في الكونغو.. الحروب والفوضى لا تنتهي

2 مايو، 2016

 عميقا في الغابة، على بعد ميل من أي مدينة من المدن الكبرى، يقع مصنع للقطن مهجور بالكامل، لا توجد شرطة لحراسته، أو كهرباء أو مياه، ولا حتى شعور بالقلق من جانب السلطات للقيام بأي شيء من أجل ذلك المصنع.

ومع مرور الأيام، بدأ مئات من النازحين استخدام هذا المصنع كملجأ أمن يعيشون فيه بهدوء يرتدون الملابس البالية، وينظرون إلى السماء بجانب الماكينات الصدئة التي لم تتغير على مدى عقود.

إنهم من سكان “بامبوتي” مجموعة مهمشة من سكان الغابات ضحايا واحدة من حروب صغيرة غامضة تظهر جمهورية الكونغو الشعبية موهبة فريدة في إنتاجها.

جاء ذلك في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” اﻷمريكية لتسليط الضوء على الصراعات التي تعيشها أكبر دول أفريقيا جنوب الصحراء، وتعاني من فوضى لا تنتهي، بسبب ضعف الحكومة المركزية، وإنخفاض شعبية الرئيس جوزيف كابيلا بسبب تجاهله ﻷوضاع الشعب الذي يعاني من فقر مدقع.

وقال كالونغا اتيان أحد شيوخ الـ “بامبوتي” :”كأننا ليس لنا وجود”. هذا ما أصبحت عليه جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر بلد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وواحدة من الدول التي تعج بالصراعات المسلحة.

وبحسب الصحيفة، هناك أكثر من 60 مجموعة مسلحة تعمل في شمال وجنوب كيفو، بينهم التمرد الاسلامي، وبقايا “جيش الرب” للمقاومة في منطقة أويلي، وهو جماعة متمردة متخصصة في اختطاف الأطفال وتحويلهم إلى قتلة، والمتمردون في إيتوري، وهم جماعة إنفصالية في كاتانغا، والفصائل المسلحة في مانيما، والمقاتلين في منطقة نيونزو، وميليشيات الشباب في العاصمة كينشاسا.

دول قليلة في أفريقيا، إذا لم يكن في كل العالم، هي موطن لأكبر عدد ممكن من الجماعات المسلحة، ورغم مليارات الدولارات من المساعدات، وواحدة من أكبر بعثات حفظ السلام في تاريخ الأمم المتحدة، واهتمام دولي كبير على مدى عقدين من الزمن، حكومة الكونغو غير قادرة على توفير الخدمة الأكثر جوهرية للشعب، “الأمن”.

وقالت الصحيفة، تجزئة، تحزب، اضمحلال، مساحات غائب عنها القانون، وأخرى غير قابلة للحكم، هذه المصطلحات يستخدمها عمال الإغاثة والأكاديميين لوصف الكونغو اليوم، وسط توقعات بأن يزداد اﻷمر سوءا.

في الأشهر المقبلة، مطلوب من رئيس الكونغو “جوزيف كابيلا” التنحي، لكنه لم يبد أي نية للقيام بذلك.

الرئيس كابيلا لا يحظى بشعبية إلى حد كبير، وذلك بسبب الاعتقاد السائد أنه أثرى نفسه وعائلته بينما يتجاهل الملايين من الشعب الكونغولي في فقر مدقع، وكانت هناك احتجاجات دامية ضد محاولاته لتجنب حدود الفترة الرئاسية التي حددها الدستور، ومحاولة تمديد حكمه، حيث اندلعت مظاهرات صاخبة في 20 إبريل الماضي في لوبومباشي، واحدة من أكبر المدن في الكونغو.

وأوضحت الصحيفة، رغم سجل كابيلا القوى في تحقيق فوزا مهما ضد أكبر جماعة متمردة،في 23 مايو عام 2013، انقسم العديد من الجماعات المسلحة الأخرى إلى قطع خطرة، وجديدة ظهرت مؤخرا، مثل الميليشيات في منطقة نيونزو التي أسفرت عملياتها عن مقتل المئات.

