا والولايات المتحدة إلى إنقاذ وقف الأعمال القتالية في سوريا، الذي مضى عليه شهران، وتنشيط عملية السلام المتعثرة. وأعرب دي ميستورا عن قلقه العميق حيال هشاشة اتفاق وقف الأعمال القتالية في حلب، وفي ثلاث بؤر ساخنة أخرى على الاقل.

العراق.. حرب الميلشيات والنفوذ       

في العراق رصد بدرخان أن عودة الأميركيين لمواكبة الحرب على «داعش»، أعادت شيئاً من التوازن إلى صيغة «تقاسم النفوذ» بينهم وبين الإيرانيين، كما فرضت تعديلاً على صيغة الهيمنة التي بنتها إيران بعد انسحابهم في نهاية 2011، معتمدة على التفريخ المستدام لميليشيات «الحشد». وخلافاً للتهميش الذي انتهجه الإيرانيون حيال الجيش العراقي، عمل الأميركيون على إعادة الاعتبار له، وأعادوا هيكلته وتدريبه وطوّروا تسليحه. وعلى الرغم من رضوخ حيدر العبادي لضغوط إيران بإضفائه «شرعية» على الميليشيات، إلا أن الأميركيين يضغطون لدمج العناصر الصالحة منها في الجيش، وهذه خطوة تندرج في تعزيز مكانة الدولة. ولا شك في أن الأزمة الحكومية الحالية تعكس هواجس إيران مما بعد إنهاء سيطرة «داعش»، الذي سيشكّل محكّاً حاسماً لمشروع الدولة في العراق، وكذلك لمستقبل الهيمنة الإيرانية.

النهج التخريبي بالبحرين    

في البحرين يرى بدرخان أن الدولة استطاعت أن تحمي البلد من النهج التخريبي لأتباع إيران، وعلى الرغم من أنهم تسبّبوا بأفدح الأضرار للاقتصاد الوطني، فإن الدولة لا تزال مستعدة لحوار وطني يطوّر الإصلاحات، ويحافظ على التعايش بين مكوّنات المجتمع، لكنهم ينتظرون التعليمات من طهران، التي تنتظر بدورها متغيّرات إقليمية، ولذلك فهي تحضّهم على إدامة مناخ الأزمة بدل المساهمة في الانفراج والمشاركة في رسم المستقبل.

تدمير لبنان.. دولة هشة   

على العكس، لم تستطع الدولة اللبنانية وفق تحليل بدرخان، الصمود أمام خداع «سلاح المقاومة»، الذي كسب شرعيته في محاربة إسرائيل وخسرها في إفساد السلم الأهلي، ثم بانضوائه في آلة النظام السوري للقتل والتدمير. لم تكتفِ ميليشيا «حزب الله» بالانخراط في حرب قذرة واحدة خارج الحدود، بل قادتها وظيفتها الإيرانية إلى كل الحروب، إلى أن استحقت تصنيفها إرهابيةً يجوز ضدّها ما يجوز ضد «داعش». ولم تكتف بتجاوز الدولة في لبنان، بل عملت على إضعافها، ثم تعطيل انتخاب رئيسها وتقييد الحكومة، ثم وضع البلد على لوائح الاشتباه الدولي، فضلاً عن تعريض قطاعه المصرفي، وهو عماد الاقتصاد، لقيود عالمية لا تزال في بدايتها.

خامنئي يشكو!

بالرغم مما يبدو بأن إيران تعربد بالعواصم العربية، إلا أنها في ورطة وبحاجة لمصالحات إقليمية، قضية رصدها الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقاله بعنوان “استنزاف إيران” بالشرق الأوسط، في 28 أبريل 2016، حيث أكد أن “المرشد الأعلى في إيران يشتكي بمرارة من أن الغرب لم يفِ بوعوده، وأن العقوبات الاقتصادية على بلاده لم ترفع، رغم أنها قدمت الالتزامات المطلوبة منها بإيقاف مشروعها النووي. لا بد أن الوضع عسير على الحكومة الإيرانية حتى تجأر بالشكوى على هذا المستوى”.

وأضاف: “حظها سيّئ جدًا، فأسعار البترول لا تزال منخفضة، وبسببها وضع إيران المالي اليوم، بعد توقيع اتفاقية البرنامج النووي، هو أسوأ كثيرًا مما كان عليه مثل هذا اليوم قبل عام مضى، عندما قبلت بالاتفاق المبدئي! أمر لم يخطر على بال القيادة الإيرانية، التي كانت تعتقد أن رفع العقوبات سينهي أزمتها الاقتصادية، في نفس الوقت حجم الانخراط الإيراني العسكري في الخارج يزداد بسبب اشتداد المعارك، وتمويلها المتعدد للأنظمة الحليفة، مثل بشار الأسد في سوريا و«حزب الله» في لبنان والجماعة الحوثية في اليمن.

فإيران، خسرت، مثل بقية دول النفط المنتجة، أكثر من ستين في المائة من مدخولها المالي الرئيسي، ولم تسعفها التحويلات المالية التي استرجعت بعضها من حساباتها المجمدة في الخارج. كما أن العقود والصفقات الكثيرة التي استعجلت توقيعها مع حكومات وشركات عالمية لشراء أسلحة، وطائرات مدنية، ومشاريع للبنية التحتية، في ورطة، حيث لا يوجد تمويل لها، مما يعني أن على طهران أن تدفع المزيد من الفوائد البنكية، والغرامات عند التأخير في دفعها.

إيران بانتظار صفقة؟     

يبدو أن إيران تبحث عن حزمة من الصفقات مع أوروبا وأمريكا، ويبدو أنها مرتبطة بمواقفها وتدخلاتها بالشرق الأوسط، فما زالت واشنطن تمنع طهران من دخول النظام المالي العالمي، فبالرغم من توقيع اتفاق نووي، بقيت بعض العقوبات الأمريكية سارية المفعول؛ بسبب اتهام واشنطن لطهران بدعم الإرهاب.

وكانت طهران قد طالبت الاتحاد الأوروبي بالضغط على واشنطن؛ للسماح لها بدخول النظام المالي العالمي، في أحدث مسعى لضمان تأييد أوروبا؛ للحصول على تنازلات مالية أمريكية، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في الزيارة التي قام بها الوفد الأوروبي بقيادة مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني لطهران: “طلبنا من الولايات المتحدة، وضغطنا عليها، وسيقوم الاتحاد الأوروبي بنفس الشيء. على الولايات المتحدة أيضًا أن تسمح للبنوك غير الأمريكية بالعمل مع إيران”.

الأكثر خطورة بالنسبة لإيران إعلان محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، في 24 مارس 2016، أن “الولايات المتحدة تشترط «تفكيك الحرس الثوري» لإتاحة انضمام طهران إلى منظمة التجارة العالمية.”