وهناك أسباب كثيرة لذلك، ولكن أهمها، نمط الإفلات من العقاب وزيادة التوترات المحلية على الأراضي، والموارد الأخرى، وقد تكون هناك عوامل أخرى مثل سجل الحكومة السيء، ودمج المتمردين السابقين في الجيش الوطني وفشلها في بسط سيطرتها على المناطق التي كانت الجماعات المتمردة الكبيرة تستخدمها، والتي خلقت فرص لفصائل مسلحة جديدة لتولي المسؤولية، بحسب الصحيفة.

وقالت الصحيفة، ما يثير القلق أن تزايد الصراعات المحلية، سوف تتكثف بشكل كبير فقط إذا كان هناك أزمة تتعلق بالانتخابات، التي يعتقد معظم المحللين أنها سوف تحدث.

ونقلت الصحيفة عن كريستوفر فوغل الباحث في شئون الكونغو بجامعة زيورخ:” مع المقامرة الانتخابية المقبلة، نحن قد نرى الكثير من الأمور سواء في كيفو وغيرها”.

نيونزو، منطقة في جنوب شرق البلاد، كثير من الناس الذين يعيشون فيها هم من عشيرة “بامبوتي”، واحدة من الجماعات البدائية التي تعيش في غابات الكونغو – والمعروفة على نطاق واسع بالأقزام-.

وقال أحد قائدة الـ “بامبوتي” بنبرة حزينة: هذه هذه حربنا الأولى .. ولو كان اﻷمر بيدي، لكنت حاليا في الغابة اصطاد الظباء أو الجراد لتناول وجبة خفيفة.

العديد من المحللين يقولون الكثير عن مسار الصراعات المحلية التي تنشأ بين أعضاء المجموعات البدائية.

وقال “باري س هيوليت” عالم الأنثروبولوجيا الذي أمضى عقودا في دراسة المجتمعات البدائية في أفريقيا الوسطى:” وجودها يعتمد على التعاون .. المشاركة والعطاء أمر ضروري لطريقتهم في الحياة.. وبخلاف ذلك تحدث الصراعات”.

ويقول قائد الـ “بامبوتي”:” الحرب بدأت عام 2014، إثر علاقة غرامية خارج نطاق الزواج.

وقال شيوخ في نيونزو إن رجلا من جماعة عرقية أخرى تدعى “لوبا” كان على علاقة بامرأة  من الـ بامبوتي، واشتعلت هذه الفضيحة، ﻷن الرجل كان متزوجا من امرأة ووقعت توترات بين المجموعتين.

بالنسبة لأجيال سابقة، بعض الرجال من مجموعة لوبا اختاروا الزواج من عرائس من مجتمعات مثل الـ بامبوتي، مما اعتبره عدد من شيوخ لوبا إهانة، وأن هولاء الرجال لا يقدمون ما يكفي من الاحترام لوالدي المرأة.

وبحسب محللون، فهناك مشاكل أعمق وقعت بين لوبا بامبوتي أدت لوقوع هذا الحرب مثل حقوق الأراضي، وممارسات العمل.

موجة الغضب والعنف حولت المنطقة عبر التلال الخضراء، وهي منطقة جميلة بشكل مذهل إلى لون الدماء، مع تسارع تحولها لساحة للقتل الشنيع.

حيث قطعت الأعضاء التناسلية لبعض الضحايا، وآخرين وجوههم، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي نقل عن أحد الناجين من أفراد ميليشيا “لوبا” يصرخ قائلا: “سوف نبيدكم جميعا هذا العام”، في إشارة لعشيرة الـ “بامبوتي”

المئات إن لم يكن الآلاف من المنازل أحرقت. وكان الناس يفرون في جميع الاتجاهات، القليل استخدم البنادق، وكانت السهام والأسلحة البيضاء هي المستخدمة، ووجود الحكومة هناك تكاد تكون معدومة، وقتل المئات قبل وصول الجيش، وهذا ما يحدث كثيرا في الكونغو.